قبل إقرار العلم وصياغة النشيد
وكالة كيفة للأنباء

صادقت أغلبية الموريتانيين من المهتمين بالمشاركة في الشأن العام والمسجلين على اللوائح الانتخابية على علم موريتانيا الجديد، باعتبار التسجيل على اللائحة الانتخابية والتصويت في الانتخابات ليسا إجباريين، وننتظر المرسوم المحدد للشكل النهائي لهذا العلم المؤذن باعتماده ورفعه، وننتظر أيضا ونتطلع إلى تعامل جديد مع هذا العلم بحيث :

1ـ يتم تحديد حجمه وأبعاده ودرجات الألوان المستخدمة فيه، لأن كل لون من الألوان هو درجات تبدأ من الفاتح إلى الغامق، الشيء الذي لم يكن محترما في العلم السابق حيث نجده أحيانا بدرجات متفاوتة من درجات اللون أخضر، كذلك ورغم أن لون الهلال والنجمة المنصوص عليه في الدستور هو اللون الذهبي، فإن اللون الذي ظل مستخدما لهما هو اللون الأصفر كيفما اتفق وبدرجاته المتفاوتة هو الآخر، كما ظل شكل الهلال ووضعية النجمة فوقه يختلفان من شكل إلى آخر ومن وضعية إلى أخرى.

2ـ يكون الدرس الأول في قاعات الدروس خلال الافتتاح الدراسي المقبل عن العلم الجديد، ألوانه ورمزيته ودلالاته واعتماد ذلك كسنة عند كل افتتاح مدرسي، ومع أن اللون المضاف للعلم القديم هو اللون الأحمر المعروف الدلالة التي هي تخليد تضحيات المقاومين أو المجاهدين الموريتانيين في مقاومه أو جهاد المستعمر، وكذا دماء الجنود الذين استشهدوا بعد ذلك دفاعا عن الوطن، وتمجيدا لدور ألئك الحاملين للبنادق اليوم لنفس الهدف النبيل، إلا أن اللون الآخر المكون للعلم، وكذا الهلال والنجمة ولونهما ظلوا مبهمي الدلالة الحقيقية، ولذلك ينبغي تحديد دلالاتهم بدقة بعيدا عن الماورائيات والتفسيرات التي ظهرت حديثا تزامنا مع السجال الذي رافق الحديث عن تعديل الرموز الوطنية، ككون اللون الأخضر لونا إسلاميا، وهذا ما لم نسمع به من قبل خلال المرات النادرة جدا التي كان يتم الحديث لنا خلالها عن دلالات ألوان وشكل العلم، فما كان يقدم لنا هو أن اللون الأخضر في العلم يرمز للخصب والنماء، والأصفر يرمز للسنابل والحصاد، وهي دلالات أكثر من منطقية بالنظر إلى طبيعة مجتمعنا الرعوية والزراعية، ولما للخصب والزراعة والحصاد من رمزية كبيرة في حياة الشعوب، ونمو وتطور ورخاء المجتمعات، واستقلال وسيادة الدول باعتمادها عل نفسها في إنتاج غذائها. كما لم نسمع في تاريخنا عن تفسير لدلالة النجمة والهلال إلا عندما دار الحديث عن تغيير العلم الوطني، حيث انبرى البعض بتفسيرات من عنده تقول إن الهلال هو الآخر رمز إسلامي، والنجمة تمثل أركان الإسلام الخمسة ك " تحريز" منه لهذين الرمزين ضد أي تغيير، رغم أن إلغاء اللون الأخضر والنجمة والهلال لم يكن مطروحا في التعديل المقترح للعلم الجديد. وبعيدا عن التفسيرات والاجتهادات الشخصية فإن النجمة مشتهرة برمزها للسمو والعلو، والهلال برمزه للتجدد وتعاقب الحقب والفصول، وفي ذلك غنى عن أي تفسيرات أو اجتهادات أخرى، أما رمزية الهلال للإسلام فهي تراث عثماني، حيث استخدموا الهلال كشعار في غزواتهم ووضعوه على المآذن لكن لا أصل ديني لذلك، ويكفي أن استخدام الهلال على المآذن ليس معروفا ولا محببا لدى علمائنا وأئمتنا، وإذا كان اللجوء لاستخدامه بدعة حسنة، فإن ذلك بالنسبة لبلدان إسلامية أخرى توجد فيها ديانات مسيحية تمييزا للمساجد عن الكنائس وهو ما ليس مطروحا لنا.

3ـ رفع العلم الجديد على كل المؤسسات التعليمية إجباريا، ورفعه كل صباح على أنغام كلمات النشيد الوطني قبل دخول التلاميذ، واعتبار مخالفة ذلك مخالفة قانونية تقتضي المساءلة والعقوبة، مع إقرار تنظيم رحلات صيفية للتلاميذ إلى أماكن معارك المقاومة في أي منطقة وقعت فيها معركة، أو أي مكان توجد فيه أضرحة لمقاومين أو مجاهدين رفقة مرشدين متمكنين من تاريخ ووقائع المقاومة، فلا يمكن للأجيال الاعتزاز أو التمسك أو الدفاع عن قيم أو رموز لم ترافقهم التنشئة عليها منذ الصغر، والدليل هو أننا لا زلنا بعد ستة عقود من استقلال بلدنا غير متفقين على دلالات ألوان ومكونات علمنا الوطني !

4 ـ سن قوانين رادعة تعاقب كل من يهين أو يستهزئ بالعلم الوطني قولا أو فعلا، وكل مسؤول يرفعه على إدارته أو مؤسسته مقلوبا، أو ممزقا، أو شاحب الألوان بفعل عوامل الطقس، أو مختلفا في حجمه أو مقاساته ودرجات ألوانه عن المقاسات ودرجات الألوان وشكل النجمة والهلال المحددة في العلم.

أما بخصوص النشيد الوطني، فقد تحقق ما كنا نطمح إليه وأشرنا إليه مرارا بضرورة اختيار لجنة من الشعراء، والأدباء، والأساتذة، والفاعلين الاجتماعيين، والمتخصصين في الموسيقى المحلية وتكليفها بإعداد نشيد وطني، فكما يقولون " حمل اجماعه ريش "، وليس لدينا كبير مقترحات نقدمه لهذه اللجنة لقناعتنا بمستواها وقدراتها ووعيها بما يلزم أن يكون عليه نشيد وطني.. وكلما سنقوله في هذا الصدد سيكون تأكيدا على ما لديها، إذ لابد أن أعضاء اللجنة يدركون :

1ـ أن النشيد الوطني، أي نشيد وطني، ليس تعاويذ ولا ترانيم ولا ابتهالات.. وإنما هو، من حيث النص والمضمون، قطعة ذات أسلوب لغوي موسيقي يفيض عزا وعنفوانا ويُجمل خصوصيات أمة معينة، عقيدتها، تاريخها، ثقافتها، قيمها، أمجادها، تطلعاتها.. وأن لحنه وإيقاعه ليس لحنا جنائزيا، ولا هو موشحة ولا " نحية " ولا " شور " ولا " ردات " يراد بها بعث الشجن والاسترخاء، وإنما هو شُعلة من الحماس والإيقاعات الهازة للمشاعر والوجدان، مثله مثل " بيت الحرب " الذي كان يرافق الفرقاء المتحاربين، ومثل هتافات مشجعي فرق كرة القدم التي تهز المدرجات على مدى 90 دقيقة فرحا بتسجيل الأهداف، وحثا وتشجيعا على تحقيق المزيد..

ومن هنا، فقد قلناها سابقا ونكررها اليوم بأن العلة في نشيدنا الحالي ليس فقط كلماته التي لا تناسب نشيدا وطنيا يجسد خصائص أمة تمييزا لها عن أمم أخرى، وخلوها من أي ذكر لشعب أو أمة أو بلد، أو مما يلهب المشاعر والانتماء الوطني، وإنما أيضا في لحنه الغريب و" البارد " الذي بقينا لعقود نستغرب نشازه عن أسماعنا وذائقتنا ونتساءل عن السر في ذلك، قبل أن نكتشف أنه لحن لفرقة موسيقية من ثقافة أخرى تختلف جذريا عن مقامات ورتمات وإيقاعات وخصوصية موسيقانا !

وحتى ولو كانت عملية تلحين وعزف النشيد المنتظر عملية لاحقة لتأليف وصياغة كلماته سيتولاها ملحنون وعازفون، فإنه من المستحسن حضور هؤلاء الملحنين والعازفين إلى جانب لجنة تأليف النشيد وهي تصيغ كلماته، لأن الملحن دائما يختار ويُفضل مفردة على أخرى مرادفة لها في المعنى لكنها أنسب منها موسيقيا..

2ـ ليس بالضرورة ولا من المألوف أن يكون النشيد الوطني، أي نشيد وطني، يتضمن آية من القرآن العظيم، حتى ولو كان ذلك كما قيل ورد في توصية من رئيس الجمهورية تحاشيا منه لأن يكون هو المسؤول عن إلغاء آية من القرآن كانت في نشيد وطني.. فعلاوة على عدم التأدب مع القرآن بتلحين آية منه وترديدها على أنغام موسيقية، فإن للقرآن مكانه ومكانته التي ينبغي تركه فيها، وللنشيد الوطني هو الآخر مكانته والهدف والمغزى منه، فلنقرأ القرآن ونتعلمه ونعمل به لكن في حدود ما أنزل من أجله والذي ليس من ضمنه الغناء به وإنشاده على الآلات الموسيقية.

ونقدر، ويقدر كل الموريتانيين مكانة القرآن وكتابه وطلبته وحملته ووسائل نشره وتعلمه لدى رئيس الجمهورية، لكن يمكن للجنة صياغة النشيد الرجوع هنا إلى الرئيس في هذا الموضوع والتماس التخلي عن هذه الفكرة، ولا مانع من تضمين النشيد الوطني مضمون آية من القرآن لكن ليس نص آية منه.. لكننا نؤكد على توصيات الرئيس الأخرى حول احتواء النشيد على كل المفاهيم والقيم السامية، ومراعاة سهولة حفظه، ونزيد على ذلك بالتأكيد على تجنب الإطالة والمفردات الغريبة أو المنقرضة صعبة النطق، إذ ليس المقام هنا مقام " إحياء المندثر الغريب " من مفردات اللغة..

ويقول مثلنا الحساني " هي ما اتعود عصبه ؤتني "، فما دمنا قررنا استبدال نشيدنا الوطني الحالي بنشيد آخر مناسب، وقد اكتشفنا أن فكرة تغييره كانت مطروحة منذ عقود حتى من طرف من اختاروه، فإننا لن نكون معذورين في اختيار هذا النشيد والاجتهاد فيه والإحاطة به من كل الجوانب حتى يخرج على أحسن وجه، ونكلُ الأمر بالطبع للجنة صياغة النشيد بما فيها من كفاءات لتأليف نشيد جديد كليا قافية ومضمونا ولحنا وإيقاعا، وليس ترميم النشيد الحالي أو التأليف على قافيته أو بحره، ونتطلع إلى نفس الاجتهاد في تلحينه بإيقاع حماسي حي تكون السيادة في عزفه للإيقاعات الموسيقية العسكرية القوية، ونذكر هنا بظاهرة اهتمام وتقليد أطفالنا للموسيقى العسكرية المرافقة للعروض العسكرية، حيث نجدهم يستخدمون العلب الفارغة ويسيرون في صفوف ويعزفون ذلك اللحن بإتقان، وما ذلك إلا تجاوبا معه واستحسانا له عكس لحن النشيد الوطني الذي لم نجد يوما من يعزفه أو يحاكيه..


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2017-08-29 07:19:54
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article19470.html