سيادة الرئيس : لا يزعجك المتاجرون بملف العبودية
وكالة كيفة للأنباء

العبودية ظاهرة بشرية قديمة عرفتها شعوب العالم عبر التاريخ، و قد عرفها العرب في أوجه مشينة متعددة جعلتها غاية في المقت و الاستهجان، و لتعريف العبودية يكفي أن نعرف أنها ضد الحرية التي هي أسمى حقوق الإنسان.

لم يفت أيا منا أن العرب قسموا تاريخهم إلى عصور و فترات، يهمنا منها في هذا المقام "العصر الجاهلي" الذي يتميز بشيوع الممارسات الممقوتة كوأد البنات و ممارسة الفاحشة دون استحياء و كالصعلكة و الاستعباد... و كلها ظواهر تنم عن الجهل و غياب الأخلاق و القيم و الروح الإنسانية.

و لما جاء الإسلام، كان دينا محررا للعبيد و حاميا لأرواح الناس و محرما للأمهات و الأخوات و العمات و الخالات... بل مكرما للبشر على جميع المخلوقات، و دعا المسلمين و حثهم على عتق رقاب كافة العبيد بطرق مختلفة و ميسرة من أجل أن يتنفس كل الناس عبق الحرية و يتذوقوا طعم المساواة، فلا يخفى على أحد ما لبلال و زيد... من مكانة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و عند خلفائه و أصحابه حتى يومنا هذا، و عليه فإن الإسلام دين حرية و عدالة و مساواة بامتياز، تكرس ذلك الآيات القرآنية الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة.

لقد تأخر مجتمع البيظان ردحا من الزمن عن غيره من المجتمعات في وصول مرحلة انعتاق العبيد و نيلهم لحقوقهم كاملة كغيرهم من البشر تماما مثلما تأخرت عنه الرسالة المحمدية الخالدة، و بعد الفتوحات الإسلامية بدأت ممارسات العبودية و الاسترقاق تنحصر و تتقلص حتى أواخر القرن العشرين، حيث بدأت الدولة تفهم أن ظاهرة الاسترقاق تعتبر حجر عثرة في وجه البرامج التنموية، عندها بدأت إرهاصات التحرر و انطلق مشروع تحرير العبيد، إذ أعلن الرئيس محمد خونا ولد هيداله ساعتها - بعد إفتاء العلماء الموريتانيين – أن كل الموريتانيين يعتبرون أحرارا و متساوون أمام القانون، و كأن الفاروق كان حاضرا يردد قولته الشهيرة: [ متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!!!].

لم يكن ذلك القرار كافيا – رغم أهميته – لعتق كل الرقاب ، بل ظلت هناك بؤر استعباد تغطي عليها العلاقات الاجتماعية و الود و التاريخ، فاستغلها المطبلون المتاجرون بملف العبودية أيما استغلال، دون أن يقدموا حلا اجتماعيا مشرفا أو خطة عمل توطد أواصر الأخوة و اللحمة الاجتماعية، بل ظلوا و لا زالوا يجمعون رقيق الحطب ليشعلوا نار الفتنة جهلا أو تناسيا منهم أن جل رجال البيظان العظماء كانت أمهاتهم "حرطانيات"، الأمر الذي يجعل – و مثله أمور أخرى – خلق الفتنة بين البيظان و الحراطين ضربا من المستحيل مهما مكر الماكرون و مهما خطط المخططون، لأن الحراطين فهموا مع مرور الزمن فن استغلال الملفات و حمل الشعارات المخادعة، و لم يعد بإمكان أحد أن يخدعهم و لا أن يتلاعب بعقولهم، و أدركوا مما لا مجال فيه للشك أن الله قد كتب لبياض العين السليمة أن يكون ناصع البياض و لسوادها أن يكون شديد السواد دون أن يحد ذلك من أدائها.

صحيح أن المجتمع الموريتاني عرف ظاهرة الاسترقاق أو الاستعباد، لكن ذلك حصل في أيام انقضت في عداد التاريخ، و قد رحل أهلها : رحل العبيد و ملاك العبيد إلى غير رجعة، فهل يحق لأبناء العبيد السابقين الانتقام من أبناء ملاك العبيد السابقين ؟!!! لا تزر وازرة وزر أخرى و عفا الله عما سلف.

أما اليوم، و في ظل وجود القانون رقم 2007/048 الصادر عن رئاسة الجمهورية بتاريخ 03 سبتمبر 2007 الذي يجرم العبودية و يعاقب الممارسات الاستعبادية من خلال مواده السبع عشرة، فإن حمل أي شعار يقر بوجود العبودية في موريتانيا كظاهرة اجتماعية يعتبر سباحة ضد التيار و متاجرة بقيم البشرية، و بما أنه لا يوجد ملاك عبيد لا يوجد أيضا عبيد، بل إن ممارسة أي سلطة من السلطات المترتبة على حق الملكية على شخص أو أكثر تعتبر استعبادا يجرم القانون صاحبه و يعاقبه، و بالتالي فهذا الفعل هو خروج على الشرع و على القانون المجرمانه و المحرمانه، و عليه فالمطلوب هو تطبيق القانون ليس إلا.، و إذا صح أن شخصا يمارس العبودية في موريتانيا فتلك ممارسة مخالفة من طرف شخص تماما كما يمارس شرب الخمر أو الزنا أو السرقة...، فهل نقول عندها بأن المجتمع شارب خمر أو سارق؟ الجواب أنه يعاقب السارق و لا تطلق هذه الصفة إلا على القائم بالجرم.

إنني أطالب السلطات العيا في البلد ممثلة في رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز أن لا يعبأ بمطالب المتاجرين بملف العبودية في موريتانيا إذ لم تعد ظاهرة بل أصبحت قصصا تاريخية مثلها مثل الوأد الذي لم يعد موجودا في أي مجتمع على وجه المعمورة، كما أطالب السيد الرئيس و حكومته بالتركيز أكثر – لا لجلب خاطر فلان أو علان – على القضاء على نتائج ما مورس على هذه الأرض من استعباد في حق مجتمعنا، و هنا يجب أن نعترف جميعا بأن العبودية لم تمارس ضد شريحة الحراطين فقط، بل مارسها كل المجتمع على كله، إذ استعبد البيظاني الحرطاني و استعبد الحرطاني البيظاني و استعبد البيظاني البيظاني و استعبد الحرطاني الحرطاني كلما وجد لذلك سبيلا، فالحاجة إلى ما في أيدي الناس أو الخوف من بطشهم تجعل الإنسان يرضى بالعيش كآلة لأخيه الإنسان، كما أن الجهل يسمح للإنسان باستغلال أخيه الإنسان ...، لذلك فإن العمل الجاد من أجل ترقية التعليم و نشر العدالة بين الناس و تساوي الفرص أمام المواطنين و الحد من انتشار الفقر... كلها أمور ستجعل قصة العبودية في موريتانيا نسيا منسيا يتداول الكهول و الأطفال حكاياتها قبل النوم، و سيعرف المتاجرون بملف العبودية أن الحراطين و البيظان وجهان لعملة واحدة لا مناص من تعايشهما، و سيتأكدون أن جهودهم الرجعية و نواياهم الحاقدة ستذهب أدراج الرياح.

كما أدعو سيادة الرئيس و السلطات القضائية إلى قراءة المادة 15 من القانون رقم 2007/048 المجرم للعبودية و الاستعباد :[ يحق لجمعيات حقوق الإنسان المعترف بها قانونا الإبلاغ عن الجرائم الواردة في هذا القانون و مؤازرة ضحاياها...] حتى نتبين من يحق لهم في بلدنا طرح هذا النوع من القضايا – إن وجد - أمام القضاء.

و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون

و دام المجتمع الموريتاني موحدا ببيظانه و حراطينه يتقاسمون الأفراح و المآسي في وطنهم الغالي موريتانيا الحبيبة.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2013-04-02 14:34:46
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article3267.html