جعجعة الفاشلين وشماعة العسكر!
وكالة كيفة للأنباء

ليتهم اكتفوا بما خلقوا له !

أكاد أشعر بأن المتنبي كان يعاني مرارة داخلية تستعصي على التعبير ، وكأنه كان يعني فتية بين أظهرنا اليوم عندما قال:

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر* ضعيف يقاويني قصير يطاول ؟

حين يبارزك من لا يحسن الرمي بالحصا ولا اللعب بالعصا ، أو يطعنك من الخلف من دفعك الحرص على سلامته لأن تتقدم ... فتلك مصيبة دونها جل مصائب الدنيا:

وظلم ذوي القربى أشد مرارة على* النفس من ضرب الحسام المهند

يجد البعض من أبناء هذا الوطن متعة خاصة وشاذة في الهجوم الشرس على العسكر تحت شماعة مناهضة الأحكام العسكرية مستغلين محركات البحث في التفتيش عن أفظع العبارات وأشنع النعوت والأوصاف مما يصلح تضمينه في تدوينة أو مقال ، ناسين أو متناسين أن عبارات السب والشتم التي اجتهدوا في صياغتها برداءة منقطعة النظير تجرح في وطنيتهم قبل أن تجرح مشاعر الغيورين على البلاد ومقدساتها من مدنيين وعسكريين لأنها تستهدف صمام أمان هذا الوطن من الأخطار الخارجية ، وبوتقة نجاته من الأزمات والكوارث الداخلية ، وفاعلا تنمويا بارزا في تنميته وبنائه يوفر من "الطحين" ما يتناسب مع مايثيره المرجفون من "جعجعة" عقيمة.

وعلى خلاف "فتية الكهف" الذين اختاروا العزلة الإيجابية ، فضل هؤلاء الفتية الإنفتاح السلبي الخارج على أدنى حدود ومعايير اللباقة والمعزز برصيد فائض من الجهل المطبق بأبجديات هذه المؤسسة ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن بعضهم دخل إلى عالم الكتابة والتدوين من النافذة الخلفية للتسرب المدرسي ، والبعض الآخر اشتغل به قبل تحصيل واستيعاب الضروري من العلوم والمعارف.

مقالات بالجملة والتقسيط على مواقع التواصل الإجتماعي أبطالها "رُوَّيْبِضِيُّونَ" تشاغلوا عن إكمال بياناتهم الشخصية المستعارة بالخوض في الشؤون السياسية والعسكرية قبل أن يتبين لأحدهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وقبل أن يتعلم مواضع الهمزة في قواعد الإملاء أو يعرف مواضع الحروف على لوحة المفاتيح.

إنهم صحفيون في زمان ومكان أصبحت الصحافة فيهما مهنة من لا مهنة له.

إنهم ينتمون لمنظمات غير حكومية ونشطاء مجتمع مدني ، وهذه أوصاف تمنح أصحابها مصادر مدرة للدخل ، و"الدخل" كلمة لا ترتبط بالداخل فقط وإنما تفتح المجال لاستقطاب التمويلات الخارجية !

إنهم محللون: اقتصاديون في الصباح ، اجتماعيون في المساء ، سياسيون فيما بين ذلك ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون.

أسراب من الفاشلين في مسابقات الإلتحاق بالأسلاك العسكرية والأمنية أو ضحايا للفشل المهني المبكر في هذه القطاعات يعلقون على شماعة العسكر كل مظاهر الفساد والإستبداد والكوارث الطبيعية و"الإصطناعية" في هذا البلد.

يتحدثون عن "سقوط العسكر" وهم أول الساقطين في وحل التصفيق والتطبيل بعد كل تغيير في النظام أو تبادل على كرسي الحكم.

فعلا ، لقد صدق المعري:

إذا عيَّر الطائيَّ بالبخل مادرٌ وعيَّر قسا بالفهاهة باقل

وقال الدجي للشمس أنت كسيفة وقال السهي للبدر وجهك حائل

وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهة ونافست النجمَ الحصي والجنادل

فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل

من جهل شيئا عاداه ، ولو تأملت هؤلاء لوجدت أنهم لايفرقون بين شرطي المرور وعنصر من القوات الخاصة وفرد من الحماية المدنية ، وقس على ذلك.

إنهم لا يميزون بين جندي أو ضابط أو ضابط صف ، لايفقهون في الرتب ولا في الوظائف ولا في المهام ولاطرق التدريب ولا أصناف العتاد ، لايميزون بين القطاعات ولا يعلمون لأي وزارة تتبع !

الحكم على الشيئ فرع عن تصوره ، والأحكام هنا بالجملة ودون أدنى قدر من التصور !

إنه الولع إلى حد الجنون بالشهرة ، والشهرة هنا تعني السبق والتشويق: السبق بنسج شائعة من بنات أقكار الكاتب ، والتشويق لأنها تتعلق بالعسكر ذلك المجتمع الذي تحيط به هالة من الغموض ناتجة عن التحفظ تدفع الفضوليين لتسقط أخباره لأن أحب شيئ إلى الإنسان ما منع.

ولكن ، لماذا االتحامل على العسكر تحديدا ؟

تجد السلطة ـ مدنية كانت أم عسكرية ـ في طغمة من المدنيين أداة وسندا في صناعة الإستبداد ، منهم من يشكل بطانة غير صالحة ، ومنهم الغوغاء الذين يرفعون في المهرجانات الكرنفالية شعارات التمجيد والتطبيل رغم أنهم لبسوا في العير ولا في النفير ولا ناقة لهم أو جمل فيما يحدث ، والقاسم المشترك بين هؤلاء وألئك هو غياب الموضوعية والروح الوطنية والأخلاقيات المهنية وانعدام النزاهة الفكرية والسعي لكسب المصالح الفئوية أو المنافع الشخصية الضيقة ، لذا لاتكاد تفرق بين النخبة والرعاع أثناء التدافع على مهرجانات الأحزاب الحاكمة أو أثناء استقبالات المسؤولين السامين في الدولة.

ولعل الأمر عائد إلى خلل في التربية المدنية في المناهج الدراسية بالنسبة للناجين من التسرب المدرسي ، حيث تغيب أو تُغيَّب قيم الوطنية إلا من مناهج المدارس العسكرية ومراكز التدريب.

ولعل هذا أيضا ماجعل من العسكريين بغض النظر عن رتبهم نخبة حقيقة تتجلى فيها مظاهر الشهامة والنبل وتختفي مسلكيات التقرب والتزلف من القائد ، ويتفادى المرؤوسون فيها الحديث أمام قادتهم عن "الأفكار النيرة" و"الإنجازات القيمة" و"تعزيز المكتسبات" على الرغم مما تشهده المؤسسة من تطور في مجالات التدريب ، وتسارع في وتيرة التحهيز بمختلف الوسائل.

فأين هم المدنيون من هذا السلوك الحضاري ؟ وكيف يكون سلوكهم أثناء زيارات المسؤولين لمؤسساتهم؟

إن واجب التحفظ الذي يفرض على العسكريين عدم مناقشة الشؤون والقرارات العسكرية أو التعليق عليها في الأماكن العامة ، قد يحسبه الجاهل نقصا في التعبير أو عجزا عن مقارعة الحجة بالحجة ، وما أسذجه من تصور !

لكن من يدفع بنفسه إلى مواطن التهلكة دفاعا عن بني جلدته لن يعدم أن يعامل القاصرين منهم ـ إدراكا لا سنا ـ بمنطق المقنع الكندي:

وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا

فَإِن أَكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم وَإِن هَدَموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا

وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا

إنها رسالة لكل من يستهدف العسكر بيده أو لسانه أو قلمه ، لمن يتشفى بمصائب الوطن أو يسعى لزعزعة استقراره ممن عشق الفوضى وكره كل ما يرمز للانضباط والنظام:

لطالما قصم الظهورَ حب الظهور ، لذا أربعوا على أنفسكم فإن نباح الكلاب لا يؤخر سير القافلة ولا يرعب الظاعنين.

كفوا أيديكم عن العبث ، وألجموا ألسنتكم الممدودة بالسوء فهي أشد ضررا من الأسلحة الجرثومية وأكثر خشونة من أحذية العسكر.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2014-04-13 02:51:12
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article6373.html