في السنوات الأخيرة، أصبحت المهرجانات المحلية إحدى أبرز الأدوات التي تلجأ إليها الدول والمجتمعات لتفعيل دينامية التنمية على المستوى القاعدي. فبعيدًا عن بعدها الاحتفالي الظاهر، تُعد هذه المهرجانات فرصة حقيقية لإبراز المقومات الاقتصادية والثقافية للمدن والبلدات الداخلية، وتُساهم في إعادة توجيه الأنظار إلى موارد غالبًا ما تكون مُهمَّشة أو غير مستثمرة بالشكل المطلوب.
أفق التنمية من بوابة الثقافة المحلية
في البلدان التي تعتمد على مركزية مفرطة، تظل المناطق الداخلية تعاني من قلة الاهتمام وتدني الاستثمارات. غير أن اعتماد منهجية قائمة على تنظيم مهرجانات محلية – مهما بدت بسيطة في ظاهرها – قد يُغير هذا الواقع. إذ توفر هذه الفعاليات فضاءً لعرض المنتجات المحلية، وتنشيط الحركة الاقتصادية، وتحفيز السياحة الداخلية، فضلاً عن تقوية الروابط بين الفاعلين المحليين.
اللامركزية: شرط أساسي لنجاح المبادرات المحلية
ما من تنمية محلية ناجعة إلا في إطار حكم لا مركزي يتيح للمجالس الجهوية والبلدية صلاحيات حقيقية لإطلاق مبادرات تنموية متجذّرة في بيئتها. ومن هذا المنطلق، فإن المهرجانات المحلية، بما تحمله من خصوصية، لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا خُطط لها محليًا، ونُفذت بوسائل وإرادة نابعة من ذات المجتمع. حين تُدعم مثل هذه المبادرات من طرف سلطات لا مركزية واعية بدورها، تتحول إلى أدوات فعلية للتغيير والتنمية.
لماذا مهرجان للتمور في مدينة كيفة؟
مدينة كيفة، عاصمة ولاية لعصابة، تمثل منطقة ذات موقع استراتيجي يربط ولايات الشرق والجنوب الموريتاني، وتُعد مركزًا تجاريًا وزراعيًا نشطًا. كما أن المناطق القريبة منها تحتضن مساحات مزروعة بالنخيل، ويمارس عدد كبير من السكان زراعة التمور أو الاتجار بها، وإن كان ذلك لا يزال في إطار غير منظم.
من هنا، تبدو فكرة إقامة مهرجان للتمور في مدينة كيفة مناسبة في هذا التوقيت بالذات، لما تحققه من مكاسب على عدة مستويات:
• على المستوى الاقتصادي: يتيح المهرجان فرصًا لتسويق التمور محليًا ووطنيًا، وتشجيع الاستثمار في حفظها وتحويلها إلى مواد غذائية.
• على المستوى الاجتماعي: يوفر منصات للتعاونيات النسائية والشبابية للمشاركة في العرض والبيع، مما يُعزز من تمكينهم الاقتصادي.
• على المستوى الثقافي: يشكل فرصة لإحياء الموروث المرتبط بالنخيل، بما يحمله من رمزية في المجتمع المحلي.
• على المستوى الإداري: يعكس قدرة المجالس الجهوية والبلديات على ابتكار مشاريع ثقافية تنموية تخدم الساكنة مباشرة.
خاتمة
الرهان على المهرجانات المحلية لا يجب أن يُنظر إليه باعتباره ترفًا ثقافيًا أو مجرّد مناسبة عابرة، بل هو خيار تنموي يتطلب تخطيطًا، وشراكة، وتمويلًا، وانخراطًا مجتمعيًا. وإن مهرجانًا محليًا للتمور في كيفة قد يشكل تجربة رائدة قابلة للتوسعة والتكرار، ويضع المدينة على خريطة التنمية المحلية الذكية التي تُصنع من داخل الجهات وليس من المراكز.
الكاتب الباحث في مجال العلوم الاجتماعية ؛ المختار محمد جيوانإطار بوزارة العمل الاجتماعي والطفولة والاسرة