الصفحة الأساسية > الأخبار > الصين واقتصاد الحمير في إفريقيا

الصين واقتصاد الحمير في إفريقيا

الأحد 17 نيسان (أبريل) 2022  00:01

لا ينتبه كثير من دارسي التنمية في إفريقيا إلى ما يمكن تسميته "اقتصاد الغلابة" أو البسطاء الذين يقطنون في المناطق الريفية والنائية بعيدًا عن بريق التحضر والعمران. ومن أبرز الموضوعات المنسية في فقه التنمية باللغة العربية ما درج كُتّاب الأنثروبولوجيا والاجتماع على تسميته بـ"اقتصاد الحمير".

ولا يخفى أن مساهمة الحمير الاقتصادية والاجتماعية يتم تقويمها -في العادة- بأقل من قيمتها الحقيقية في مصادر دخل بلدان إفريقية كبيرة مثل إثيوبيا.

في جميع أنحاء إفريقيا، تدعم الحمير سُبُل العيش، وتُدِرّ الدخل للأسر الأكثر تهميشًا، لكنَّ مساهمتها الاجتماعية والاقتصادية يتم تجاهلها -كما ذكرنا- في سياسة التنمية. وتُسلّط الأبحاث التي أُجريت في إثيوبيا ودول شرق إفريقيا الضوء على الحاجة الملحَّة لإدراج الحمير في أُطُر الثروة الحيوانية والأمن الغذائي، خاصةً أنَّ أعدادها مهدَّدة بشكل متزايد مِن قِبَل تجارة الجلد العالمية.

تنبئنا ذاكرة مصر الحديثة عن قيام الراحل زكي طليمات رائد المسرح المصري بتأسيس "جمعية الحمير المصرية" عام 1930م؛ ربما احتجاجًا على رفض السلطات زمن الاحتلال البريطاني تمصير المسرح. ومع ذلك فقد كان لهذه الجمعية -التي انضم إليها كبار الأدباء مثل طه حسين والفنانين مثل السيدة نادية لطفي- هدف نبيل يؤكد على أهمية الحمار وقوة تحمُّله وصبره على الشدائد.

إن لكل حيوان قيمة اقتصادية واجتماعية مقدَّرة؛ فالثروة الحيوانية تشكّل في الكثير من المناطق والأقاليم محور الاقتصاد مثل المساعدة في إنتاج المواد الغذائية والترفيه، والنقل والمواصلات.

يقول الله تعالى في محكم التنزيل: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [سورة النحل: 8]. وعليه فإن القيمة العالية للحمير وتعدُّد استخداماتها تثير الدهشة في مساهمتها في التنمية البشرية. في العديد من مناطق إفريقيا، تدعم الحمير جهود النمو الاقتصادي المستدام، فضلاً عن كونها جزءًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع البشري.

إثيوبيا دراسة حالة:

تعد إثيوبيا ثاني أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، ولديها أسرع نموّ اقتصاديّ في المنطقة ربما قبل جائحة كوفيد-19 وحرب التيغراي. ومع ذلك، فهي أيضًا واحدة من أفقر البلدان؛ حيث يبلغ دخل الفرد 783 دولارًا (البنك الدولي 2019م).

تُستخدم الحمير على نطاق واسع في جميع أنحاء إثيوبيا، وتلعب أدوارًا أساسية في مجموعة متنوعة من المهام اليومية والمُدِرَّة للدخل للأشخاص الذين يستخدمونها.

ففي المناطق الريفية في إثيوبيا، تنقل الحمير المياه والحبوب وحطب الوقود والمنتجات الزراعية. وفي المناطق الحضرية، تنقل البضائع والأشخاص.

وتمتلك إثيوبيا ما يقرب من 8.8 مليون حمار، وهو أكبر عدد من هذا الحيوان في إفريقيا. غالبًا ما تظهر الحمير في إثيوبيا على جوانب الطرق، وهي تجرّ العربات من المناطق الريفية إلى مراكز الأسواق المزدحمة وسط المدن، أو تحمل حزمًا من الحطب على ظهورها إلى المنازل.

والأقل وضوحًا هو المساهمة الحاسمة التي تقدمها في تطوير ودعم سبل عيش الناس في المناطق الريفية وشبه الحضرية والمناطق الحضرية في جميع أنحاء إثيوبيا. هنا، توفر الحمير النقل والأمن الغذائي، وتوليد الدخل لبعض الأسر الأكثر فقرًا وتهميشًا.

ومع ذلك؛ فإن مساهمات الحمير في سبل عيش الإنسان لا تزال غير مستكشَفة إلى حدّ كبير في الدراسات، ربما خجلاً من ذِكْر هذا الحيوان الذي جاء ذِكْره بالاسم وليس الإشارة في القرآن الكريم. إن المخاطر التي تهدّد النمو الطبيعي لهذا الحيوان المثابر، جنبًا إلى جنب مع مساهمته الاجتماعية والاقتصادية، تتطلب بذل مزيد من الجهد والدراسة لحساب وتمثيل هذه الحيوانات وأصحابها في خطاب التنمية العملي.

أهمية الحمير في أدبيات التنمية الإفريقية:

تشير دراسة حديثة أُجريت في بعض المواقع وسط إثيوبيا إلى أهمية الدور الذي تقوم به الحمير في تشكيل سُبُل عيش الإنسان. حيث تم الكشف عن دور هذا الحيوان كمصدر مهم لدعم الأُسَر الإثيوبية، وخلق الأمن الاقتصادي، والوضع الاجتماعي، وتمكين الفئات المهمَّشة مثل النساء والفقراء للغاية، وتوفير شعور الرفقة لأصحابها.

وقد كشفت نتائج تلك الدراسة عن عدد من العوامل؛ لعل من أبرزها ما يلي:

1-الحمير مصدر للدخل

لا تُعد الحمير العاملة فقط بمثابة مساهمات وأصول اقتصادية مهمة، ولكنها تعمل على تمكين أصحابها؛ من خلال الاستقلال وتحسين الوضع الاجتماعي والتوظيف والحالة الصحية. قال أحد أصحاب الحمير وهو يتحدث عن أهمية حماره في حياته: "أريد أن أخبر الكافة حول فوائد امتلاك الحمير وأنصحهم بشرائها. الأشخاص الذين لا يملكون حميرًا هم من المحرومين، ويفتقدون الاحترام وعادة ما يُستهان بهم؛ إنهم يعيشون في ظروف سيئة. هم أفقر قطاع في المجتمع. أولئك الذين ليس لديهم حمير هم في فقر مدقع."

إن نظام إدير أو عقوب iqqub and iddir)) عبارة عن تأمين مجتمعي تقليدي أو أنظمة ائتمان؛ حيث يعتمد كل فرد على الأعضاء الآخرين للمشاركة من أجل الحفاظ على عمل النظام، ومساعدة أفراد المجتمع على بناء الأصول وتأمين أنفسهم ضد الصدمات غير المتوقعة لمجتمعهم. تعتبر الحمير ركيزة مهمة لهذه الأنظمة غير الرسمية؛ لأنها عامل التمكين الرئيسي للمالك لتوليد دخل كافٍ للمشاركة في خطط الادخار والائتمان المجتمعية.

2-الحمير توفر السعادة والراحة والأمان

يُعرب معظم أصحاب الحمير عن شعورهم بالراحة والأمان لمساعدة الحمير لهم في المهام اليومية، والقوة التي تُمكّن الحمير من العمل لساعات طويلة طوال المواسم المختلفة. كما يتم التعبير عن مشاعر السعادة في علاقة المُلّاك بحميرهم. أضف إلى ذلك فإن امتلاك الحمير يساعد على اكتساب الاستقلال والقدرة على خلق فرص العمل، أو بدء الأعمال التجارية الخاصة لنقل المواد إلى الأسواق أو في مناطق البناء.

تحدي التنين الصيني:

يبدو أن الصين لم تترك شاردة أو واردة في إفريقيا إلا وأدركتها. لقد ارتفع الطلب على جلد الحمير في السنوات الأخيرة، مدفوعًا باستخدامه في المنتجات الصحية الصينية التي تدّعي أنها تساعد في المشكلات الصحية مثل منع الشيخوخة أو زيادة الرغبة الجنسية.

ونظرًا لأن الصين نفسها ليس لديها ما يكفي من الحمير لتلبية الطلب المحلي، فقد تم إنشاء مسالخ كبيرة الحجم في كينيا وبعض البلدان الإفريقية التي تحولت إلى مركز لتصدير جلود الحمير.

ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص في شرق إفريقيا يعتمدون على الحمير لدعم سُبُل عيشهم، وفقًا لجمعية الحيوانات الخيرية بروك Brooke، التي وجدت أن كل حمار يُدِرّ 110 دولارات في المتوسط ​​شهريًّا للأسر التي تستخدمها. وتُقدر أنه تم ذبح أكثر من 300 ألف حمار في كينيا وحدها منذ عام 2016م، أو 15٪ من تعداد الحمير في البلاد. وقد بلغت كلفة ذلك حوالي 273 مليون دولار من الدخل المفقود والذي يمثل 15 ضعف إجمالي الإيرادات المتولدة من تصدير لحوم وجلد الحمير.

في الصين، هناك طلب متزايد على الحمير؛ حيث يُستخدم الجيلاتين الناتج عن غلي جلودها في صنع دواء تقليدي يسمى "إيجياو"، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد 783 دولارًا أمريكيًّا. ويحتاج الطلب على هذا الدواء ما يصل إلى 4.5 مليون من جلود الحمير سنويًّا.

ونظرًا لتناقص عدد الحمير في الصين بسرعة في السنوات الأخيرة بفعل تزايد الطلب؛ فقد اتجهوا إلى إفريقيا للحصول على احتياجاتهم. القضية الرئيسية هي أنه على عكس الأنواع الأخرى من الحيوانات، ليس من السهل تربية الحمير على نطاق واسع. إنه لم ينجح أيّ بلد في العالم في القيام بذلك؛ لأن لدى الحمير معدلات عالية من الإجهاض وانخفاض معدلات الحمل والولادة. ربما جرّبت الصين كل أنواع التكنولوجيا لمضاعفة أعداد الحمير ولكنها لم تنجح.

وختامًا، فإن المعلومات حول القيمة الاجتماعية والاقتصادية غير كافية أو غير متوفرة عن العديد من السكان الذين يستخدمون الحمير العاملة؛ مما يعني أن عملية صنع القرار مِن قِبَل المنظمات غير الحكومية والحكومات غالبًا ما تفتقر إلى قاعدة بيانات وأدلة قوية.

وينطبق هذا بشكل خاص على الحمير التي تعتبرها الحكومات والشركات الزراعية تفتقر إلى القيمة مقارنة بالماشية والأغنام. وبالتالي، غالبًا ما يتم تجاهل المساهمات الاقتصادية والمجتمعية للحمير للسكان، ممَّا يؤدي إلى تجاهلها في المبادرات التي وضعها صانعو السياسات الحكومية.

وفي حين يُزعم أن الحمير تُعتبر حيوانات مهمة للقطاع الزراعي؛ فإن إدراجها الحالي في أُطُر سياسات الثروة الحيوانية والأمن الغذائي محدود للغاية.

في الواقع، لا يتم تضمين الحمير في أي برامج أو سياسات لتنمية الثروة الحيوانية في إثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية؛ حيث تُترك الحمير وأصحابها من دون حماية أو مساعدة. ونتيجة لذلك، أصبحت سبل العيش مهدَّدة الآن بسبب الظهور السريع الأخير لتجارة جلود الحمير، لتلبية الطلب العالمي على المواد الخام المستخدَمة في صناعة الطب الصيني التقليدي. هناك حاجة ملحَّة لدراسات مستقبلية حول الآثار المترتبة على هذه التجارة العالمية وتأثيراتها على القيمة الاجتماعية والاقتصادية للحمير العاملة في مجتمعات الناس الفقيرة في إفريقيا.

rimafri

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016