استخدم الجنرال عزيز فكرة "المنتديات" في أوقات الحرج السياسي من أجل اقتطاف ثمرات شعبية. فعلها في منتديات نفمبر 2009 أوقات انقلابه التي أخذ فيها قطيعاً من "موريتانيا الأعماق والمجتمع السياسي النواكشوطي"؛ وبعد انتخابه تبيّن أن الجنرال يحتاج للذهاب بشرائح شعبية بعقد سياسي

فنظّم منتدى يناير 2010 الذي كان عقداً سياسياً بينه وبين أغلبيته الحالية، بما فيها مترشحون متذمرون لانتخابات 2009 (كان هاميدو وحمادة ولد اميمو، وقطعة من "الحقوقيين" مثلاً). أخذ الجنرال عزيز لاحقاً قوى سياسية مختلفة بتكتيكات مختلفة: حوار ديسمبر 2011، المعروف بـ"المعاهدة"؛ اتفاقيات الـper diem المختلفة مع النقابات؛ لقاءات "الشعب" وغيرها؛ ولم يعد الجنرال لفكرة المنتديات إلا في الأشهر الأخيرة لحكمه في مارس 2014.

2-لم يحترم الجنرال عزيز أي توصيات في منتدياته المتعددة. في 2009 لم يحترم فكرة تقليص صلاحيات الرئيس وزيادة صلاحيات البرلمان؛ في 2010 لم يحترم الفكرة التي خرج بها المنتدى وهي للتذكير: تغيير علم ونشيد البلاد و"تأميم اللغة الفرنسية".

3-ما يهم في منتديات عزيز ليس توصياتها؛ بل اشتغالها السياسي. ويجب الاعتراف أن فكرة التشاور صعبة، وهذا معروف لنا منذ المنتديات التشاورية في 2006. وهي صعبة خصوصاً من ناحية صياغتها في وثيقة، وما هو أصعب هو متابعة التوصيات (فمثلاً ما هو الجهاز الإداري الذي سيُتابعها؛ وهل تُقام لها لجنات عابرة للوزارات؟ وهل فيها ما هو جديد ومعدوم من التوصيات الدولية أو المحلية التي تزخر بها "الإطارات الاستيراتيجية" لمحاربة الفقر؟). وحتى هيئات محترمة كنقابة الصحفيين (أكثر احتراماً قطعاً من رئاسة الجمهورية) تُعاني من المشاكل الفنية بخصوص تنفيذ وصايا المنتديات التشاورية؛ ولم تفعل شيئاً معتبراً بخصوص توصياتها التي خرجت في ورشات تشاورية في فبراير 2010.

4-غرَرَ الجنرال عزيز بالشباب، فبدون علم الكثيرين منهم حوّل لقاءه معهم إلى "لقاء الشعب"، وبدا أنه يتلقّى أسئلة، ولا يخوض حواراً، بخصوص مأموريته. وكان، في المجمل، في مؤتمر صحفي كبير (من النوع القذافي). إن الفكرة الدفاعية، بدل الفكرة التشاورية، خرقٌ لفكرة الحوار. لقد اعتقد الشباب أنهم في مؤتمر وطني؛ أما الجنرال فتأكد أنه في مؤتمر صحفي. 5-يكمن "الإعجاز العلمي" لشيخنا أبي الطيب المتنبي أن مدائحة لكافور هي وجه آخر لهجائياته له. وكان المتنبي شاباً في 2014. ومنذ 2014 سقطت مقولة أن "الفم الذي يمدح لا يعيب". وشوهِد العائب مادحاً.

6-ألقى شباب 2014 بشباكه أمام ولد عبد العزيز لصيده، غير منتبه إلى أنه سقط في فخ ولد عبد العزيز. جاؤوا لصيده. صادهم.

7-الجنرال يحتاج للشباب أكثر من حاجة الشباب له. 1-الشباب هو آخر بوتقة مناضلة بعد هدنة المعارضة وإسكات القوة النقابية؛ 2-بعد سقوط خطاب رئيس الفقراء فإن يافطة "تمكين الشباب" تبدو لامعة انتخابياً إنه يريد شرائهم وتجنيدهم. هل سينتهي حوار 2014 إلى عقد انتخابي؟ كم من مبادرة انتخابية وكم من خيمة ستُشيّد؟

8-عبّر شباب 2014 عن روح غير ديمقراطية عدة مرات: 1-قَبِل بحوار سياسي مع "رئيس" منتهية ولايته، ونسّق معه تغيير مستقبل ليس بيده نظرياً. 2-طالب البعض بقرارات تسلطية لا غبار عليها (قمع ديني وقمع حريات ومركزية وسُلطوية)؛ 3-عبّر البعض عن خبرات ديماغوجية محترمة.

9-قبل يوم اشتكى كل من السوسيولوجي سعد بوه كمرا والصحفي كيسيما دياغانا من تردي اللغة الفرنسية بموريتانيا. تقابلُ الفراكوفونيين والعروبيين في "لقاء عزيز-الشباب" أظهر أن اللغة العربية أكثر تردياً في موريتانيا من اللغة الفرنسية. وكان على الشباب أن يخرج بمطالبة بـ"ثورة ثقافية". كان ماو سيعيدهم إلى المدارس.

10-من المهم قراءة استسلام شباب 2014 في سياق انضمام الميثاقيين للنظام في 1974؛ ولكن يجب الحذر من "أوهام القوة والنصر" في القضيتين. تمتّع ميثاقيو السبعينيات بحضور معتبر في نظام ولد داداه،وقادوا أحياناً مهمات تفاوضية وتحقيقية في حرب الصحراء؛ وصاروا عمود النظام ولاحقيه؛ أما شباب 2014 فحسبه أن ينجو من اللوم.

وحتى داخل صفوف شباب 2014 فإنه يجب التمييز بين الحالمين المخلصين، المعروفين بتفكيرهم المخلص وبين العموم الذي اقتطف البحترى حاله ذات مرة: لحى الله صعلـــــــوكا مُنَاهُ وهَـمُّه مِنَ الدّهر أن يلقى لَبوساً ومطْعماَ

نقلا عن صفحة أبو العباس أبرهام على الفيسبوك