أيها المصلح نحن أمة لا تعرف الإصلاح أبدا فمنذ الأزل نحن نعلم أبنائنا كيف يصيرون مفسدين، ومبدعين في الفساد، الفساد .. هذا ما وجدنا عليه آبائنا وما نحن عنه بمنتهون، وأنت أيها المصلح حين تأتي وتسفه مبادئنا، وتعتبرنا مخطئون وسائرون على درب معوج لا يسعنا إلا أن نصفك بالشاعر أو بالمجنون، كيف تريدنا أن نؤمن بالوطن والمجتمع كافة؟ ونحن بذلنا نصف قرن من الزمن في سبيل خدمة الذات بضيقها و ذاتيتها، و تقديس الفرد بحلوه و مره على حساب المجتمع الذي نعتبره عثرة أمام تحقيق مصالحنا ، كيف تريدنا أن نقيم ديمقراطية و دولة مؤسسات؟
ونحن بذلنا نصف قرن من الزمن في سبيل خدمة القبيلة بأسلوبنا الريفي العتيق ، كيف تريدنا أن نوجد و حدة وطنية و نحث عليها ؟ و كلنا يكفر بالآخر و يعتبر نفسه شخصا فريدا ، نبيلا، شريفا ، كيف تريدنا أن نوزع ثروات الشعب بينه ، و نحن لا نؤمن بوجود شعب ، كلما يوجد هو نحن ، نحن الذين نرتع في رغد العيش ، أما الذين يعيشون معشية ضنكا و فقرا مدقعا فهؤلاء لا شيء .
أيها المصلح لن نسمعك .. لن نفهمك ..لن نؤمن بك ..بل سنجعل أصابعنا في آذاننا و نعرض عنك و نرشقك بالحجارة و نخرجك من ديارنا ، أو نرميك في اليم ، أو حتى نطمرك في التراب ، لأنك تمثل خروجا على المألوف ، و شذوذا عن المعتاد هكذا نحن البدو الرحل أبناء حصى الصحراء لا نعرف من القانون إلا هوى النفس ، و لا نعرف إحساس الوطنية المنبثق من حب الوطن لأننا لا نعرف سوى الترحال، الترحال من ظل فكرة لأخرى ، الترحال من ظل مبدأ لآخر دون كثير العناء .
أيها المصلح نحن نعرف أنك تسير على دربك الفاضل بخطى نبيلة ، و نعلم أنك تريد تكسير الأصنام ، و عناق المستقبل بطموح صادق ، ولكن كل هذا لايهمنا لأننا نود السير عكس عقارب الساعة ، و السباحة عكس التيار فلن تفلح لأن هناك ألف مشعوذ و مشعوذ ، يكتبون طلاسمهم ، و يحرقون حروفهم ، و يكيدون كيدهم ، و يعملون على أن لا تفلح ، فألق ما في يمينك .
أيها المصلح يدعونك للرحيل و لا غرو ما على أحد إلا و كثر أعدائه و مناوئوه ،فأجمع حقائبك و أرحل كما السحابات ترحل و المزارعون ينظرون إليها في شغف و حزن و كل منهم يقول في خلده "ليتها تعود و تمطر غيثا علينا من جديد " .
