الصفحة الأساسية > الأخبار > خطاب الرابع والعشرين مارس: ثورة أم استقالة؟

خطاب الرابع والعشرين مارس: ثورة أم استقالة؟

الثلاثاء 29 آذار (مارس) 2022  15:41

تمر الدول بلحظات فاصلة في تاريخها، ويتوقع المواطنون في مثل هذه الأوقات أن تقوم الدولة بحمايتهم ضد المخاطر، وكثير منهم لا يرغبون باستمرار الشعور بالقبضة القوية للدولة المسلطة عليهم بدون فائدة، في وقت لم تعد السياسة فن الممكن إلا من وجهة نظر الساسة العاجزين عن الانجاز، وتحقيق التطلعات، الراغبين في الحصول لأنفسهم على الأعذار في مواجهة النقد، بصفة أخص لم يعد ذلك يصلح لمن يتقدمون الصفوف الأمامية كقيادات تحكم وتقود، ويدين لها الجميع بالسمع والطاعة.

لقد دشن الرئيس منذ فترة عهدا جديدا من الخطابات "الثورية" غير التقليدية للرؤساء الموريتانيين، منذ تحدث في وادان عن ضرورة تطهير الموروث الثقافي من رواسب الظلم الشنيع والأحكام المسبقة والصور النمطية وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة والقانون والمواطنة. ومثل حديثه "الخاص" المسرب أمام ممثلي الجالية الموريتانية في إسبانيا، محطة جديدة في هذا المسار، فالبلد وفق هذه المصارحة من وجهة نظر الرئيس ليست أحواله على ما يرام، كما تتحدث بذلك كل المنابر الرسمية للدولة في الحزب والاذاعة والتلفزيون والوكالة.....، وحتى بعض المحسوبين على المعارضة، ما يحيل خطاب رموز الموالاة التقليدي القائم على التمجيد والتطبيل الى التقاعد.

وقد جاء خطاب الـ 24 مارس تأكيدا فعليا للمضي في هذا الاتجاه، وكشف بعض الاطلاع على تفاصيل ألاعيب الادارة البيروقراطية الجاثمة على صدر المواطن تسومه سوء العذاب كل يوم أينما حل وارتحل، حيث كل شيء يمكن أن تفتقده إلا وجود الأمثلة الصارخة في كل قطاع، وهو الخطاب الذي وجه بعض النقد لإدارات محددة والتماسا مثيرا للجدل لغير القادرين على مواكبة التوجه الجديد.

وقد استقبلت هذه التصريحات ببعض الحفاوة من الرأي العام، الذي تعود منذ مجيء الرئيس على غياب صوت المعارضة الناقد منذ فترة، ولكن المتحفزين باستمرار في صفوف الأغلبية لم يجدوا أي حرج في التعبير عن فرحتهم العارمة بالتوجهات الجديدة، وكأنها ثورة ملتهبة، تماما كما فرحوا سابقا بالتوجهات القديمة، وباستمرار النهج، والتغيير في ظل الاستقرار، في سيل جارف من المقالات والتصريحات السائلة.

لقد ألقى الرئيس عن كاهله عبئا ثقيلا تمثل في انتقاد جانب متواضع من الواقع المزري، بعد ما يقارب ثلاث سنوات من مأمورية بلا إنجازات كبرى حتى الآن، ومن ترك ضعفاء المواطنين تحت سطوة سوق لا يرحم، وإدارة فاسدة. فهل تكون جهات في الإدارة والسلطة قد أقنعت رئيس الجمهورية بعدم إمكانية الاصلاح، وهو الذي سبق وعبر عن قناعته بقدرته على معالجة كل الاختلالات، وعن مدى اطلاعه على التحديات في تصريحات مشهودة أثناء الحملة الانتخابية؟

يقول المنطق السليم بأن الرئيس هو صاحب المسئولية والقرار، ولديه كل الصلاحيات للعمل بجدية ومثابرة على تغيير هذا الواقع، وإزاحة من يقفون حجر عثر في وجه تنفيذ برنامجه الطموح، في حين نجد الرئيس يكتفي بما يشبه مناشدة "المتعففين من البيروقراطية" ـ إن وجدواـ بالقيام بواجباتهم أو بالاستقالة إن لمسوا في أنفسهم بعض العجز أو بعضا من عدم الرغبة في الاستمرار في شغل وظيفة معينة!

وكأن سيادة رئيس الرابع والعشرين ليس هو من عبر عن غضبه أكثر من مرة من أداء وزرائه وكبار معاونيه، من دون أن يعيروا امتعاضه أية أهمية؛ أو كأنه ليس هو من سجن نفسه منذ وصوله إلى السلطة في دائرة ضيقة من الخيارات فرضت عليه تضييع وقته الثمين في تدوير نفايات الأنظمة السابقة المشهود لها بالرداءة وعدم الكفاءة وبتبديد المال العالم!

يبدع جارنا الجنوبي يوما بعد يوم في تحقيق الانجازات الضخمة والمشاريع العملاقة، بينما نراوح نحن في مرحلة الاحتفاء بالخرجات الاعلامية والتعبير عن النوايا وبيع الأوهام، نراوح عند نفس النقطة التي تركنا عندها الرئيس معاوية ومن سبقوه، كما لو أننا لا نجيد غير تمجيد من يجلس على كرسي الرئاسة وتخديره بالمداهنة والتزلف وتضخيم التفاهات!

مهما يكن فإن أخطر ما يواجه القائد هو أن تختلط عليه الأوراق لدرجة لا يعود معها قادرا على تبين موقعه ضمن المشهد السلطوي، وخصوصا موقعه بالنسبة إلى مرؤوسيه حتى بالنسبة لأكثرهم سموا في الهرم السلطوي! فحين نكف عن فتح باب الأمل أمام الشعب لنفتحه على مصراعيه أمام جلاديه وناهبيه، نكون قد فرطنا في الأمانة وألقينا أسلحتنا أمام سطوة الطبقة الطفيلية التي تعيق نهوض الشعب وتمنعه من الاستفادة من خيرات بلاده. أليس القائد في نهاية المطاف هو تاجر أمل يعرف كيف يشحذ الهمم ويبقي على الروح المعنوية عالية ويستخدم الطاقات المتوفرة للوصول إلى بر الأمان؟ ثم اليس الوقت الذي نلهو به الآن قادر على أن يلهو بنا مستقبلا؟

www.majabat.com

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016