الصفحة الأساسية > الأخبار > الفرار من جحيم البطالة../ الأستاذ. شيخنا محمد سلطان

الفرار من جحيم البطالة../ الأستاذ. شيخنا محمد سلطان

الأربعاء 14 حزيران (يونيو) 2023  06:11

الأستاذ. شيخنا محمد سلطان

لم يُعرف عن بلاد شنقيط يوما أنها بلاد طاردة، بل ظلت على طول تاريخها نقطة جذب ومحط رحال لقبائل من الجزيرة العربية، كما هو حال قبائل صنهاجة أو بني حسان وغيرهم من أسلاف عرب موريتانيا اليوم، أو هجرات الصنوكى من منطقة أسوان؛ ليستقروا بشنقيط، ومنها نزحوا إلى الجنوب، أو هجرات إفلان من القرن الافريقي حسب بعض المصادر.

استطاعت بلاد شنقيط -وعلى الرغم من أنها لم تعش سلطة مركزية على امتداد رقعتها، وتاريخها الممتد قرونا- جذب الكل و مدّه بالحضن الدافئ. خرج منها المرابطون عندما استنجد بهم ملوك الأندلس، فأنقذوها من سقوط وشيك في براثين الروم، وعادوا أدراجهم بعد تأديب مَن تطاول على المسلمين. خرج منها مئات الحجيج أداء للمناسك، فعادوا إليها على الرغم مما لقوه من تكريم وترحيب سواء في مكة والمدينة أو في رحاب الأزهر.

بعد الاستقلال ووجود سلطة مركزية تبدلت الأرض غير الأرض، وكذا الأمراء .. أستغرب الشنقيطي في وطنه .. فُرِضت عليه ثقافة ولغة غير تلك التي حصد بها مجدا لايزال هو الرصيد الأوحد لموريتانيا في البناء الحضاري البشري. استُجلِب موظفون من بلاد جنوب الصحراء .. خُلِق واقعٌ أصبح يشكَّك من خلاله في هوية البلد. تعاقب على السلطة حكام رأوا مجد الأمة في ثرائهم، وسعادتها في استمرارهم على العرش الذي بُنِي على الظلم والتهميش والإقصاء. تبدلت القيم .. أصبح التسبيح بحمد الحاكم جواز الحصول على الحقوق الأساسية من صحة وتعليم وأمن وتوظيف وتشغيل ... اختفت سلطة الأمراء؛ ليقوى نفوذ زعماء القبائل .. ثار العبيد وأبناؤهم وحُقت لهم الثورة على ما لم يُؤسس لا على شرع ديني ولا منطق إنساني؛ فما تبدل واقعهم، وبقوا سكان بؤر الفقر، وأتباعا لتجار المظالم الإنسانية من مدعيي الدفاع عن الحقوق.

هُجرت المحاظر، وأمم الأطفال شطر المدارس، فوجدوا أنفسهم في قاعات بنيت في عصر الفراعنة، لا تشهد ترميما، ولم تألف يوما الصيانة .. نهلوا من تاريخ العلوم، ولم يطلعوا حتى الآن على علوم العصر؛ لا مخابر علمية ولا بحوث في علم الفيزياء ولا الأحياء.

ظل التجار يوردون بضاعة أجدادهم إلا ماندر (سكر .. قمح .. ثياب). أما الصناعة فقد ضاعت ثروتنا البشرية من الصناع التقليديين الذين برع آباؤهم في توفير الاكتفاء الذاتي للأمة؛ فضرب عليهم المستعمر حصارا، وغزى السوق بمنتجاته، وحافظ خلفاؤه من حكامنا على إحكام الحصار؛ لتختفي مهنة الصناع، ونبقى عالة على الغير.

أكثر من ستين سنة كانت كافية ليتصحر كل شيء في هذه الربوع؛ الأرض والفكر والأمن والأخلاق والقيم ... ضاقت الأرض بما رحبت، وانسد الأفق؛ فأصبحت الهجرة إلى أرض لا يظلم فيها أحد .. أرض تنبت الأفكار فيها مشاريع ذات فائدة .. إنها أرض لا يخاف فيها المرء من أذن سلطان. هكذا دُفِع شبابنا إلى الهجرة إلى أمريكا؛ فخسرنا الطاقات الحيوية، ولم يعد لدينا أمل في تجدد الكفاءات. وفي المقابل نستقبل يوميا مئات المهاجرين من الجياع والفارين من الحروب الأهلية من بلدان جنوب الصحراء وأدغال افريقيا، وسنجد أنفسنا غدا غرباء في وطننا، وربما تجمُّعا من الشيوخ والعجائز الذين لا يعلمون من بعد علم شيئا.

مَن سعى لتخريب بيته اليوم فلا يبكيَنَّ على حطامه غدا.

الأستاذ. شيخنا محمد سلطان

1 مشاركة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016