"ولد أحمين أعمر" يكشف أسرار الرئيس
وكالة كيفة للأنباء

على هامش إحدى مقابلاتي مع الأخ محمد ولد عبد العزيز، رن الهاتف فأخذه وتحدث مع متصلين وقال : قل للرجل أنها (300) ثلاثمائة وأنا متأكد وعليه أن لا يتعب نفسه ورد سماعة الهاتف،

كان يحدثني عن أسباب الانقلاب والدوافع التي أدت إليه وكان مسترخيا ونبرته هادئة تماما، كما كان الحديث ودي وحميمي وفي تلك الأثناء رن الهاتف مرة ثانية فأخذه واستمع للمتصل حتى انتهى وأجابه : قل "لمخلوق مولان" أن العدد لم يأتيني به أحد ولم أكتفي بالأوراق بل تنقلت وأشرفت شخصيا على عده وهو (300) ثلاثمائة لا تزيد ولا تنقص، ثم قطع الاتصال وأردف "هذا هو لاك لحجار".

كنا قد قطعنا مسافة في الحديث ووصلنا إلى أن دخل باكرا على معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع حاملا تظلماته من السيدة الأولى إضافة إلى موضوع معاشات الحرس الرئاسي التي يبدو أن الرئيس يوقع على طلبيتها. فرن الهاتف للمرة الثالثة وكان نفس المتصل وفي نفس الموضوع. ولما نطق بالأحرف الأولى قام صاحبي عن مقعده بشكل لا إرادي ثم قال متشنجا "لا تتصل علي بعد هذه في الموضوع فهي ليست 297 وقطع الاتصال ليشكل رقما من هاتف آخر ويقول للمتصل عليه : أبعث بتفتيش للرجل الذي كلمتك عنه وجلس.

كان المشهد جدير بالاهتمام وقلت في نفسي ترى من المتصل؟ ومن المتهم؟ فالإثنان تلقيا للعقاب، حيث حصل الأول على إنذار وحصل الثاني في أقل تقدير على الإعفاء من الوظيفة والسجن أو إحدى العقوبتين. كنت متأكد أن الحديث قد انتهى نظرا لتغير مزاج الرجل، وأشد ما كنت أخشاه أن تنتهي المقابلة قبل نهاية قصة الانقلاب الحقيقية. وبعد دقيقتين من الصمت ضغط على جهاز نداء بجانبه فدخل أحد القوم ووقف قريبا منه وتمتم له ثم خرج، ليبدأ الحديث من جديد لكنه ترك مواصلة قصة الانقلاب التي سيستأنفها فيما بعد (الدوافع والأسباب والمآلات) وقال هل تدرك يا ولد أحمين أعمر أن النهب والسرقة تأصلا حتى أصبحا جزءا من ثقافة المسؤولين؟ إنها مصيبة، إذ نحن نعاني إلى حد الآن من ثلاثة أنواع من الفساد، أولهم فساد الأخلاق والقيم والذي ساهمت فيه العولمة وفائض الحريات وهو فساد يمكن التغلب عليه بواسطة العلماء والفقهاء والشرطة والقضاء، أما الفساد الثاني فهو الفساد الإداري والمالي وهو مستشري. "عندما جاءت هذه المعدات تنقلت دون علم أحد وتأكدت أنها ثلاثمائة وكنت على يقين أنها لن تبقى على حالها وها هي نقصت ثلاثة في لمح البصر وغدا ستأتي قبيلة الفاعل وعشيرته وبعد ذلك سنسمع أن بعضهم انضم للمعارضة.

أما الفساد الثالث الذي لا دواء له فهو فساد العقول والقلوب ومن أسبابه الرئيسية ممارسة أبناء عمومتك وخاصة رجال الأعمال منهم، هؤلاء أفسدوا العقول والقلوب بالعطايا وبالرشوة خلال الفترة الماضية وجذروا بممارساتهم تلك، عقلية التكسب السهل ليصبح كل مسؤول يتخلى عن واجبه ويبيع خدماته المأجور عليها أصلا مقابل المال وقليلا ما نجد الآن من يؤتمن على الشيء العام. "أنصفوني أيها القراء عندما يكون المرء أمام رئيس جمهورية من نمط خاص في مكتب مترامي الأطراف يعج بالمصابيح والتجهيزات فلابد أن ينتابه شيء من الخوف أو الخجل أو الإثنان معا. وبما أن السيد الرئيس بدأ الحديث بـ"أتدرك يا ولد أحمين أعمر؟"، نظرت إلى الأسفل وقلت له بصوت شبه خافت وأين يا سيادة الرئيس أبناء عمومتنا الآخرين من هذا الفساد؟ فقال من تعني؟ فقلت "أولاد بسبع"، فأجاب "لعلمك الخاص أنا لا أنتمي إلى هؤلاء أكثر من أولائك بل تربطني مع اسماسيد علاقة الأبناء، مع أن بعضهم يكرر في الصالونات أنني نهبت البلد ووزعت خيراته على أبناء عمومتي وأنها أصبحت دولة أولا بسبع، وأعنيك أنت وبعض رجال أعمالهم"، كنت أعتقد جازما أنني خرجت من قفص الاتهام نظرا لانفتاح الرئيس علي وجو الحديث العاطفي والمريح، فإذا بي على رأس القائمة ثم أضاف السيد الرئيس "بالله عليك ولد أحمين أعمر أتتذكر بداية – آرفاج - فناه دفرانس (venant de France) وهو قطع الغيار المستخدم"، ألم ترى بنات هذه القبيلة يبعن في حوانيت لكصر والزيوت السوداء تلطخ أيديهن وثيابهن؟ أنا لا أنكر أن هذه القبيلة تحب المال والتحصيل وتعمل، لكن ما السبب في تقدم بعض رجال أعمالها وشبابها في الفترة الأخيرة؟ ربما يعود ذلك إلى حد كبير في تخلي رجال أعمال اسماسيد عن سوق العمل وقد يتخيل بعضهم أنني سأناديه يوما ما للمشاركة وهو الشيء الذي لن يحصل. فإذا كان هؤلاء يرفضون المشاركة فإنهم أدرى بمصالحهم.

إن الدولة ورشة عمل وتنفذ المشاريع عبر مناقصات مفتوحة للجميع وفي هذا الإطار نحن لا نتعامل مع القبائل ولا مع الأشخاص والمهم أن يستوفي المشارك الشروط القانونية المطلوبة وبعد ذلك فإن انتمائه القبلي لا يهمنا في شيء، أنا لا أبالي ولا أؤمن بالقبيلة ولم أتربى حتى في أحضان قبيلة ولذلك فإن جل علاقاتي هي من خارج المحيط القبلي.

لقد أنفق محمد ولد انويكظ وآخرون مبالغ طائلة من أجل فشلي في الرئاسيات وسبحان الله فإن قطيعتي مع محمد ولد بوعمات كانت بسبب محمد ولد انويكظ الذي لا أعرفه إلا بالسماعية وكان ضدي سياسيا، ومن يعتقد أنني حركت ملف البنك المركزي لأن أولائك الأشخاص ساندوا مرشح آخر فهذا غير صحيح. وبعد كل ما حصل فإن ملف رجال الأعمال وجدناه على مكتب ولد الطايع مع إنذارين بالدفع". هكذا صرح الرجل وهكذا يرى الأمور.

إن محمد ولد عبد العزيز حسب اعتقادي لمن يريد التعرف عليه فهو رجل قاس، عبوس، ماكر، ذكي، شجاع، صارم وصريح، لكنه في المقابل عفوي، متواضع لين، لطيف. إنه يكره الإملاءات ولا يؤمر، لا يحب الأقوياء ولا التشاور، إنه عسكري في مزاجه، مدني بدوي في سلوكه، متحرر في إرادته، ينبذ القيود وحتى من حراسه، ولذلك فإنه ينزعج في بعض الأحيان من مراسيم البروتوكول. لا يحب الزعامة بل وأكثر من ذلك لا يحب الرئاسة، إنه يعشق الصمت والرعاة والإبل والصحراء، وحادثة اطويلة بعد كل ما أثير حولها وقعت تماما كما صرح الرجل (صدقوا أو لا تصدقوا)، إنه لا يقبل الظلم ولا العنتريات، يشعر أنه نجح في الرئاسيات بكل شفافية وأنه أتاح للمعارضة كل السبل بما في ذلك وزارة الداخلية التي أشرفت على الانتخابات وأعلنت النتائج، ولذلك السبب فإنه يكرر أن الحكم هو صناديق الاقتراع لا غير، لأن الثورة حسب قناعته ليست إلا خدعة ومحاكاة لفلم من هوليوود، ويضع كل أنشطة المعارضة في خانة العنتريات التي يكرهها أصلا.

وفي سياق متصل وكدليل على ما سبق وقبل ثلاث سنوات من الآن، خلال حملته الانتخابية كنت حاضرا في أطار عندما استقبل طاقم الحملة الانتخابية وكان يرأسه آنذاك السيد محمد عبد الله ولد أوداع المدير العام الحالي لشركة اسنيم كمنسق ولما دخلوا أردت الانصراف لأتيح المجال كي يتحدثوا عن أمورهم وحدهم، فأشار إلي بالبقاء، كان ذلك في حدود الساعة الرابعة ليلا في خيمة على سطح فندق سدينا ولد الطايع. ولما قدم المنسق الطاقم بالأسماء تدخل مدير حملة مقاطعة شنقيط ليقول : السيد الرئيس، نحن قمنا بأعمال جبارة والساحة السياسية مبشرة، لكننا لم نجد سوى سيارة من نوع هيلكس HILUX ومبلغ 700.000 أوقية يتضمن تكاليف البنزين والطاقم ولم نجد حتى مكبرات صوت للمهرجانات.

كان ولد عبد العزيز متكئ على جانبه ويضع رأسه على عمود الخيمة وتارة يغمض عيناه وتارة يفتحها وفجأة جلس ونظر إلى الجميع من الشمال إلى الجنوب. وفي تلك اللحظة بالذات ألقيت نظرة على المنسق فإذا به شاخص؛ ظننت للتو أن إدارة الحملة قد اختلست ميزانيتها وأن الأمور ستنفجر؛ وبعد صمت مريب قال ولد عبد العزيز : تفضلوا إذا كان هناك من متدخل. فلم يتقدم أحد على الإطلاق وبدأ الرئيس الحديث وقال : نحن عكفنا على برنامج انتخابي ولم نطلب من أحد أن يستغل مكبرات الصوت كما لم نتعهد لأحد بأي وسيلة لكننا اخترنا نخبة من الأطر وطلبنا منهم إيصال رسالتنا بابا بابا وشخصا شخصا، فمن كان مستعد لهذا فاليمض ومن كان يعتقد أن للحملة موارد، فلن يكون هناك سوى وسائل النقل وستصلكم يومين قبل الاقتراع. التفت بعضهم على بعض دون أي تعليق وانفض الجميع. قلت في نفسي إن الرجل مجنون ومتهور. ولما أرادوا الانصراف وقفت معهم فأشار إلي بالبقاء ونادى ولد التومي وقال له قل لأحد أن يأتينا بالشاي، أمضيت معه وقتا حتى صلينا الصبح لم يعلق على ما جرى، وسألني فقط عن محمد ولد بوعمات، قلت له أنه كلمني بالهاتف، كان واثقا من نجاحه في آدرار وكنت حينها أتحير من الرجل ومن طريقة معالجته للأمور. ثم طلب مني الالتحاق به في أنواكشوط.

سافرت إلى انواكشوط والتقيت به ثلاثة أيام قبل الاقتراع في مبنى ولد أعل فال ومن صدف القدر أنني حضرت لحادثة أخرى أشد وقعا وتأثيرا. فخلال جولة ولد عبد العزيز في الحوض الشرقي أعطى موعدا لجماعة من وجهاء مدينة بعيدة ولما وصلوا أنواكشوط لم تتيسر مقابلة الرئيس فعادوا وأبلغ أنهم مستاءون فأرسل إليهم وجاؤوا. وجدت هؤلاء ذلك اليوم أمامي في قاعة الانتظار وبعد وقت قصير أدخلهم ولد التومي على الرئيس، لكنهم لم يمضوا أكثر من عشر دقائق، فإذا بهم يخرجون متذمرين غاضبين وأحدهم يقول : ضيع وقتنا وأهاننا وهددنا بالسجن. فخرجت معهم للاطلاع على ما حدث ثم التحق بنا إطار من ذويهم.

ولما سألهم عن الحادثة قال أسنهم : نحن قابلنا الرئيس بعد كثير من العناء وجئنا من أجل هدف واحد يتلخص في ترقية فلان واستقبلنا الرجل ولما سأَلَنا عن اسم المعني بعد أن أخرج قلما ودفترا صغيرا، قلنا له فلان بن فلان، فرد القلم والدفتر لجيبه وقال : أسألوا الله أن لا أنجح فإذا نجحت فسيكون ابنكم أول سجين لأنه مفسد. ونحن بدورنا نسأل الله أن لا ينجح ولد عبد العزيز وأن يموت.

أي منا نحن السياسيون خلال الأسبوع الثاني من الحملة الرئاسية يمكنه أن يكاشف إدارة حملته بالقول أنه لن يوفر الموارد ولو مكبرات الصوت، فمن شاء فليمض ومن شاء فليترك؟ وأي منا كذلك يمكنه قبل الاقتراع بثلاثة أيام أن يصارح وجهاء من المجتمع التقليدي يريد أصواتهم وأصوات خلفياتهم الشعبية، بعكس ما يريدون ويهدد أبنائهم بالسجن؟.

إنها تصرفات لا يقبلها المنطق ولا مكان لها في قاموسنا السياسي مع أنها وقعت ولم تؤثر في النهاية على نتيجة الاقتراع. ومن هنا فإنني أنصح المعارضة أن تنظم أياما تفكيرية حول شخص ولد عبد العزيز قبل المطالبة بأيام تشاورية حول التناوب السلمي على السلطة، ذلك أن الرجل ماض في انتخاباته الرئاسية ويعتبر أن مقاطعة المعارضة راحة للبال ومشاركتها تزكية للمسار وممانعتها لا تسمن ومشاغبتها لا تغني. إنه بحق امتحان، فللرجل مفتاحان سميتهما القاسي واللين وعلى المعارضة قبل فوات الأوان أن تختار من أي الأبواب ستدخل.

أما النصيحة الثانية فإنني أوجهها لكاتب المقال "نحن والمسار الحانوتي". لأقول لصاحبه، أن هذا الحديث جرى بيني مع الرجل وبحضوري مع آخرين وهو حديث مضى وقد تجاوزته الأحداث مع أن محمد ولد عبد العزيز حي يرزق حتى لا يقال أنها شهادة على العصر. وتناولته الآن لما تأملت تداعيات الساحة السياسية وتخيلت مآل التجاذبات بعد مطالعتي للمقالات الثلاثة حتى تجاوزت الردود حدود الوطن وكتب كاتب أجنبي ليسيء على الرئيس ومن خلاله إلى الدولة الموريتانية ويتجرأ بعد ذلك بالقول أن موريتانيا تحت المجهر لما قال أنه يعرف أين تقبع أول طائرة موريتانية، اسمها، من أهداها، وحدد مكان وجود حطامها وهي طائرة جاءت في الستينيات من القرن الماضي.

إن فتح الباب بمدح أو بقدح من شأنه أن يسبب تعرض الدولة والمجتمع لألسنة الأجانب غير مقبول ، وعليه فإنني أطلب من صاحب المقال المعنون بـ"المسار الحانوتي" أن يكاشف الجمهور عن أسباب الإقالة، ما ذا جرى بينه ورئيس الجمهورية؟ كيف؟ ومتى؟ لأن ربما وراء الأكمة ما وراءها.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2014-02-05 11:03:16
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article5648.html