نشرة حزب البعث الموريتاني: " معركة الاستفتاء .. لم تنته بعد !
وكالة كيفة للأنباء

ما تزال تداعيات الاستفتاء على " التعديلات"، غير التوافقية على الدستور الوطني ، التي جرت قبل أسابيع تلقي بظلالها القاتمة على المشهد السياسي والاجتماعي ؛ فقد أسفرت عن استقطاب شديد بين الطبقة السياسية والمدونين والمثقفين ، عموما، والمعارضة والنظام بصورة خاصة. فهذا الاستقطاب يجلى في كل المقالات والتدوينات وقصائد الشعر الفصيح والشعبي التي يكتبها الموريتانيون على صفحات المواقع والجرائد وصفحات التواصل الاجتماعي. فالمواقف شديدة التباين؛ والميدان كذلك يشهد معركة حامية بين المعسكرين . وإذا كان المراقبون يجمعون على أن الشعب الموريتاني قد عزف عن التوجه نحو صناديق الاقتراع على الاستفتاء ، وأن النظام قد تلاعب بتلك النتائج على نحو سمح لنفسه بالوصول إلى مبتغاه ، وخاصة إلغاء مجلس الشيوخ ، عدوه اللدود،- الذي سدد للنظام ضربة موجعة بحرمانه من تمرير تلك التعديلات بسلاسلة- فاضطره لهذه العملية المكلفة ماديا وسياسيا وأخلاقيا، إلا أن هؤلاء المراقبين اختلفوا على أسباب امتناع الشعب عن التصويت على الاستفتاء : فالمعارضة والدوائر المقربة منها ترى في العزوف الشعبي أنها تمكنت ، هذه المرة ، من الوصول إلى الشعب وعبرت ، بلغة مفهومة وبسيطة، عن معاناته ومشاكله واهتماماته وأولوياته. فالتعديلات المقترحة لم تكن تتضمن ما يفيد المواطنين البسطاء المطحونين في حياتهم ، ولم تكن تعكس تطلعاتهم ؛ فكان لاستثمار المعارضة لهذا الابتعاد من جانب النظام عن معاناة الشعب أكبر الأثر في نجاح المقاطعة الشعبية للتعديلات. بينما ذهب مراقبون مقربون من النظام إلى القول إن ضعف الإقبال لم يكن تعبيرا ، من الشعب، عن انسجامه مع خطاب المعارضة الذي ظل يلوك ذات المواقف من سنين. ومن هنا، فإن المعسكرين يدخلان في معركة شديدة الخطورة على مستقبل البلاد ، كما أنها شديدة التنافس على كسب الشعب واستمالة القوى الحية فيه ، وخصوصا القوى الشبابية التي ظهرت في تشكيلات وحركات مستقلة عن قنوات وشبكات النظام والدوائر شبه الحزبية التي تدور حوله. ولكن أيضا خارج أطر المعارضة ، التي لا تخفي هذه المجاميع الشبابية المستقلة استياءها من ترهلها وشيخوخة بعض رموزها وروتين أساليبها وتقليدية صيغ عملها؛ فيما ترى هذه التيارات أن الوضعية تتطلب ديناميكية جديدة وقواعد لعبة جديدة؛ الأمر الذي يقتضي خروج الشباب كليا من الأنساق الحزبية، لعدم فائدتها وتقييدها للفاعليات الشبابية. ومع أن بعضا من هذا الطرح يتسم بالوجاهة، إلا أن الأمر قد لا يخلو من تخطيط ماكر من أجهزة النظام لتفريغ أحزاب المعارضة من قوتها الشبابية ، سبيلا لاختراقها لاحقا بسبب قلة خبرة هذا الشباب وغياب لحمة فكرية أو سياسية ناظمة له؛ وهو ما نجح فيه النظام في حركات سابقة، أشهرها حركة ( 25 ) فبراير التي تبخرت، بعد أن اصطادت أجهزة النظام أبرز قياداتها. وعلى خلفية هذا الاستقطاب الشديد، وهذه المواجهة المفتوحة بين النظام والمعارضة ، أقدم النظام الحاكم قبل أيام على إدخال أوراق له جديدة في لعبة كسر العظم مع خصومه. فقد فتح تحقيقات أمنية مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا تمرير التعديلات عبر غرفتهم؛ وهو ما أغضب السيد رئيس الدولة غضبا شديدا دفعه إلى التصريح بأنه ألغى مجلس الشيوخ قبل ظهور نتائج الاستفتاء. ومع أن مشكلة إلغاء مجلس الشيوخ في حد ذاتها ليست بذات الأهمية عند مختلف الشركاء ؛ إلا أنها زادت المشهد السياسي تعقيدا ، خصوصا بعد إحالة بعض هؤلاء الشيوخ إلى السجن المدني ، و استجواب شخصيات سياسية و نقابية و صحفية مشهورة في البلد ، على خلفية التسريبات التي انتزعتها أجهزة الأمن من هاتف السيناتور المعارض ، محمد ولد غده ؛ حيث رأى النظام في تلك التسريبات أساسا لتهمة خصومه بأنهم كانوا يتلقون رشى من أحد رجال الأعمال المعارضين خارج البلد . و تتهم دوائر النظام الحاكم مجموعة الشيوخ ، التي أفشلت تمرير التعديلات ، بأنها كانت تتلقى هذه الرشى مقابل إفشال الرئيس في تعديلاته للدستور .و إذا واصل النظام في هذا الطريق ـ بسحب هامش الحريات العامة ـ فإنه سيصل قريبا إلى مأزق سياسي حقيقي قد يصعب عليه الخروج منه ، خصوصا و أن الموريتانيين قد تذوقوا إلى حد ما طعم حرية التعبير خلال السنوات الأخيرة ؛و ستكون العودة من جديد إلى لغة الاعتقالات و السجون لغة مستهجنة و مرفوضة لن يتمكن معها أنصار النظام من مواجهة خصومه ، أو التأثير في الاتجاه الشعبي العام الرافض لها . هذا فضلا عن الاستثمار الذي قد تقوم به المعارضة بشيء من الجهد المنظم لإقناع الرأي العام الوطني و الدولي بأن النظام يتحول بوتيرة متسارعة نحو العنف ضد مواطنيه ، بعد أن وزع واقع الفقر بينهم بعدالة تامة ؛ عندها سيدخل النظام في مرحلة الشك في المقربين منه ؛ وقد يشك في أهل بيته ؛ و تلك هي بداية النهاية الحتمية لأي حاكم يندفع نحو الطيش و الغرور . الديمقراطية على متن دبابة !! تنفس الشعب الموريتاني الصعداء بمناسبة انقلاب خمس أغسطس الذي أطاح بنظام ولد الطايع ؛ واعتبر الشعب أن هذا الحدث سيشكل مدخله إلى تسطير تجربة ديمقراطية رائدة على المستويين العربي والإفريقي . ذلك التحسب الذي لم يليه أحد المحللين العرب نفس الاهتمام ، معتبرا التجربة الموريتانية لم توضع على الأسس الصحيحة حتى تكون رائدة. وقد تدفقت أقلام موريتانية على هذا المحلل، واصفة له بالتحامل على تاريخ بلاد شنقيط وأمجادها ، ليتضح ، بعد، أن الأقلام التي هاجمت محمد حسنين هيكل هي في الأساس من الصف الموالي للنظام العسكري، أو العاميين الذين يتعاملون مع الأحداث بنوازع العاطفة. وتأكد أن دافع هبة تلك الأقلام، ليس الدفاع عن معنى الدولة الموريتانية الحضاري الشامل، بقدر ما هو تسخير إعلامي مأمور بالمبدأ العسكري ؛ الهدف منه إضفاء الشرعية على حكم العسكر بذريعة تصحيح المسار الديمقراطي. وفي هذه الأثناء، حدد تاريخ لانتخابات رئاسية سيسلم الانقلابيون بموجبها الحكم للمدنيين، وراج في الأوساط السياسية أن هذا التسليم سيخرج بآلية مقيدة تتيح للعسكريين استرجاع الحكم الأمر الذي تأكدت مصداقيته مع مرور الأحداث، حيث افتعل العسكريون أزمة سياسية تحججوا بموجبها للانقلاب على رئيس مدني منتخب ، في الشكل ، من طرف الشعب على طريقة قصة " ڱابون يمة عينك عين النعجة" وعادت الديمقراطية الموريتانية ، كما تأمل هيكل، إلى منطلقها في مركز الثكنة العسكرية لأنها سطرت على متن دبابة. في خطاباته الماضية منذ توليه الحكم، صرح الرئيس الحالي بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة ، وأقسم على ذلك في اليمين الدستوري، غير أن قيادة رسمية صرحت عكس تصريحه بدءا بوزير الثقافة الناطق باسم الحكومة ورئاسة الحزب الحاكم وانتهاء بالوزير الأول ووزير المالية في أحداث متلاحقة ضمن مناسبات مختلفة، حيث أكدوا على أن الرئيس باقي في الحكم مبررين ذلك في تصاريحهم بأنه قدم من العمل ما يلزمه البقاء خدمة للوطن. ويبدو أن الرئيس كان وراء تصاريح شخصياته، حيث لمح في خطابه الافتتاحي لحملة تعديل الدستور بما يدل على تمسكه بالسلطة ، مما يفصح عن إمكانية إجراء جولة جديدة من جولات الديمقراطية المسطرة على متن الدبابة ، ستترك في ذاكرة الشعب الموريتاني عقدة مع الخامس من أغسطس ، لكونه إما يوم انقلاب على السلطة القائمة ، يوم انقلاب على الدستور ! ولا شك أن موريتانيا ، وهي على ما هي عليه من تدهور اقتصادي واجتماعي ، ليس بإمكانها خوض جولة جديدة من جولات الاضطراب السياسي . ومن الواضح من خطاب الرئيس الأخير أنه ليس متنحيا عن الحكم؛ وأهم ما قدمه لإقناع الشعب هو أن لديه ملفات كان مشغولا عن الكشف عنها تدين بعض الشخصيات ، كأسلوب جديد من أساليبه لمحاربة الفساد والمفسدين. ومن الملفت أن الرئيس الذي يحارب المفسدين ، منذ 2009، أخفى عن الشعب هذه الشخصيات الخطيرة؛ أي طيلة ثمان سنوات ! ليقدمهم في آخر مأموريته الثانية والأخيرة ، على اعتبار احترامه للدستور . ولا يساور أدنى شك من له أية قراءة في السياسة أن الخطاب الأخير يعزز خطابات الحكومة الرامية إلى بقاء الرئيس في الحكم، وأن الديمقراطية الموريتانية سطرت على متن دبابة، ولن تبرح الثكنة العسكرية ، إلا إذا أدرك الشعب خطورة الوضع . البعث .. وحزب البعث !! عودة أخرى لهذا الموضوع، فنقول إنه شيء مفرح أن تعاود بعض " النخبة من البعثيين"، الذين تنصلوا من حزب البعث مباشرة عقب الغزو الأمريكي ، الحديث عن البعث ويستأنفوا الاهتمام بإثارة أهدافه ومبادئه علانية، بعدما انقضت أربع عشرة سنة وهم يغطون في نوم عميق ! وتأتي أهمية هذه المعاودة من وجهين : الوجه الأول أن في " بعث الاهتمام " بالبعث ، بعد هذا التنصل والنسيان والتجاهل، ما يقيم الدليل على أن البعث قد انتصر في ملحمته ، وخاصة على ضعف أولئك " البعثيين " من جهة ؛ وانتصر على حملة التشويه والشيطنة والاجتثاث التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وجراؤها الصهاينة والصفويون من الفرس، وحكام رجعيون وعملاء في الوطن العربي. فلقد كان لتلك الحملة التشويهية - التي واكبتها حملة اجتثاث للأبدان والفكر في العراق ؛ كان لها آثار رهيبة على ضعاف النفوس وعلى من لم يتجاوز الإيمان بالحزب مستوى حناجرهم ، ممن تسلقوا في الهرم التنظيمي دون اختبار موضوعي، في عموم الوطن العربي. فقد تساقط من هؤلاء ، وبدل بعضهم جلودهم ، وجحد آخرون انتماءهم ؛ بل إن بعضهم، وهم الأقلية، ذهب به الخوف والجنون في التخفي إلى سب الحزب والسخرية منه ومن أساليبه وصيغ عمله، وآذوا الحزب تصريحا أو تلميحا. و إذن ،الحديث هنا لا يعني تلك القيادات والمثقفين، من الحزب، الذين ظلوا مؤمنين بالحزب، مبادئ وصيغ عمل، وقدموا يد العون، بصنوف شتى، للمناضلين دون من ولا أذى ولا رياء وفي مناسباتهم القومية، إنما انفصلوا لظروف خاصة ووجيهة لا تتعلق بموقف سلبي. ولكننا عنينا الذين ينطبق عليهم الوصف السلبي المنوه عنه أعلاه. وعندما يبدأ أولئك في الكتابة والحديث إيجابيا عن البعث ودوره ، دون قناع ، فهذا مما يفرح حقا ويدفع على الأمل في أنهم أدركوا خطأهم الفادح بالنسبة لقسم منهم ، ورغبة قسم آخر في التكفير عن خطيئتهم ، ويعني أن القلوب قد تحررت من عقدة الخوف . الوجه الثاني في أهمية " الصحوة " بالحديث عن البعث والاهتمام بمستقبله و تذكر رسالته يتجلى في أن حزب البعث قد أثبت أنه حزب راسخ في ضمائر ووجدان الجماهير العربية ؛ برغم ضخامة الكارثة التي حلت بتجربة الحزب في العراق. فقد تساقط بعثيون هنا وهناك، وتحامل الخصوم وكذبوا على البعث بكل وسيلة، لكن ظل الشعب العربي يحتفظ بحب البعث وحب رموزه ، ممجدا تضحياته رغم التعتيم الرهيب؛ وظل البعث يكبر في صدور الجماهير المطحونة . فكلما ازداد طغيان الأعداء في الخارج ، وتفاقم ظلم الأنظمة الفاسدة في الداخل ، ازداد حديث الجماهير عن البعث ، وعن صورة تجربة البعث في العراق، وصورة العراق في ظل حزب البعث؛ الأمر الذي حال دون تمكن الأنظمة من تلبية دعوة أمريكا لاجتثاث البعثيين بالسجن . ليس هذا فحسب، بل إن تفشي ظواهر الإرهاب واندلاع ( الحريق العربي ) قد ربطته الجماهير ، بفطرتها السليمة و حسها القومي النقي، بنتائج غزو العراق وإزالة تجربة حزب البعث في هذا القطر ، الذي كان مصدا وواقيا قويا في ووجه مخططات العدو الأجنبي والقوى الظلامية التخريبية داخل الأقطار العربية. وبالعودة ل " البعثيين " المستيقظين من جديد، ولكي نضع حديثهم على محك المصداقية و " جهاز كشف الكذب والزيف" فإنه يتوجب على هؤلاء أن يجاهروا بنقد ذاتي عن نومتهم واستقالتهم عن الحزب ومعاناته في ( ساعة العسرة ) والمواجهة التاريخية مع أعتى وأشرس أعداء الأمة ، وأن يمارس هؤلاء نقدا ذاتيا قاسيا ، على أنفسهم ، عن تملصهم من صيغ العمل النضالي التي يتبعها الحزب وعن سخريتهم من الهرمية التنظيمية القومية للحزب، وخصوصا قسم من الأكاديميين الذين أفرطوا في تتفيه وتسفيه هذه الهرمية أمام القواعد الحزبية ، وطعنوا في القيمة الوظيفية لها، مما يؤدى ، بالنتيجة، إلى الوقوع في القطرية وينهي السمة القومية للحزب ويفك الارتباط العضوي بين وحدة الفكر ووحدة التنظيم. وقد تبين هذا الطرح بصورة كبيرة في الأقطار التي شهدت تجارب حزبية مرخصة محسوبة على البعثيين ، حيث سعت قيادات هذه الأحزاب إلى ترسيخ هذه المفاهيم ،متسببة بهذا الطرح القطري المخفي ، بخسارة الحزب لبعض قواعده ..! فعلى الذين يبدون رغبة صحيحة في العودة للحزب أن ينتقدوا ماضيهم خلال هذه المرحلة ، وأن يضعوا أنفسهم تحت تصرف الحزب ، ويعترفوا بوحدة الفكر و التنظيم والقيادة، بدلا من التنظير للبعث وتمجيده، دون الإيمان بحزب البعث وصيغ عمله، فذلك هو عين المغالطة وقمة العبث !!

وما ذا بعد داعش ! لم نكن من ضمن الذين خامرهم الشك ، يوما، أن جميع التنظيمات الإرهابية وتيارات العنف بصورة عامة في الأقطار العربية ليست صنيعة أمريكية، وأن لها ماركات تسجيل مختلفة ، منها ما تم تصنيعه في غرف المخابرات الأمريكية ذاتها في أمريكا وأوربا وبعض الأقطار العربية الرجعية، ومنها ما هو مسجل في غرف الموساد الصهيوني ومنها ما هو مسجل في غرف المخابرات الإيرانية. وكنا كتبنا في الدرب العربي أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنهي طبعة داعش ، وتقيم محلها طبعات أخرى أشد عنفا وتدميرا بصرف النظر عن مسمياتها ، في إطار مشروعها التحطيمي للوطن العربي؛ وفي إطار استنزاف ما تبقى من أنظمة حكم تسلطية منبوذة ، مثل نظام الحكم في دمشق . ومع أن العمل المخابراتي ، في العادة، يجري حبكه بعناية يستحيل معها إخضاعه للتحليل العلمي ؛ لأن هذا العمل يخلط بين ما هو عقلي وما هو خيالي ، إلا أن المؤشرات ، في الأفق، تشير إلى قرب طي صفحة داعش التي اشتغلت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ، منذ صيف 2014 ؛ وأن صفحة جديدة لإدارة هذه الفوضى في منطقتنا العربية يجري إعدادها. هذا هو ما يستنتج من " الانتصارات " السريعة ل "جيش" العملاء في العراق، والمليشيات الفارسية الرديفة له ، في شمال العراق ، وهي " انتصارات " تشبه في سرعتها مشهد سرعة هزائم هذا " الجيش " أمام بضع مئات من داعش في هذه المدن " المحررة " اليوم !. إن ذلك يقيم الدليل على أن كاتب المسرحية في مشهد الهزائم ، هو نفسه كاتب المسرحية غي مشهد " الانتصارات " في العراق !. إنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تصنع ذات الفطائر ، فتكتب عليها في المرة الأولى " هزيمة الجيش العراقي أمام داعش"، وتكتب عليها في المرة الثانية " انتصار الجيش العراقي " على داعش ! بدليل أن تنظيمات العنف - التي كانت تسيطر على الموصل وبعض أقضية نينوى – تنظم مقاومتها على إيقاع ما يجري في سوريا . فكما أننا نقترب من " الانتصار " على داعش في سوريا ، فيجب أن يتزامن ذلك من " الانتصار " عليها في العراق !. إذن، ما الذي يجري ترتيبه للمنطقة التي عبثت بها أمريكا، مع إيهام أطراف دولية وإقليمية أنها شريكة في هذا العبث ؟. ذلك هو ما نتوقع أن تتحدد ملامحه مع نهاية سنة 2017 أو مطلع سنة 2018. وثمة توقعان ( سيناريوهان ) لا يخطئهما المتتبع للأحداث الكارثية في الوطن العربي : التوقع الأول أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن المنطقة لا سبيل لتهدئتها من دون عودة حزب البعث العربي الاشتراكي للمشهد الدولي ، خصوصا وأن أمريكا فشلت فشلا ذريعا في وضع نهاية لهذا الحزب في العراق وفي الوطن العربي، وخصوصا أنها على يقين أن البعث هو من أفشل خططها في إحداث حرب طائفية جدية في العراق، بفعل قوة خطابه، العابر للطائفية والمناطقية، وعمق وجوده في كافة المحافظات العراقية ، وفي كل مكوناته الاجتماعية. وبما أن أمريكا قد نجحت في جر إيران و روسيا إلى مستنقعي العراق وروسيا، واستنزفتهما هنالك ، وخلقت لهما مناخا عدائيا عميقا في أوساط العرب ، فإن أمريكا قد تستثمر هذا العداء لدى العرب من إيران خاصة حين تقرر تحجيم دورها في العراق وسوريا. أما التوقع الثاني، فإن أمريكا قد تكون بصدد توسيع دائرة اللهب وتفتيت مزيد من الأقطار العربية . وهنا، فإنها ستنشئ تنظيما إرهابيا جديدا ، وبعنف أقسى ، على أن ينطلق التنظيم الجديد ، هذه المرة، من الإقليم السعودي، بهدف تمزيق هذه الدولة إلى إمارات من جهة،ولتوصيل كتلة اللهب إلى إيران عبر العراق؛ فتشتعل المنطقة برمتها ، بكامل الجزيرة العربية والعراق وإيران وتركيا والشام/ مع وضع مصدات للهب عن الكيان الصهيوني تتمثل في تبريد الطقس في لبنان وفي منطقة بعمق محسوب داخل الأراضي السورية المحادة لفلسطين المحتلة. أيا تكن وجهة الأحداث القادمة في هذه المنطقة ، فإن شيئا ( ما ) يجري تحضيره لما بعد داعش ، التي استنفدت غرضها أمريكيا، غير أن حزب البعث يبقى ، بعد الله، هو القوة التي لا مناص منها في حالة خيار تهدئة هذه المنطقة وإطفاء النيران بها، وهو القوة التي لا بديل عنها بالنسبة للإخوة في الخليج، في حالة الخيار الثاني بتوسيع دائرة الحريق وتقسيم السعودية !!

نواكشوط تحت المطر .. وما بدلت حالة حالها !! لا يبدو أن مدينة نواكشوط قد كتب الله لها أن تعيش سعيدة باستقبال فصل الخريف ، الذي تتهاطل فيه الأمطار في بلدنا ، بخلاف بعض الأقطار العربية الأخرى. ففي كل خريف ، تصبح نواكشوط وتمسي مدينة منكوبة ، دون أن يحصل العلم بذلك للعالم الخارجي. فهذه العاصمة ، التي يرجع تاريخ إنشائها إلى الثلث الأخير من القرن الماضي - وبرغم تبدل أنظمة الحكم في البلاد – إلا أن شيئا ظل ثابتا فيها ، وهو أنه - ربما هي العاصمة التي تنفرد بأنه ليس لها أنظمة صرف صحي ولا أنظمة تصريف مياه الأمطار ! ونتيجة لهذا الواقع المأساوي ، فإن مياه الأمطار تمكث في الأرض على شكل برك دائمة في المناطق السكنية داخل العاصمة ؛ فتأتي مياه أمطار على مياه أمطار سابقة حتى يتبدل لون صفحة الماء إلى الأخضر بسبب الفطريات والطحالب المتفاعلة كيميائيا مع أكوام القمامة المتراكمة كالجبال الراسيات في وسط العاصمة!. وجراء هذه البيئة المنافية للصحة ، وفي غياب استيراتيجية حكومية جدية لإنقاذ هذه المدينة ، فإن المواطنين يتعرضون على مدار السنة ، لشتى الأمراض التي تنتج عن مثل هذه البيئة الملوثة ، من قبيل حساسيات الجلد والربو وضيق التنفس ، وأمراض الإسهال والتقيئ ومشاكل المسالك البولية لدى الأطفال ، الذين يلعبون في هذه المستنقعات المتعفنة، دون حسيب ولا رقيب من الأهالي ولا من الدولة. كما أن حالات التسمم الغذائي ، هي الأخرى ، منتشرة في نواكشوط ، فضلا عن شتى أنواع الحميات الناتجة عن تكاثر الحشرات الضارة والبعوض . ففي فصل الأمطار بنواكشوط، تتفشى الملاريا وحميات أخرى غير معروفة لدى السكان، من قبل . وفي هذه السنة ، ومع أولى قطرات المطر ، تجمعت المياه في أغلب أحياء العاصمة ؛ فبات المواطنون ينامون ويستيقظون ويمسون ، ويمشون ويجلسون ، ويأكلون ويشربون بين هذه الغدران النتنة ، التي تزكم الأنوف من مسيرة شهر ! ولأن المواطنين طرقوا كل باب، وتوسلوا بكل وسيلة من أجل رفع هذا الضرر ، إلا أن واقع الحال لم يعرف تحسنا حتى الآن، برغم جهود خجولة وبطيئة تبذلها السلطات الحالية في مجال صرف مياه الأمطار ؛ إلا أن هذه الجهود ظلت حبيسة لسنوات رغم الترويج لها دعائيا منذ سنوات ، دون أن يعرف المواطنون أسباب التأخر في انجاز هذه الأنظمة الصحية ذات الضرورة القصوى ، حتى أصبح هذا النظام الحاكم في آ خر عهده ، مع أن بعض مناطق العاصمة ما تزال عائمة على برك ناتجة عن أمطار السنة 2013 !! هذا، وقد بلغ الإحباط بالمواطنين كل مبلغ ، ولم يعودوا يشكون من هذه المصيبة بسبب إهمال الحكومات لصرخاتهم ومعاناتهم وعذاباتهم من هذه الكارثة مع كل خريف. فأصبحوا متكيفين أو مستسلمين للأحزان والأمراض مع موسم كل خريف. وملخص القول في هذا المجال : فننا في الدرب العربي لن نكف عن رفع الصوت بالمعاناة التي يكابدها المواطنون في العاصمة نواكشوط جراء موسم الخريف ، حتى لو كان هذا الحديث حديثا معادا لأكثر من أربع سنوات على صفحاتنا ، شأننا في ذلك شأن حديثنا عن اللصوصية والبطالة والفقر والأدوية المزورة ، وانهيار التعليم .... وغير ذلك من بلاوي شعبنا. فما لم يرفع هذا الأذى ، وكل الأذية الأخرى، عن شعبنا ، فلن نكل أو نمل من طرح هذا الموضوع وكل المواضيع ذات الصلة بحياة هذا الشعب ؛ وسنستخدم مطرقة الضمير على رؤوس المسؤولين الرسميين اللاهين في نهب ثروات الشعب وسرقة أمواله ، دون وقفة شفقة ، أو توقع حساب !!

الكهرباء...حقيقة أم أوهام؟! يعتبر الكهرباء وسيلة أساسية للحياة ، نظرا لما يترتب عليه من نشاط وعمل أساسيان لتطوير الحياة البشرية ، حيث يدخل في كل مناحي الحياة ، المنزلية و الصناعية و الخدمية ، و منذ فترة أصبح جزءا من الحياة لا يمكن الاستغناء عنه ، بل قد يكون في أهميته سابق على بعض الأساسيات التي كان لا يمكن الاستغناء عنها . و هو من ضمن عناصر تحدد عوامل استجلاب الاستثمارات الخارجية ، سواء في كميته المتوفرة وقدرته على الدوام والاستمرارية و سلامة الشبكة إلى أخره . و عرفت بلادنا منذ الاستقلال إلى اليوم نقص كبير في كمية الكهرباء المتوفرة و عدم انتظام شبه دائم في أستمراريته ، مما جعل البعض يرجع تأخر انتشار المصانع و الو رشات في العاصمة إلى قناعة الكثير ين بأن بناءها مجازفة بالآلة و المعدات نظرا لعدم انتظام الكهرباء و ضعف بنيته التحتية .و شهدت الفترة الأخيرة تشييد العديد من المحطات الكهربائية في مختلف نواحي البلاد ، وخاصة منطقة أنوا كشوط حيث تم توسيع الشبكة إلى الأحياء الجديدة في ضواحي العاصمة ، إلا أن الملاحظ أن وضع الكهرباء لم يتغير فالانقطاع مستمر بل قد تطول فترته . و ما لا يستساغ هو بناء السلطات لعدة محطات دون مراعاة الجانب الاساسى و هو البنية التحتية ، حيث أن كل الإصلاحات التي أجريت على الشبكة القديمة كانت عبارة عن هدر للجهد يؤدي إلي تأجيل الأعطاب وليس أستأصالها الذي يتطلب بناء شبكة جديدة بالمعايير المطلوبة بالتزامن مع تنفيذ خطة توفير الكهرباء بشكل شامل ، لأن المبالغ التي يتطلبها بناء شبكة قوية قادرة علي مقاومة الظروف فترة زمنية طويلة ، أقل بكثير مما يتطلبه الترميم المستمر لشبكة متهالكة ، أسلاكها متناثرة في الشوارع ، بل تشكل أكبر المخاطر على المواطن و المواشي في بعض أحياء أنواكشوط ، هذا بالإضافة إلى ما يكلف الانقطاع الكهربائي المواطن من خسائر ناتجة عن إتلاف بضاعة أو مواد تموينية و حتى تعطيل العمل في بعض أجنحة المستشفيات التي لا تتوفر علي مولدات جيدة إلى غير ذلك من الخسائر التي لا يمكن حصرها .. و إذا كانت السلطات دأبت على الترويج لإستراتيجية تصدير الكهرباء إلى البلدان المجاورة ، باعتبارها خطة تعبر عن مدى قدرتها على خلق مصادر جديدة للدخل ، و تحصيل العملة الصعبة ، فان أمام ذلك المشروع جملة من العقبات إذا لم يتم التغلب عليها فإنها ستظل عائقا أمامه ؛منها القدرة على توفير الكمية المطلوبة من الكهرباء بالشروط المطلوبة في دفتر الالتزامات إلى غير ذلك من الشروط التي الإخلال بها يستلزم عقوبات و التعويض عن الخسائر . و إذا كانت الحالة هذه فكيف لا تؤمن السلطات متطلبات المواطن الموريتاني من الكهرباء أولا ، و بدلا من مد دول أجنبية بالكهرباء ؛ تعمل على استخدام الفائض منه لتزويد المناطق الداخلية بما فيها الأرياف ، وحقيقة فيها مناطق لم ترى النور منذ فجر الاستقلال إلى اليوم ، كما توجد عواصم ولايات الإنارة فيها ضعيفة جدا مما يتطلب زيادة قوة المولدات ، أما موريتانيا الأعماق و التي تتميز بمناخها شديد الحرارة من جنوب شرق البلاد إلى شمالها فهي في أمس الحاجة إلى التغطية الشاملة بالكهرباء ؛ ومما لاشك فيه أن ذلك سيسهم في خلق جو ملائم لاستقرار سكانها الذين ينزحون إلى منطقة أنوا كشوط هربا من لهيب حر الصيف ، كما سيخلق مناخ أقتصادى يساهم بشكل فعال في النهوض بالتنمية في تلك المناطق المنسية و تطوير مستوى المعيشة فيها و بالتالي تكون الدولة نجحت فيما فشل فيه الآخرون ، وهو التمكن من خلق مناخ للهجرة المعاكسة من منطقة أنوا كشوط إلى الداخل . كما أن العوائد المالية في هذه الحالة ستكون مضمونة و قيمتها كبيرة لأن فاتورة الكهرباء لا تقبل فيها الاستدانة . إن السلطات عليها أن تنحاز للمواطن في تأمين متطلباته و حاجياته وذلك لن يتأتى بالمواعيد ، في الوقت الذي يري مختلف المسؤولين منهمكين في الترويج لعروض الكهرباء للخارج ؛ و كأن حظه منها الانقطاع أو الحرمان .

وحدة المغرب العربي.. أمل أمة ومطلب شعب !! كلما يتأمل المخلص لأمته في واقعها ، إذا به مضطر للعودة لماضيها واستحضار عناصر ومقومات وجودها الكثيرة والغنية ؛ فيتداعى تفكيره ، وينحاز بقوة الطموح إلى التساؤل : ما الذي جعل شعوب أوربا ن على تعددها القومي واختلافها اللغوي والثقافي ، وتبيانها الاقتصادي تتفق و تتجاوز وحل الماضي ، حتى تتوحد وتستمر في طريق الوحدة؟. في حين يتأخر أبناء الأمة الواحدة - التي توحدها الثقافة والتاريخ واللغة والجغرافيا- عن تحقيق آمال الأجداد وطموحات الأجيال وضرورة البقاء والاستمرار في عالم لا يرحم الكيانات الصغيرة ! أليس مهماز الشعور الإيجابي من أجل الأمل والتفاؤل واليقين يكمن في تفكير القوى الشعبية العربية في عموم أرضنا ؟.. ألا يكفي ما نحن فيه من أحداث كارثية متتالية لنتحول إلى واقع نضالي جدي يعيد الأمل للشعب العربي ؟. وإذا كانت أوربا قطعت المسافات الطويلة وضمدت جراحاتها الناتجة عن حروبها الداخلية وحروبها العالمية ، فذلك لأنها توحدت على خلق الأمل لشعوبها باتحادها، واحتضان هذا الأمل في شيء ملموس، ولو أنه متواضع في البداية ، هو السوق الأوروبية المشتركة ، التي لم يكن عدد أعضائها ، عند قيام هذه السوق، إلا في جزء من دول القارة . فما الذي جعل الأوروبيين ينجحون في وحدتهم، فيما نعجز، نحن العرب ، عن قطع خطوة واحدة إلى الأمام على طريق الوحدة؟. ألا يمكن أن نتخذ من توحيد المغرب العربي الخطوة الأولى باتجاه الوحدة العربية الشاملة، كما فعلت شعوب أوروبا ؛ فتكون وحدة المغرب العربي هي الأمل الذي نخلقه نحن المغاربة لصالح أمتنا؛ خصوصا أن مقومات هذا السعي متوفرة بما يكفي عبر التركيز على العمل الاقتصادي ، ثم الثقافي فالشبابي ، ومن بعد العمل على توحيد شبكات المجتمع المدني المهتمة بهذه الوحدة. وقد يأتي، في هذا الصدد، توحيد المناهج التربوية التي ينبغي أن تتضمن مكونة موحدة عن المغرب العربي وضرورة توحيده . وقد ننجح في المغرب العربي ، فنرد الاعتبار لمطلب الوحدة العربية بعد فشلها في المشرق العربي، نتيجة الارتجال من جهة، وفرضها من السياسيين في السلطة. بينما حين يتدرج المغاربة بهذه الخطوات ، سيخلقون المناخ الملائم والحاضنة الشعبية التي تحمي هذا المنجز التاريخي المصيري لشعب هذا الإقليم. وعندها سيتعزز المطلب النضالي من أجل الوحدة العربية الشاملة لأن الجماهير تذوقت طعمها وتمتعت بمزاياها الاقتصادية في وحدة المغرب العربي، التي تبقى جزئية وناقصة قياسا بمردود الوحدة ومزاياها الشاملة حين تتحقق ضمن خريطة الوطن العربي. وقد تدفع وحدة المغرب العربي وانعكاساتها الاقتصادية والثقافية والأمنية شعوب إفريقيا التي ترتبط بتاريخ محترم مع العرب إلى تعزيز هذه الوحدة التي ستشكل لهم بديلا وسندا اقتصاديا وتاريخيا وحضاريا عن القوى الغربية، التي تستنزف ثرواتهم ، ويشعرون إزاءها بشعور البغض والكراهية، جراء ممارساتها الاستعمارية ضد هذه الشعوب. فتلتقي القوة الإفريقية والقوة المغاربية العربية على أساس تكتل جديد يحظى بالقوة والانسجام التاريخي والاقتصادي . وما من شك في أن إلتقاء هاتين القوتين أو التكتلين سيخلق الأمل فعليا لوحدة الشعوب الإفريقية ، التي تصارع ضد النهب الغربي لثرواتها، وينجز المرحلة الأولى عمليا من الوحدة العربية، التي لم تبرح نقطة الحلم والتنظير ....

ماذا بعد تدمير الموصل و تلعفر

قبل أكثر من سنة كتبنا في أحد أعداد الدرب العربي أن "داعش " صنيعة للمخابرات الأمريكية بالشراكة مع مخابرات دولية أخرى ، و أنه حين ينتهي الغرض من هذا التنظيم الإرهابي ، فإن أمريكا ستضع له نهاية ، وعندها ستأتي بمسميات أخرى تختلف في النطق ولكنها تؤدي هدفا استراتيجيا غربيا ، طبقا للمرحلة التي تخدمها تلك التنظيمات أو ذلك التنظيم . وقد تحفظت (جهات ) على ذلك . و نحن إذ نتفهم الأسباب الظرفية لذلك التحفظ إلا أننا نعيد الإشارة إلى أن تحليلنا ذلك كان صائبا ؛ فهذه أمريكا تحسم خيار تصفية (داعش ) من الموصل و شمال العراق ؛ بعد أن حقق لها هذا التنظيم أكثر من هدف موغل في الإيذاء : فأمريكا حققت بهذا التنظيم فرض واقع الطائفية في الصراع الدائر في العراق ، و إبادة الشعب العراقي باسم مواجهة ( داعش ) من جهة ، و باسم مواجهة "الحشد الشعبي " من جهة أخرى . إن خيرة شباب العراق قد أكلتهم حرب الطائفية التي خططت لها الولايات المتحدة الأمريكية بالشراكة مع الصهيونية و الصفوية الفارسية ؛ فمولوها و سلحوا أمراءها بهدف إيقاع أعظم خسارة بشرية في هذا الشعب ، و بهدف أخاديد ألم و جراح لا تندمل ، سبيلا لهدف أخطر وهو فرض واقع التقسيم الطائفي على خريطة الشعب العراقي ، بعدما قاوم أبناؤه على أشد و أنبل ما تكون المقاومة للعملية الطائفية ، التي جاءت بها أمريكا الغازية لفرضها على المنطقة بصورة عامة ، انطلاقا من انجازها بالقوة و البطش ، بين عناوين طائفية ، في العراق .أما الهدف الثالث من ( داعش ) ، و الذي عملت أمريكا على تحقيقه بتمويل أغنياء و أغبياء العرب في النظام الرسمي فهو تمكين إيران من الانتصار في حروبها في العراق ، ليقترب اللهب من حدود المملكة العربية السعودية ، التي يفترض الغرب أنها تمثل الشرعية للعالم السني من المسلمين ؛ و حتى يتفاقم الحريق بين الشرعية الدينية السنية في مكة المكرمة و الشرعية الدينية في قم بإيران . و إذا كانت إيران ، حتى الآن ، لم تخسر سوى أعداد من خبرائها في العراق و سوريا و بعضا من ترسانتها فإن العرب العراقيين و السوريين قد هلكت أعداد هائلة منهم في هذه الحروب من السنة ، تحت طائلة جهاد الدفع ضد " التشيع الزاحف " ، الذين سهلت لهم المخابرات الأمريكية و الغربية و العربية سبل الوصول إلى جحيم العراق و سوريا ليقضوا نحبهم هنا باسم الجهاد المقدس . كما أبيد مئات الآلاف من الشباب العربي الشيعة باسم جهاد الكفاية الذي أفتت به المرجعيات الشيعية الموالية لإيران. و اليوم ، وقد " تحررت "الموصول بتدميرها و تسلم العملاء مدينة تلعفر من ( داعش ) فماذا بعد ؟. لا يبدو أن أمريكا قد ارتوت من دماء العرب عامة و لا من دماء العراقيين خاصة ، و إنما تتطلع إلى تذوق دماء العرب السعوديين . و انطلاقا من تحليل مسار الأحداث و استشرافا لمستقبل وجهتها ، فإن أمريكا ستشجع إيران و تزودها بالسلاح و المعلومات الإستخباراتية لفتح جبهة مسلحة مع السعودية ، قد تأخذ في البداية شكل حرب استنزاف عبر مجاميع عملائها في العراق ، وقد تأخذ شكل عدوان مسلح محسوب على أساس إضعاف المملكة بحربين متزامنتين في اليمن و على حدودها مع العراق ، فيما ستعمل خلاياها النائمة على تفجير الوضع الداخلي ، تمهيدا لتقسيم البلاد إلى أربع إمارات على الأقل و ثمانية في الأكثر ، مع إعادة رسم خريطة المنطقة بالتزامن مع هذا التفسخ . و كما قلنا و ناشدنا ، فإن المملكة العربية السعودية و مشيخات الخليج لن تنجو مما يخطط لها ، ما لم يدرك حكامها و نخبها أن المنقذ، بعد عناية الله ، من هذه القارعة هو دعم المقاومة الوطنية العراقية و حزب البعث اللذين هما وحدهما القادريين على إيقاف المشروع الأمريكي ـ الإيراني الرامي للقضاء على النظام الملكي في السعودية ، تمهيدا للعبث بمنطقة الخليج برمتها ، طبقا لمسطرة جديدة لسايكس ـ بيكو . فهل، يا ترى ، سينتبه حكام الخليج قبل فوات الأوان إلى هذا الخطر المدلهم ، و الذي أصبح مسألة وقت ؟؟؟


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2017-09-04 13:58:44
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article19532.html