تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة تحولاً اجتماعياً عميقاً ألقت بظلاله تحديات متزايدة على منظومة القيم المجتمعية والتنظيمية التي لطالما شكلت أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد. ويبرز تراجع الالتزام بالقيم المشتركة واحترام النظام العام كأحد أبرز ملامح الأزمة الراهنة، مما يهدد بزعزعة النسيج الاجتماعي و السلم الاهلي وتعميق فجوة الثقة بين مختلف الفرقاء.

لقد كانت القيم التقليدية، بما تحمله من احترام للسلطة والالتزام بروح الجماعة والتضامن الاجتماعي، ركيزة أساسية لضمان الانسجام المجتمعي. إلا أن التطورات الاقتصادية والاجتماعية، مصحوبة بضعف مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالعائلة والمدرسة، ساهمت في بروز سلوكيات فردية وأنماط من الانفلات الأخلاقي والتنظيمي.

ولا يمكن النظر إلى هذه الأزمة بمعزل عن التحولات السياسية والاقتصادية العميقة التي مرت بها البلاد، حيث أدى غياب التخطيط الاستراتيجي، إلى خلق حالة من اللامبالاة.

في هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني توجهات عملية وجادة لاستعادة التوازن المجتمعي وترسيخ احترام النظام العام. ومن أهم هذه التوجهات:

1. تعزيز سلطة القانون: من خلال تطبيقه بحزم وعدل على الجميع دون استثناء، بما يعزز ثقة المواطن بعدالة الدولة ويحد من ظواهر الإفلات من العقاب.

2. إصلاح منظومة التعليم: بغية بناء جيل جديد متشبع بقيم المواطنة والمسؤولية الجماعية، مع التركيز على التربية المدنية وترسيخ ثقافة احترام المؤسسات.

3. إحياء القيم الثقافية الإيجابية: عبر دعم المبادرات الثقافية والدينية التي تروج للسلم الاجتماعي والانضباط، وإحياء دور الوجهاء والزعامات التقليدية في الوساطة وتعزيز اللحمة الوطنية.

4. الإصلاح الإداري: بمحاربة الفساد وترسيخ مبدأ الشفافية، لضمان استقامة الأداء الإداري وتعزيز الرضا العام.

5. تشجيع الحوار الوطني: من خلال فتح منصات حوار واسعة تتيح لجميع الأطياف المجتمعية التعبير عن تطلعاتها، وبحث سبل التعايش المشترك على أسس عادلة ومتوازنة.

إن استعادة اللحمة الوطنية في موريتانيا ليست مهمة قاصرة على أجهزة الحكم فحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر جهود الجميع: مؤسسات وأفراداً ونخباً فكرية وثقافية. فالاحترام للنظام العام والانتماء الوطني لا يُفرضان بالقوة، بل يُبنيان عبر الثقة المتبادلة، والعدالة الناجزة، والالتزام الصادق بالقيم والمبادئ التي تضمن استقرار الأوطان وازدهارها.
محمد ولد عمار