حول التعديل والتمديد
وكالة كيفة للأنباء

إسهاما منا في الجدل المحتدم حاليا، حول دعوات البعض لتعديل بعض المواد الدستورية مما يمكن الرئيس الحالي من البقاء أطول مدة في سدة الحكم، وما يقابل تلك الدعوات من استهجان البعض، ورفضه، بل ونفوره بحجة أن الوثيقة الأسمى الناظمة للحياة السياسية العامة للبلد لا تترك خيارا سوى الرحيل، لمن أكمل ولايته الثانية، .فلقد وجدنا من الملائم، إقحام أنفسنا في هذا المعترك وذلك عبر المقاربة التالية:

لقد استطاعت بلادنا إبان مرحلة معينة، من حراكها السياسي، أن تسن دستورا، يكاد لا يختلف كثيرا، عن بقية الدساتير التي تحكم الأمم ذات التقاليد الديمقراطية العريقة. لكن إذا أراد المرء أن ينزل هذه الوثيقة الدستورية ،ارض الواقع الموريتاني المعيش .فانه سيكتشف من أول وهلة، مدى البون الشاسع بين النظرية العامة والتطبيق. فالمجتمع الموريتاني ما زال أسيرا للتقاليد، و المسلكيات التي لا تمت بأدنى صلة للحياة الديمقراطية، كما يعرفها العالم الحر.، ومن التجني بمكان، أن نحاول إدخال الآليات الديمقراطية ،.وبشكل قسري ، إقحامي، على مجتمع أهلي،. مازال الولاء فيه مستفحلا ،ومتفاقما، للقبلية ،والطائفية ،والجهوية...

إن الذين ُيظهرون الغيرة حد الجنون على هذا الدستور، ويخلعون على نصوصه وروحه رداء القداسة. يدركون أكثر من غيرهم ،أن السواد الأعظم، من أبناء الشعب الموريتاني، لا يكترث كثيرا، لتلك المفاهيم النظرية. من قبيل : الدستور، التناوب الديمقراطي، الحقوق السياسية،.وهلم جرا. .. وان مثل هذه القضايا، ظلت حكرا على نخبة من أبناء الذوات ،بعدد أصابع اليد. يتداولون التشدق بها فيما بينهم،. فيجنون ثمارها، و يتفيأون ظلالها .، بينما واقع المواطن المسكين، يزداد بؤسا ،و شقاء على شقاء. لذلك فمن السذاجة بمكان أن تعول حفنة، من هواة السياسة عندنا ،على َهـبة شعبية، حينما يتم التطاول على هذه المادة أو تلك، من دستورنا والذي تم اقتباس ديباجته، ومواده ،من دساتير شتى .عن طريق النسخ ،واللصق،. إبان المرحلة الانتقالية الأولى.

كما أن الأحزاب السياسية ،ورجال المعارضة ،والذين "يرغون "و "يزبدون "و "يتوعدون"، فقد أثبتت الأيام، ومنذ بداية ما عُرف بالانفتاح السياسي، مستهل تسعينيات الألفية الفارطة ،. أنهم مجرد فقاعات صوتية .و ما من احد، يمتلك صبابة من عقل ،أو بقية فطنة، يخفى عليه أن أرباب أحزابنا ،. وما يطلق عليه اصطلاحا "رجال المعارضة " لا يمكن أن يمثلوا بديلاً، ولا أن يسدوا فراغا حتى لو افترضنا جدلاً أن الواحد منهم وجد السلطة ذات صباح ملقاة عند عتبة بابه .!

لم تستطع أحزابنا المسكينة ، أن تقوى على الوقوف على قدميها . وسيصاب المرء بالدوار، والذهول ، إذا علم أن هذه الأحزاب.، تعرف الخصاص ، وقلة ذات اليد - حد الإملاق - مما انعكس سلبا على استقلاليتها ،وفت في عضدها. فكيف بحزب – أو مجموعة أحزاب - تطمح إلى تدبير وتسيير الشأن العام،. وهى غير قادرة على اقتناء آلة سحب، أو مكبر صوت ،ناهيك عن مختلف ا للوازم اللوجستيكية الأخرى. ، ضف إلى ذلك كون هذه الأحزاب أخفقت في بث ،وإشاعة، ثقافة الديمقراطية .والتي هي لحمة ،وسدى كل عمل حزبي جاد.

لن يجد ُدعاة تعديل الدستور،أو تمديد المأمورية، عناء ولا شقاء إذا ما هم اقبلوا على الأمر، وقبلوا به ،وعملوا من اجله. بل إنني لأعجب، كيف غابت جملة من الحقائق الماثلة للعيان ،عن إدراك أنصار التعديل، ودعاة التمديد ، ولعل من أجدرها بالإثبات.، القول بان المجتمع الموريتاني، المتعدد بطبعه . قد استطاع بحكمة ،وحنكة ، وبراعة ، أن يجنب بلده وشعبه، مخاطر" الربيع العربي" المزعوم،- و المشؤؤم- ،.والذي روع سرب بلاد ،وعباد، ظلت تنعم بالاستقرار، ورغد العيش، وبسط السكينة ،.و لو لم تكن البلاد ُتدار من لدن سلطة ،.يمتلك أصحابها الرأي السديد ،.والحس القيادي،لأصبحت حوزتها الترابية ،.وسيادتها الوطنية ، نهباً لكثير من الكتائب ،الله وحده ادري بعددها ،وعدتها، وباسها...

كما أن موريتانيا استطاعت وفى خضم هذه الأحداث.، الدراماتيكية. المحيطة بالبلد إحاطة السوار بالمعصم .،أن تبرز كدولة محورية ، لا يستغنى عن حضورها، ولا تؤتمن مغبة غيابها، وذلك لما تحقق بسواعد قادتها . من نماء اقتصادي، وحضور عسكري وأمنى ، لا سبيل إلى إخفائه ،. أو التقليل من شانه. الأمر الذي اقلع بالبلاد. وبوأها منزلة اعترف بها العدو قبل الصديق.

لقد أضحت البلاد لاعبا لا غنى عن صولاته، وجولاته ،. ضمن منظومة أمنية، وسياسية، آخذة في التشكل. سواء تعلق الأمر بالجوار الإفريقي . أو المحيط العربي . وهناك أكثر من جهة نافذة ، ومؤثرة على المستوى الدولي.، تنظر إلى هذا النفوذ بعين الرضي، والاستحسان، . هذا إن لم ازعم بان هناك من يتعهده بالرعاية. ويدفع به إلى الأمام دفعا. ومن الغباء بمنزلة أن يدور في خلد بعض الحالمين، من ساستنا، أن الأطراف الضاغطة ،والمؤثرة إقليميا، ودوليا، ستضرب صفحا عن كل هذه الأمور، وتنتصب للدفاع عن شرعية هذا الطرف أو ذاك ، في الأحقية بالحكم وهى التي تعلم علم اليقين. كم هو خطر، وخطل، المراهنة على المجهول.،والأمثلة على ذلك تكاد تقول خذوني.!

لن يسقط كسفا من السماء،. ولن تخر الجبال هدا،. إذا ما تم الشروع في إجراءات تعديل الدستور. أو الاستعاضة عنه بغيره ، والبدء في سن وثيقة دستورية أكثر ملاءمة، واصدق تعبيرا عن مصلحة البلاد ، وضمان ديمومتها. ولن َتعدم دعوة من هذا القبيل وجود سندٍ قانوني تتكئ عليه،. أو فقه دستوري يعضدها ، أومدد شعبي يؤازرها. خاصة إذا علمنا أن الديمقراطية تحصل بالأغلبية ولا تشترط الإجماع.

لن يتفاجأ المرء من ُصراخ ، وعويل، الأطراف الممتهنة للمعارضة،. وسيحظى لفيف من" المنظرين " و"المحللين"بإطلالات يومية عبر الفضائيات، وستنبري بعض الأقلام المنتقدة للخطوة . وسيتبادل على منصة الخطابة في ساحة ابن عباس رجال، ونساء، وولدان، يبكون الديمقراطية وحظها العاثر،" متوعدين" الرئيس وبطانته العسكرية ، والمدنية، بالويل والثبور وعظائم الأمور... حتى إذا ما آذنت الشمس بالغروب،. منذرة بحلول الظلام،. طفق الجميع في الانصراف،. زرافات ، وفرادى، كل إلى حال سبيله، ودلف أرباب الأحزاب في مقاعد سياراتهم الخلفية ، لتبتلع الشوارع الفرعية الجميع، وهكذا دواليك...

لا احد من قادة أحزابنا بمقدوره المراهنة على الشعب فلقد سئم المواطن الموريتاني من ساسته ،واعرض عنهم وابدي لهم صنوف الجفاء، وأنواع التبرم. زد على ما سبق أن الأغلبية الساحقة. من أبناء الوطن ترتبط مع السلطة بعلاقة أبوية، من الصعوبة الفكاك من ربقتها أو فصم عراها. وأن كل دعوة أو نهج ، أو توجه ، يتم بمنأى عن الدولة. يمنحونه الصماء من آذانهم.

لا يحتاج الواحد منا لموهبة فذة، ولا لذكاء خارق ليكتشف. أن الغرب لن يقوم بعملية إنزال لحماية الديمقراطية .، وأن أمريكا لن تعبر الأطلسي للذود عن حمى الدستور ..

بقى أن نخمن. هل الجهات العليا في هرم السلطة تفكر فعلا في الإقدام على أمر تعديل الدستور. أم أن القضية برمتها لا تعدو كونها إشاعة. لكن من الثابت الذي لا يقبل الجدل ، انه ما من كابح سيعترض طريق السلطة، أو يرد جماحها .، إذا ما هي شرعت في نقض غزل الدستور الحالي.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-04-06 15:00:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article13752.html