رسالة إلى "الشرفاء" المنتمين لآل البيت
وكالة كيفة للأنباء

لقد رأيت من واجبي أن أكتب عن موضوع حساس يتعلق بظاهرة سلبية وعادة سيئة انتشرت في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم حتى عمت بها البلوى، وذلك مراعاة لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ولقوله صلى الله عليه وسلم «من كتم علما مما يَنفع الله به في أمرِ الدِّين ألجمَه الله يوم القيامة بلجام من نار» لهذا أرجو من "الشرفاء" أن تتسع صدورهم لما أكتب وأن لا يجدوا عليّ في أنفسهم ضيقا أو حرجا مما أقول. وأعني بهذه الظاهرة السيئة ما يُعرف عندنا بـ"طلب الهدية" وهي مال حرام يأخذه أدعياء الشرف من الناس بغير وجه حق

فيستحلونه من غير بينة ولا دليل من القرآن والسنة، ذلك أن الهدية لغة: "ما أعطي هبة من غير طلب ولا قصد عوض" وهي بهذا المعنى ليست خاصة بآل البيت عن سواهم من الناس، فالرجل يهدي لزوجته وهي تهدي إليه والولد يهدي لوالده وهو يهدي إليه والصديق يهدي لصديقه وهو يهدي إليه، أما طلب الانسان للهدية؛ فتسول لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» وقال «من سأل الناس عن ظهر غنىً فصداع في الرأس وداء في البطن» وقال«مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنهى عن التسول.

وفي المقابل حث صلى الله عليه وسلم على الهدية وأمر بها وكان يقبلها ولا يردها، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَهَادَوْا تَحَابُّوا نِعْمَ مِفْتَاحُ الْحَاجَةِ الْهَدِيَّةُ» وقال «صَافِحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ» وقال «تَهَادَوْا فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بُخْلُ الصَّدْرِ» وقال «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلاَ يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّبُ الرِّيحِ» وقال «من آتاه الله من هذا المال شيئا من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه» وقال «من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه» وقال «إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وكان يقول «لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت».

ونستنتج هذه الأحاديث أن قبول الهدية سنة مرغّبٌ فيها أما طلب الانسان لها فمذموم لأنه تسول لا يجوز بحال من الأحوال، ولعل أصحابه يقصدون به "الخمس" الذي شرعه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الفيء والغيمة.. ومن شروط أخذه:

أولا: أن يكون الآخذ من آل البيت حقا وليس من أدعاء الشرف لقول النبي صلى الله عليه وسلم «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» وقد قال صلى الله عليه وسلم «لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ».

كان الامام مالك بن أنس رحمه الله إذا سمع إنسانا يدعي الشرف من غير بينة ولا برهان أحاله إلى القاضي ليؤدبه وذلك حماية لحرمة بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الأدعياء والمندسين.

ثانيا: أن يكون من الغنيمة؛ وهي المال الذي غنمته الدولة الاسلامية من دولة كافرة بعد حرب بينهما أدت إلى هزيمة الكفار وهروبهم عن أموالهم قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) والحكمة من تقسيم الغنيمة على هذه الاصناف الستة سنبينه فيما يلي:

- قوله لله: يعني أن يصرف في مرضاة الله عزل وجل مما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين.

- قوله وللرسول: لأنه صلى الله عليه وسلم يتقلد وظائف عامة تستوجب على الامة أن تقتطع له راتبا يغنيه عن التجارة والكسب حتى يتفرغ للمهام المنوطة به فهو النبي والخليفة والإمام والقاضي والمفتي والمعلم والمربي.. وقد حرم الله عليه الصدقة لأنها من أوساخ المال ولا تليق بمكانته عليه الصلاة والسلام.

- قوله ولذي القربى: يعني قرابة النبي الذين هم بمثابة الاسرة الحاكمة مع العلم أنهم هاجروا من المدينة خفية وتركوا أموالهم وديارهم وأصبحوا عالة على أهل المدينة، فاقتضت حكمة الله أن يُعطى لهم من بيت المال ما يسد حاجتهم ويغنيهم عن التسول.

- قوله واليتامى: لأنهم أطفال محتاجون إلى الرّعاية ولم يبلغوا سن الرشد وليست لهم قدرة لهم على الكسب والتجارة.

- قوله والمساكين: أي الذين سكنت أيديهن عن العمل (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا). أما بقية الغنيمة البالغة 80% فتوزع على أفراد الجيش من المجاهدين.

- قوله وبن السبيل: أي المسافر البعيد الدار المنقطع عن أهله وماله ولو كان غنياً ببلاده. ثالثا: أن يكون مأخوذا من الفيء؛ وهو المال الذي حصلت عليه الدولة الاسلامية من أعدائها من غير قتال ولم يبذل فيه المجاهدون جهدا، قال تعالى (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).

ومن خلال ما تقدم يتبين أن الخمس (طلب الهدية) لا يجوز أخذه من أموال المسلمين أفرادا كانوا أو جماعات بل من الفيء والغنيمة فقط، ويشترط في آخذه أن يكون محقق النسب في انتمائه لبيت النبي وأن يطلبه من الراعي لا من الرعية.

وينبغي لأدعياء الشرف أن يتقوا الله ويراعوا حرمة بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشوهونه بسفاسف الامور وسؤال الناس عن فتاة الدنيا وحطام المال، كما عليهم أن يتذكروا أن المنحرفين من آل البيت يضاعف لهم العذاب ضعفين والعكس صحيح، وذلك لعلوّ مكانتهم وقربهم من بيت النبوة، لأنهم -عليهم السلام- أسمى وأعظم وأجل وأشرف من تسول كهذا، فهم مصابيح الدجى وأعلام الهدى وقادة الورى، ويفترض أن يكونوا قدوة للناس كما هو حال جدهم (ص) قال تعالى (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) وقال تعالى (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا).


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2013-08-08 06:45:36
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article4266.html