انفجار "قدم الحافلة" فتح الرئاسة لعزيز!
وكالة كيفة للأنباء

كان ذلك في احدي مساءات مايو 1986 وبالتحديد في حدود الساعة العاشرة واربعين دقيقة مساءا... كانت انوكشوط تستفيق من موجة حر وغبار وكانت رطوبة نسائم البحر المحتشمة بدأت تطلف حرارة الجو...

على بوابات الرئاسة القديمة ( لأنه في ذلك الوقت لم يشيد الصينيون القصر الرمادي الحالي ) كانت تتواجد ثلاث مجموعات من الحرس 6 بالبوابة الرئيسية و اربعة بالبوابة الثانوية وثلاثة عناصر قبالة سكن الرئيس معاوية الذي خلد إلي النوم مبكرا ذاك المساء... فجأة دوي انفجاران على بعد 200 متر من غرفة نوم الرئيس وبالتحديد على الشارع الفاصل بين الرئاسة والحي "س"... بعد الانفجاران سمعت فرقعة يخيل لسامعها انها فرقعة رصاص... نزل الرئيس مسرعا في ثياب النوم اتصل برئيس الخفر الذي اجاب بانه استفسر الحرس الموجودين وانهم بصد استطلاع الموضوع... بعد ثلث ساعة استنفر المدير الجهوي لشرطة انواكشوط الذي استعان بعناصر من الدرك ومشط المنطقة ليؤكد له صاحب حانوت في المنطقة ان الموضوع كان انفجار "قدم البيس" أي انفجار عجلات حافلة صغيرة محملة بقنينات غاز وان الفرقعة كانت بسبب ارتطامات هيكل السيارة التي كانت مسرعة بالرصيف.

وابلغ الرئيس على الفور بحقيقة الامر ولكن وجود الغاز ازعجه كثيرا لما يمكن ان يتسبب فيه من انفجارات... نام الرئيس ليلته تلك وفي الصباح عقد اجتماعا امنيا مصغرا تؤكد مصادر موثوقة ان حضوره اقتصر على احمد ولد منيه واعل ولد محمد فال ومدير ديوان الرئيس لوليد ولد وداد... طلب الرئيس معاوية مقترحات لتأمين محيط الرئاسة واستعرضت اقتراحات منها تشكيل وحدة مشتركة بين الشرطة والدرك والحرس للمهمة لكن العقيد احمد ولد منيه رأي ان تعدد المشارب مربك امنيا واقترح انشاء وحدة خاصة للحرس الرئاسي تكون مهامها محددة وتعمل مستقلة عن الاطر الامنية التقليدية... وتبني معاوية بسرعة الاقتراح وشكلت نواة الفرقة في اليوم التالي واسندت مهام تشكيلها لضباط من الصف الثاني مقربين من الرئيس... وقبل نهاية السنة اصبح تعداد الوحدة في حدود 90 عنصرا واصبحت لديها وسائل خاصة ولديها آليات عمل وقواعد اشتباك محددة وتخضع لإشراف مباشر من الرئيس الذي لم تفته ضرورة تطعيمها من حين لآخر بعناصر لا يشك بولائها.

الحرس الرئاسي صمام امان ضد الانقلابات

بدأ معاوية يفكر في اسناد مهمة أخري لحرس الرئاسة وحوله إلي شبه كتيبة قتالية بإمكانها التصدي للانقلابات وكل الانفلاتان الامنية المفاجئة... وفي غمرة هذا التوجه كان هنالك ملازم ميكانيكي أسمه محمد ولد عبدا لعزيز تخرج من اكاديمية مكناس والحق بالشيخ سيد احمد ولد باب في الادارة الفنية بقيادة اركان الجيش... كان هذا الضابط متسما بـ3 سمات أولها توصية خاصة قديمة من سيد احمد ولد الطايع لفائدته وثانيها علاقة نسب ومصاهرة ربطها في المغرب وقربته من معاوية وثالها قرابته وارتباطه بضابط مقرب ومحل ثقة هو في ذلك القوت اعل ولد محمد فال... وإلي هذه الروابط اضيفت رغبة الضابط نفسه في عدم الخروج من انواكشوط وتلكؤه عن الخدمة في ثكنات الداخل... ستؤدي كل هذه العوامل وعوامل أخري إلي إدخال محمد ولد عبد العزيز لاحقا لأول مرة إلي الرئاسة ومقابلته معاوية الذي احاله إلي الحرس الرئاسي.

عزيز والحرس الرئاسي

حين دخل عزيز الحرس الرئاسي لم يكن الأهم ولم يكن الأقرب لولد الطايع لكنه ما لبث ان لفت الانتباه، ففي حين كانت تدخلات الضابط ايوب وآخرون لا تنتهي وكانت تزعج معاوية لم يكن ولد عبد العزيز يتدخل في أي شيء وظل صامتا وغامضا ينجز ما يسند إليه من مهام... كان طموحه في ذلك الوقت مقتصرا على توفير نشاط تجاري آخر يوفر له الضروريات... فكر في فتح مخبرة لكنه عدل عن ذلك وهيكل المخبزة لتصبح حماما بخاريا اشرف على تسييره لسنوات متتالية... ولم يسلم عزيز من غضب معاوية ففي احدي المرات امر بتحويله إلي النعمة واصر على ذلك، ومرة اخري كانت وساطة اعل حاسمة فاقنع ابن عمه الرافض بالرضوخ للأوامر والتوجه إلي النعمة ووعده حسب الروايات بالعمل على عودته واعاده بالفعل بعد 90 يوما... بدأ عزيز يستقطب ثقة ولد الطايع فهو شخص لا يمثل أي خطر ولا إسناد له من اللوبيات القبلية الجهوية والعسكرية... في مرحلة العودة الثانية حول معاوية الحرس الرئاسي إلي قوة ضاربة خارج السياق وكان يعتقد انه احتاط لكن الرياح جرت بما لم يكن في الحسبان حين حرك صالح ولد حنن ورفاقه في 2003 فيلق الدبابات نحو الرئاسة للاستيلاء على السطلة... في ذلك المساء فوجئ عزيز وصدم كان اول عمل قام به هو نقل حرم الرئيس إلي مكان آمن بحي "المشروع" وعندما عاد إلي محيط الرئاسة كانت الدبابات اقتحمت الموقع وكانت عناصر الحرس الرئاسي تلقي السلاح وتتنكر في ازياء مدنية... جمع عزيز بعض العناصر واقام موقعا قرب قصر المؤتمرات لا دفاعا عن معاوية ونظامه ولكن حماية لنفسه ولكنه سرعان ما ادرك فشل الانقلاب وتراجع الإنقلابيين فحاول استعادة الاذاعة والتلفزة ودخل في معارك كر وفر راح ضحيتها احد ابرز مساعديه... خلال إفشال عملية الانقلاب سمع عزيز لأول مرة الضباط يتهامسون بأحاديث من قبيل " لماذا لا نزيح هذا المرابط" واكتشف هشاشة النظام وزرعت نبتة طموح الصول إلي السلطة او المشاركة فيها في وجدانه... بعد الانقلاب اغدق معاوية على الرجل وأجزل له العطاء ومنحه الثقة واطلق يده ليصبح القاعد الفعلي للحرس الرئاسي وليعيد هيكلته على هواه... ستجري الرياح مرة اخري بما لا تشتهيه سفن عزيز فبعد مجزة "لمغيطي" قرر معاوية ان يشرك الجميع في غزوة مطاردة "بلعور" وابعد ولد العزيز واسند له مهمة التواجد هناك ليشرف ويسهم في سير عملية الملاحقة ولكن عزيز لم يكن يريد الذهاب إلي لمغيطي وكان قد ادرك هشاشة النظام فأعاد إلي مسامع من يثق فيهم من الضباط وكانوا 2 لا غير عبارة سمعها مساء انقلاب صالح وهي انه يمكن تخليص البلاد من "المرابط" فتخمرت الفكرة ونضجت على نار هادئة ونفذ الحرس الرئاسي أول انقلاب لو فشل لكان نهاية عزيز ونهاية الحرس... ولكن ادوار الآخرين مكنت من الحصول على تأييد معظم القادة العسكريين للمشروع... وازيح معاوية وبدأ فصل آخر من فصول عزيز والحرس الرئاسي سيعصف بسيدي ويوصل عزيز والحرس إلي النهاية إلي رأس هرم السلطة... وتحول عزيز من قائد للحرس ليصبح اليوم الرئيس وحول الحرس الرئاسي إلي قوة ضارة تحميه وحده يقودها قيادة خاصة رغم تضارب ذلك مع مهامه الدستورية كقائد أعلي للقوات المسلحة... اليوم تتنامي الخشية من ان الحكاية التي بدأت بأنفجار عجلة سيارة قد تنتهي بتعطل المحرك بالكامل فالشيطان يكمن في تفاصيل ممارسة الحكم... والانفجارات والمفرقعات بدأت تصم آذان الموريتانيين المتطلعين حقا إلي الخروج من انظمة المفارقات ومن سقف رؤساء الصدف ومن اكراهات امزجة الضباط المتمردين فهذا المسلسل العبثي بلغ نهايته المقرفة وقد لا تنفجر عجلة هذه المرة بل ينفجر بلد بكل مكوناته وتكون القطيعة مع ما كان بداية حاسمة لما سيكون.

وصدق نابليون حينما قال : "إن الوصول إلي السلطة يتطلب حقارة ونذالة وغدرا... ولكن ممارستها تتطلب جرعة كبيرة من الحكمة" وإذا كان مسار عزيز يؤكد مصداقية المقطع الاول من مقالة نابليون فإن الحكمة خارج سياقات عزيز ولا تنبت في عرصات الحرس الرئاسي.

يعقوب ولد سلام/ الرأي المستنير


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2012-05-27 00:16:12
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article1132.html