27عاما على رحيل ميشل..المؤمن والطبيب والقائد والإنسان
وكالة كيفة للأنباء

يصادف هذا اليوم الذكرى ال27 لرحيل أحد أبرز رجالات ولاية لعصابة الذين ذاع صيتهم فاحتلوا مكانة عظيمة في نفوس الناس وتمكنوا من احتلال بعد وطني وطارت أخبارهم إلي أصقاع واسعة وجهات رحبة ومثل رحيله عن دنيانا خسارة فادحة تكبدت أفظع ارتداداتها طوابير المرضى والمحتاجين و وفيالق الأرامل والأيتام الذين مثل الرجل لهم الأمل الذي لا يخيب فلا يطلبون هما أو ينشدون حاجة أو يتعرضون لنازلة إلا كان لها.

إنه الرجل "لظاهرة" محمد الملقب ميشل فرجس.

ولد الراحل في مدينة كيفه التي أحبها كثيرا في ساعة من يوم 17 سبتمر 1939، على أرضها تربى ودرج ، وفي سنة 1946 حصل فيها على شهادة الدروس الابتدائية ثم التحق بعد ذلك في عام 1958 بمدرسة الممرضين ب "سنلوي السينغالية " ، وفيما بين 1962 -1964 دخل المرحوم مدرسة الممرضين الدوليين بدكار ، ثم حصل على شهادة في إدارة المؤسسات الصحية والاجتماعية بالمدرسة الوطنية للصحة العمومية بمدينة "رينس بفرنسا " ، ليسافر بعدها إلي كندا وهناك درس مجال تسيير المستشفيات لمدة ثلاث سنوات .وبعد عودته للبلاد دخل ميشل طور الخدمة المهنية الوطنية فعمل مديرا في العديد من المرافق الصحية في البلاد نذكر منها :

-العيون ،الاك ،المذرذرة، كيفه.

وفيما بين 1974-1986 عمل المرحوم مسيرا للمستشفي الوطني بنواكشوط وهناك اهتم ميشل بمختلف هموم الساكنة وأولى اهتماما كبيرا بالشأن العام بما فيه الرياضة حيث كان رئيسا لنادي لكسر الذي حقق نجاحات كبيرة. وقد كانت حياته المهنية منظومة من قيم الرجل الإنسان، الطبيب، المؤمن الذي وهب نفسه ووقته وماله في خدمة الناس فكانت حقا حياة مبهرة استوقفت كثيرين ، إذ ظلت حافلة بالرفق بالمرضى والعناية بهم والتكفل بعلاج الفقراء والمعوزين وقد فعل ذلك أينما قادته مهنته في جميع أنحاء الوطن .وكانت أفواج المحتاجين لمساعدته في تنفيس كرب أو تفريج هم أو قضاء حاجة تتحلق حول الرجل سواء في منزله أو حول مكتبه أم مارا عبر الشارع ؛ هذه عجوز معدمة تريد تشغيل وحيدها وذي سيدة أعياها مرض فلذة كبدها؛ وهذه أرملة تريد رمقا لأطفالها وهذا رجل مسكين نزل به بلاء أو حلت به ضائقة.

مشاكل متباينة ونوائب دهر متنوعة لكن الوجهة وحيدة هي رجل يدعى ميشل . إنك وأنت تسأل - قاصياً أو دانياً، صغيراً أو كبيراً، قريباً أو غريباً، صديقاً أو عدواً، فمشل لدى كل هؤلاء منظومة خير و قيم جليلة لا تنضب، وكان على تواضعه ووداعته صلبا شديدا المراس في الحق . لا يخاف فيه لومة لائم.

انتخب المغفور له أول عمدة لبلدية كيفه سنة 1986 لمدة أربع سنوات حيث أدى مهمته بكفاءة عالية ونزاهة واستطاع إبرام العديد من الاتفاقيات لصالح بلديته ونجح في إطلاق منجزات كانت هي أساس انطلاق هذا المرفق الحديث.

وفي سنة 1993 وبعد استفادته من حق التقاعد قام ميشل بفتح عيادة خاصة طالما كان يحلم بها ليختط فيها نمطا استثنائيا من التسيير والتعامل فجعلها مؤسسة اجتماعية خيرية واستغلها في تحقيق أهدافه النبيلة في التسامح والرفق بالضعيف وبالمريض والتكفل بعلاجات الفقراء والمحتاجين بل مثلت مصدرا للإنفاق علي هؤلاء.

وخلال استماع الوكالة إلي أصدقاء الرجل وإلي الذين عرفوه عن قرب انهالت الشهادات من كيفه ومن خارجها وتزاحمت بشكل دفعنا للاكتفاء بالقليل منها فالمعلومات حول الرجل هي كمن يغرف من بحر.

يقول عنه الفقيه والإمام محمد محمود ولد الصيام:

نعرف فيه حسن الخلق و"إن أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق".كان رحمه الله رجلا نادرا متصفا بالأدب المطلق وحسن السجية وكان كريما يعطي وينفق كل ما بيده سواء كان مالا أو دواء أو أي شيء أخر.

أما صديق طفولته إلي حين وفاته صغير ولد السالك فقد قال : إنما بالرجل من خصال حميدة لا يمكن إحصاؤه لقد بدأت صداقتنا ونحن في العشرية الأولي من عمرنا ، حيث كنا ندرس في المدرسة رقم 1 في الأربعينات و كانت طباعه في الطفولة والمراهقة هي نفسها حين رحل.

لقد كان سخيا إلي أبعد الحدود وكان شديد التواضع للصغار والمساكين ينفق عليهم ويؤازرهم ويعالجهم، أتذكر على سبيل المثال لا الحصر أنا كنا في رحلة صيد شمال أم الخز وصادف أن قدمنا علي أسرة فوجد أمها مصابة بمرض خطير يشبه الجذام فطلب ميشل من زوجها أن يأذن لها بالذهاب معه وحملها في سيارته إلي انواكشوط وهناك اشرف علي علاجها حتى شفيت ثم أعادها إلي ذويها في البادية . وفعل نفس الشيء لعدد كثير من الاشخاص حتى بلغ ذلك أن أرسلهم إلي الخارج على نفقته وكان الرجل محافظا علي أداء واجباته الدينية حيث حج في وقت مبكر من عمره وكان محبا للصالحين وأهل العلم ولحيطته لذلك الجانب في حياته أوكل للفقيه محمدي ولد لقلال صرف زكاة مواشيه.

وفي مجال سماحته وحسن طويته ركب معنا شخصان من قرية "تاهميره" في قمة الحملة الانتخابية التي كان يترشح فيها ميشل لبلدية كيفه وأثناء تبادل الحديث قام الشخصان بتوجيه الشتائم لميشل وهما لا يعرفانه وعند نزولهما في كيفه قدم لهما مبلغا ماليا ولما تعرفا عليه ساعة بعد ذلك عادا إليه يقدمان الاعتذار والامتنان ثم دعموه بما لديهم من أصوات.

وقد كان ميشل يفعل المعروف والإحسان فلا يفرق بين الناس مع كونه يولي عناية كبيرة لقرابته ورحمه ومن تفانيه في أعمال الخير يقوم بسقاية عطاش المواشي إذا مر بها وكانت داره بمثابة مطعم ضخم يستضيف أفواج الناس دون أن يسأل المرحوم عن هوياتهم أو من أين أتوا وكان يأكل مع ضيوفه بكل سرور، و طيلة أكثر من خمسين سنة من صحبته لم أراه غاضبا غير يوم واحد بعيادته بكيفه حيث أخبرته كريمته اممي التي كانت تتولي المحاسبة أن الخدمات المجانية تضاعف بكثير التكاليف المادية للعيادة وأن لا فائدة إذا ظلت تسير بهذه الطريقة، فاستشاط غضبا وأبدلها يومئذ بمحمد ولد صغيرو وقام بإرسال رسالة إلي عينين ولد أييه الذي اكتتب اممي في شركة الكهرباء ثم خاطبها أنفقي راتبك في ما تشائين أما عيادة ميشل فستسير في ذات الاتجاه مهما كلفني ذلك.

ويضيف صغيرو بأن كافة المناطق الموريتانية التي عمل بها ميشل ملك قلوب أهلها ويتقلب وجه صغيرو وتنهال عليه الذكريات التي لا نستطيع التطرق إليها جميعا وينتقل إلى يوم توفي ميشل حيث قال كانت جنازته هي الأكبر في تاريخ المنطقة ويستغرب كيف بقيت سيارات النقل في المدينة فلم تخرج في أي اتجاه ثم احتشد الآلاف عند مقبرة القديمة لإلقاء النظرة الأخيرة على المرحوم يقودهم الأمام محمد عبد الله ولد أب الذي قدم شهادته في المرحوم قبل أن يصلي عليه ، مبرزا من بين ما ذكر أنه كان يتلقي منه كسوة العيد كل عام ويتحمل شحن الحوض المائي لمنزله كلما نفد ماؤه.

إن رحيله يقول صغيرو كان خسارة كبيرة لكافة الموريتانيين لاسيما بالنسبة للأرامل واليتامي والمحتاجين.

ثم استمعت وكالة كيفه للأنباء للسيد محفوظ ولد تبل الذي كان مشرفا علي ماشية المرحوم ميشل وقد خاطبنا بالقول: يمكنكم ان تتخيلوا ما شئتم عن هذا الرجل ولن تستطيعوا كتابة شمائله وتنوع فضائله لقد عرفته علي مدى ثلاثين سنة لا يخلف وعدا إذا أعطاه ولا يكذب إذا تحدث ولا يقول قبيحا في الناس ، وكان كريما منفقا إلي حد لا يوصف.

  • كان يعطي المال نقدا يعطيه بقرا ونوقا وطعاما وكساء وكان محبا للمساكين لا يشرب قبل الاطفال حتى يسقيهم وكخلاصة لا أملك ذاكرة ولا فصاحة حتى أحيط بمناقب الرجل أرجوله الرحمة والغفران.

و يقول لقظف ولد محمد العبد كان ميشل رجلا مؤمنا ذو اخلاق رفيعة وبارا إلي أبعد الحدود ومن قوة ايمانه أنه اقتطع قبره إلي جانب والدته وأوصي القائمين علي المدفن بمكانه حتى ووري فيه وكان يسوي بين العدو والصديق يقابل السيئة بالحسنة والكلمة القبيحة بالطيبة وقد وفقه الله فلا يضع يده على مريض إلا شفي و كانت صدقة السر خلقه فيعطي بيمينه دون ان تعلم شماله ثم اجهش ولد محمد العبد بالبكاء وختم بالقول بعد رحيل ميشل و محمد محمود ولد محمد الراظي عز الرجال في هذه الدنيا.

زينب منت عالي أرملة في حي أدباي الطلحايه: كان ميشل يعالج ابنائي اليتامى مجانا وكان يساعدنا بالمال والطعام ومنذ وفاته تيتم ابنائي مرة ثانية.

المصطفي ولد الحضرامي إمام مسجد وصديق للمرحوم يقول :كان رحيما حنونا عطوفا بالناس ولا يغادر المضطر حتى يفرج كربته وفي هذا المقام كنت ذات يوم في سفر إلي تكانت رفقة الامام محمد محمود ولد الصيام وسيد محمد ولد سيد عثمان وآخرين وقد تعطلت سيارتنا في موضع يقال له (المكسم) علي بعد 80 كلم من مدينة تجكجة وتقطعت بنا السبل فإذا بميشل فأصلح سيارتنا ورافقنا حتى أوصلنا مدينة تجكجة. اشهد له بالخير فقد كانت مكارمه وفضائله كثيرة وقد جئته في مصحته فعالجني من إصابة في قدمي دون أن يأخذ أي مقابل.أرجو له الرحمة والغفران وجنة الرضوان.

بدوره قال أحمدو أنجاي القائم على المقبرة المركزية في كيفه أنه لا يعرف من أين يبدأ وهو بصدد الحديث عن حياة ميشل لغزارتها وعظمتها وذكر أنه كان يأخذ إليه مرضى الفقراء الذين يأتون من جميع انحاء موريتانيا فيقوم ميشل بتقديم كافة الفحوصات والأدوية لهؤلاء ثم يعطيهم النقود لشراء الغذاء اللازم للعلاج ، وقد أصبحت أستحي – يقول أحمدو – من القدوم على الرجل لكن حاجة الناس إليه وغبطته هو بما يجري شجعني على المواصلة.

وكانت كلمة ميشل معروفة : للرجل يقول "بوي" وللمرأة أمي.

وقد كان مشيل هو أول من يضع سياجا على المقبرة ويوصلها بالكهرباء أما أعمال البر والإحسان التي يقوم بها سرا وعلانية فالله وحده أعلم بحدودها.

ويصف أحمدو ولد اشريف المرحوم بالظاهرة التي تستحق الدراسة ويقف عندها المرء بكل انبهار ودهشة ويضيف أحمدو بأن من يحاول تعداد خصال الرجل كأنما يريد الانتقاص منه ويكفيه أن داره في انواكشوط كانت مشرعة الباب للجميع وحنفيته كانت تتدفق بالماء الزلال وكان مكرما للضيف محسنا على الجار يعطي مما يملك دون حدود وكان طلق الوجه رأفا، لينا ،مهذب الخطاب.

كريمته أممي عملت معه محاسبة في عيادته في كيفه وعند كل مرة يقومون بالتدقيق إذا بأكثر من ثلي المداخيل صرفت مجانا سواء كانت بشكل نقدي أو على مستوى الفحوص أو فيما يتعلق بالأدوية وعدما تظهر له تبرما مما يحدث يقول ميشل : يأتي الفقير إلى مصحتنا فيدخل ب 500 أوقية وبالتالي يجب علينا أن نتولى عنه تكاليف الفحوص والدواء فنحن لم نفتح هذه الدار لتحصيل المال وإنما لمساعدة الناس.

وتذكر ابنته فاطمة أنه ذات مساء في انواكشوط أخبرهم بضيوف سيأتون إلى الدار وأرسلها لشراء بعض الملابس النسائية ليظهر أن الأمر يتعلق بامرأة من سكان" دامقت ولد مربه" تصحب فتاتها التي أصبحت شبيهة بالجثة وفي الصباح ذهب ميشل وأجرى الفحوص للفتاة فكانت مصابة "بمرض القلب" ونصحها الأطباء بالخارج فقام ميشل بإرسالها إلى الخارج على نفقته وعادت بكامل الشفاء. وبعد ذلك بقرابة عشرين سنة تفاجأنا بالفتاة وقد صارت أم لأطفال وهي تقدم لنا نفسها عند تعزية والدنا.

تلقينا أيضا رسالة في هذا الملف من أحد أعيان مدينة المذرذرة التي عمل بها ميشل طبيبا في السبعينات وهو السيد أعل ولد عبد الله الذي عدد الكثير من الخصال الحميدة في الرجل حيث الصدق والصراحة وحب الضعاف وقال إنه بالرغم من تواضع المستلزمات في مستوصف المذرذرة كان الناس يستغربون نجاعة ما يقدم ميشل من علاجات حيث لا تكاد تعرض عليه حالة مرضية إلا شفيت ، وذكرياته باقية في أذهان سكان المذرذره الذين سموا ابناؤهم بتسميته وصار جزء من عمق مخيلتهم وأصبح عنوانا بارزا في أدب المنطقة وشدو الفنانة الكبيرة النعمة بنت اشويخ .

وأما محمد المصطفي ولد الشيخ محمود النائب الثاني لعمدة بلدية كيفه ما بين 1986-1990 فقد عدد بعض ما أنجزه ميشل لبلدية كيفه ولخص ذلك فيما يلي :

- بناء عدد من الشقق استخدمت دارا للضيافة تحولت إلى فندق البلدية اليوم.

-مراسلات كثيرة مع بلديات أخرى من أجل الشراكة والتوأمة تمخضت عن حصول بلديتنا علي توأمة مع كل من بلدية مكناس بالمغرب وبلدية فيترول بفرنسا وتوقيع مذكرة تفاهم مع بلدية شانغ هاي في الصين لتطوير المنتجات الحيوانية وعلي أساسها بنيت المجزرة الحالية في حي المطار.

- عمل مخطط تنموي وعمراني لبلدية كيفه وترميم مقر البلدية

- ترحيل محطة نقل الركاب إلي مكانها الحالي قرب المقبرة وترحيل سوق الحيوان من جانب المدرسة رقم واحد إلي مكانه الحالي قرب المقبرة.

-التكفل بعمال محالين من طرف الولاية والمقاطعة

- التسييج الكامل لمقبرتي القديمة وسكطار

- إبرام اتفاق مع خصوصيين علي استجلاب محطة لتبريد الأسماك مقرها في القديمة ومازالت بنايتها موجودة حتى الآن .

- المشاركة في ضبط الحالة المدنية والإحصاء بشكل فعال.

وكشهادة علي المرحوم ميشل الذي عملت معه اعرف أنه كان مدرسة في الأخلاق وأثناء مأموريتي معه لم أر مثله في حسن التعامل والصداقة وفي محبة عمل الخير .

بدوره قال الوجيه احمدو ولد حمد أنه يستعصى علي المرء أن يتخير بين مآثر ميشل فقد كان رجلا نافعا محسنا وذو أخلاق رفيعة وأجزم أنه لا يوجد في موريتانيا أو خارجها عدو لهذا الرجل ،لقد ملك قلوب الناس وكان في الحقيقة إنسانا مدهشا إلي أقصي الحدود ارجو له الرحمة ودخول الجنة .

وكالة كيفه أيضا تلقت كتابة من الدكتور محمد ولد أنن نائب سابق وأمين عام سابق لوزارة الصحة ومديرا المستشفى الوطنى من سنة 1979 الى نهاية 1982.

"لقد سمعت عن المرحوم و انا تلميذ في المذرذرة 1967 وأعجبت بشهرته و حب الناس له و كان لى الحظ ان يعمل معى مسيرا للمستشفى الوطنى بانواكشوط .

لقد كان الرجل متواضعا ذو أخلاق عالية وله قدرة فائقة في تحمل مشاكل المواطنين و خاصة الضعفاء في فترة كان المستشفي الوطني بنواكشوط هو المؤسسة الوحيدة التي تقدم بعض الخدمات الأساسية ( العمليات، الفحوص، إلخ ) مما جعل مكتبه محل اكتظاظ.

لعب المرحوم دورا أساسيا في حل مشاكل المستشفي آنذاك بفضل علاقته الحسنة في داخل و خارج الوطن. لقد كان المرحوم بارا لوالدته حيث كان يشرف علي علاجها في تلك الفترة.

أما الممرض الدولي محمد ولد محمود الذي بدأ الخدمة منذ الخمسينات، فيقول في صديقه ميشل " عملت مع المرحوم في الفترة ما بين 72-73 في كيفه وأشهد أنه يتمتع بكفاءة عالية و إتفان في العمل مع حسن الخلق والرفق بالضعفاء دون تمييز بين شرائح المجتمع. وقد اكتسب المرحوم شهرة واسعة علي المستوي الوطني نتيجة ما تحلى به من مزايا فاضلة .

ويقول العمدة الحالي لبلدية أحسي الطين عبدي ولد اسماعيل: كنت رئيسا للجنة الثقافية في بلدية ميشل ورافقته إلى مدينة مكناس المغربية لتوقيع اتفاقية التوأمة وطيلة سنوات عملنا معا لم أسجل عليه إلا خيرا وكان هادئا مبتسما معطاء مواسيا للضعفاء.

رئيسة ديوان البلدية أثناء مأمورية ميشل السيدة زينب بنت سيديني قالت إن الحديث عن الجوانب الشخصية والخاصة لميشل ذو فصول واسعة ومتنوعة فقد كان على درجة عالية من التواضع والرأفة بالضعفاء والمرضى والمحتاجين وكان حنونا فطنا سريع البديهة وكان أكبر انتقاد تعرض له وهو يقود بلدية كيفه هو كونه سوى بين مناصريه ومن عارضوه بشكل غير مألوف وأنه نجح في وضع الأسس القوية لانطلاقة بلدية للجميع رغم الظرف الخاص الذي اعترضه باندلاع أحداث 1989، حيث بدأ فورا في ترميم المبنى المتهالك و استجلب التجهيزات اللازمة للبلدية التي لم تستلم أكثر من طاولتين رديئتين من الإدارة يومئذ فتحولت إلى مرفق محترم ومقنع ثم استطاع البدء في توءمة كيفه بمدينة مكناس المغربية وفترول الفرنسية الشيء الذي مكنها من الحصول على الكثير من المعدات المتعلقة بالنظافة و كذلك السيارات كما دشن عملية اتصالات واسعة بمدن العالم وقام بجولة خارجية للبحث عن الدعم وابرم علاقات قوية مع شركاء خليجيين، كانت ستغير من وضع المدينة لو وجد متسع من الوقت وتضيف بنت سيديني أن الرجل كان رجل تنمية بامتياز وكان يعتزم عمل المستحيل وذكرت أنه كلفها بتكوين تنظيمات نسوية كانت هي بداية شرارة يقظة المرأة في كيفه ودخولها المعترك التنموي إلى جانب الرجال.

وتستطرد زينب في ختام حديثها قائلة : على مدى ثلاث سنوات في ديوان العمدة ميشل كان الناس يتواردون فرادى وجماعات يطرحون مطالب متنوعة وكنت استغرب أن كل خارج من مكتب ميشل يمر بي وقد امتلأ سرورا وارتياحا من اللقاء ولست أدري هل وجد حاجته أم لا.

وبينما كان ميشل يوزع ابتساماته العريضة وتهاليل وجه الطلق على كل زواره من المرضى وأصحاب الحاجات ويطلق موجات الإحسان هنا وهناك ويقدم الدروس الرائعة في مجال الحب والإنفاق والتواضع ونكران الذات كان علي موعد مع موت مفاجئ إثر وعكة صحية سريعة ألمت به في مساء استثنائي من يوم 4 مايو 1996، مساء عبوس وليلة طويلة وحزينة.

أسلم الراحل الروح لخالقها . هناك تدفق الآلاف إلى مستشفى كيفه في لحظة أراد فيها الأسى أن يبلغ مداه وتمكن فيها الحزن من أن يطبق على كافة أرجاء المدينة وانهمرت الدموع لفراق حبيب أحب الجميع وسالت في كل جهات موريتانيا في جو استسلم إجمالا للأسى فلا يمكنك لحظتها أن تفرق بين أبناء الرجل وقرابته وبين جيرانه وكافة الناس .

غصت شوارع المستشفى وتوقفت حركة المرور وسارت الجموع المتدافعة صوب المقبرة وهناك كانت أكبر جنازة في تاريخ المنطقة ودفنت الجثة العزيزة إلى جانب الأم في تربة حجزها الرجل منذ عقود لتكون مثواه الأخير في مشهد أبان عن هزلية الدنيا وعبثية الوجود.

مات ميشل مخلفا ثروة هائلة من المآثر لا تنفد و تاريخا وسيرة عز نظيرهما.غادر تاركا جميع الموريتانيين يحبونه ويترحمون عليه ويدعون له. مات وقد غرس من الخير ما تمتد جذوره إلى نهاية الوجود.

فنم أيها الرجل الاستثناء فوق العادة والقاعدة المسكون بحب المساكين في قبرك فهو إنشاء الله روضة من رياض الجنة، نم مطمئنا أيها المؤمن الطبيب القائد الإنسان الملتزم المسؤول.

عشت لغيرك فكانت حياتك طويلة تمتد حتى بعد مفارقتك لوجه الأرض. طيب الله ثراك وأدخلك فسيح جناته.

إنا لله وإنا إليه راجعون

إعداد وكالة كيفه للأنباء


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2023-05-05 08:15:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article10165.html