الصفحة الأساسية > الأخبار > سابقة زراعية..!/محمدو ولد البخاري عابدین

سابقة زراعية..!/محمدو ولد البخاري عابدین

الجمعة 17 تموز (يوليو) 2020  06:32

في بدایة ھذا الصیف تحدثت عن خطة وزارة التنمیة الریفیة لحملة صیفیة لزراعة الخضروات، وبینت المعوقات الذاتیة والمناخیة أمام نجاح تلك الحملة، غیر أن الوزارة صممت وذھبت قدما في تلك الخطة وقالت إنھا زرعت 2700 ھكتار من الخضروات لتغطیة حاجیات البلاد من ھذه المادة خلال الأشھر المقبلة، ونتمنى أن نكون مخطئین في ما ذكرناه من معوقات، وأن نرى أسواقنا خلال الشھرین المقبلین تكتظ بإنتاج ھذه الحملة، ونرى شاحنات جلب الخضروات من المغرب والسنغال تعود أدارجھا لأن لا مكان في أسواقنا لبضاعتھا من وفرة إنتاجنا، لكن إذا حان الحصاد ولم یحدث ذلك فتذكروا ما ذكرناه من مسببات فشل وما قدمناه من اقتراحات..

قبل لیال كان وزیر التنمیة الریفیة على قناة الموریتانیة یقدم حصیلة لقطاعھ، وقال فیما قالھ إن الإكتفاء الذاتي الكامل في مجال الأرز سیتحقق فعلیا ابتداء من الموسم الزراعي 2021 ـ 2022 ،وھي ـ لعمري ـ سابقة في التاریخ والمجال الزراعي، أن یحقق بلد اكتفاء ذاتیا زراعیا خلال سنة من قطاع كانوا یقولون إنھ منھار..! نعم سمعنا كثیرا من خصوم نظام الرئیس السابق محمد ولد عبد العزیز، أو لنقل خصوم محمد ولد عبد العزیز شخصیا، أن القطاع الزراعي انھار خلال ھذه العشریة كما انھار التعلیم، والصحة، والبنیة التحتیة، والأمن، والسیاسة، والدبلوماسیة، وغیره من كل " الصروح " التي وجدھا أمامھ شامخة ونسفھا!

لكن تعالوا معنا لیتذكر منكم الناسي والمتناسي والجاھل بمسار قطاع الزارعة المروي في بلادنا الذي بدأت ممارستھ الفعلیة بدایة تسعینات القرن الماضي، بممارسة " الزراعة السیاسیة " ولیس السیاسة الزراعیة، فتوجھ كل من ھب ودب إلى " شمامھ " لأخذ حصتھ من أموال القرض الزراعي التي كان من السھل جدا والشائع كثیرا سحبھا على أنھا تمویلات لزراعة الأرز، لكنھا تتجھ للإستثمار في قطاعات الصید والعقارات والثروة الحیوانیة.. وبإختصار، ودون الخوض في ما شھده عقد 1990 ـ 2000 من تلاعب في القطاع الزراعي حصلت النھایة الحتمیة لھكذا سیاسة زراعیة أو " زراعة سیاسیة "، فانھار القطاع قبل أن یقوم أصلا، حیث ُ المساحات المزروعة كانت متواضعة، ونوعیة المنتوج ردئیة معافة من طرف المستھلكین.. فبدأت ھجرة المزارعین الحقیقیین، على ُ قلتھم، القطاع تحت ضغط الإفلاس والخیبات، أما المزارعون المصطادون لأموال القرض الزراعي فكانوا مھاجرین أصلا لأن لم یكن لھم ارتباط بالأرض، والقرض الزراعي الذي كانوا ینھبون أموالھ أفلس!

فھل سمعتم في ما سمعتم، أو رأیتم في ما رأیتم بلدا أو حكومة أو نظاما حقق إكتفاء زراعیا في محصول من قطاع " منھار " خلال سنة واحدة في بلد ومجتمع زراعي بالفطرة، أحرى مجتمعا بدویا صحراویا كمجتمعنا لم تكن الزراعة وخاصة المرویة والحدیثة منھا من ثقافتھ ونمط عیشھ!

لا سیداتي سادتي، لم ینھار أي شيء في ھذا البلد خلال العشریة الماضیة، فقد كانت إرادة البناء أقوى من معاولكم الخشبیة، والذي ُ تحقق خلالھا إذا لم ی ُ عد ثورة فھو في أدنى حالاتھ قفزة أونقلة وعلى جمیع الصعد بالنظر إلى وضعیة البلد قبلھا، وإذا كان الموریتانیون، أو أغلبھم لدیھ موازینھ الخاصة التي یزن علیھا الأمور، ومنطلقاتھ التي ینطلق منھا في تقییم المراحل والمقیدة غالبا باختزال كل شيء في شخص ھو كل شيء، أو ھو لا شيء تبعا لموقفك منھ، فذلك مشكلھم ولیس مشكل العشریة ومكتسباتھا، فكل ما ُ لھ قیمة ومعنى تنمویا في البلد الیوم ھو من مكتسبات تلك العشریة، وھو ما تعتمد علیھ وتستغلھ حكومة الیوم وتعد علیھ برامجھا وسیاساتھا من مدارس، ومعاھد، وجامعات، ومراكز صحیة ومستشفیات عامة ومتخصصة، وطرقا، وموانئ، ومطارات وطائرات، وفائض طاقوي وربط كھربائي، ومحطات ضخ مائي، وقنوات ري واستصلاحات زراعیة.. حتى مظاھر الحیاة وحركة الأسواق والموانئ والنشاط العمراني العمومي والخصوصي، وحركة السیارات ومودیلاتھا، بل وسحنات الناس وأنماط عیشھم.. كل ذلك یعكس نموا لا انھیارا، نعم لا یزال ھناك فقر وتحدیات لكن وكما لن تجدوا بلدا حقق إكتفاء ذاتیا خلال سنة واحدة دون مقومات ومكتسبات سبقت تلك السنة، فلن تجدوا أیضا بلدا قضى على الفقر وعلى كل التحدیات خلال عشر سنوات لم یكن ما سبقھا معینا على ذلك من أیة ناحیة.

وعلیھ فیستطیع وزیر التنمیة الریفیة الیوم أن یجلس ویقول إن الإكتفاء الذاتي من الأرز سیتحقق في ظرف سنة أو سنتین، منطلقا مما وجده أمامھ من مقومات زراعیة جعلت البلد على مرمى حجر من ھذا الإكتفاء، ومن تلك المقومات :

1 ـ 58 ألف ھكتار مزروعة خلال الموسم 2019 ـ 2020 وبإنتاج یغطي من 75 إلى 80 %من حاجیات البلاد من الأرز، وھذه الأرقام وإن كانت قابلة للتحقق منھا في سھل " شمامھ " الیوم، فإنھا أیضا جاءت على لسان المندوب الجھوي للتنمیة الریفیة بولایة اترارزة قبل أیام في مداخلة لھ على قناة " الموریتانیة " واصفا ذلك بالإنجاز الكبیر، رغم أن الحدیث عن إنجاز كبیر یتعلق بالعشریة الماضیة یدخل الیوم في خانة المكروه سیاسیا..!

2 ُ ـ الإستصلاحات الجاري تنفیذھا منذ سنوات، وما وفرتھ قناة آفطوط الساحلي من مساحات قابلة للري تقدر ب 26 ألف ھكتارا، وتلك المساحات البالغة 3500 ھكتار في مقاطعة أركیز التي أطلقھا الرئیس السابق محمد ولد عبد العزیز سنة 2017 ،بالموازاة مع إطلاق أعمال حفر قناة " لعویجھ " على طول 44 كلم في نفس المقاطعة موفرة میاه الري ل 10 آلاف ھكتار جدیدة، وقد أشرفت السلطات المحلیة في المقاطعة قبل أیام على إنطلاقة مشروع أركیز الزراعي المروي القائم على ھذه الإستصلاحات وھذه القناة، دون أن ننسى مشروع تعمیق رافد " كوندي " الذي بدأت أعمالھ یونیو 2019 من أجل استغلال 5000 ھكتار للزراعة الفیضیة و000.10 ھكتار للزراعة المرویة.

3 ـ عودة ثقة المزارعین في قطاع ھجروه بدایة ھذه الألفیة، والإقبال الكثیف من طرف الفاعلین والمستثمرین على القطاع، الشيء الذي یعكسھ الیوم بحث الكثیر من الفاعلین عن مساحات على الضفة لاستغلالھا في زراعة الأرز شراء أو تأجیرا.

4 ـ تضاعف عدد معامل تقشیر الأرز الكبیرة عشر مرات ( نقول معامل تقشیر ولیس مصانع تقشیر لأن ھذه المعامل لا تصنع الأرز ُ وإنما تقشره وتبیضھ )، وقد كان عدد ھذه المعامل سنة 2010 لا یتعدى ثلاثة معامل تأخذ طاقتھا المحدودة من الأرز الخام، وتبقى بقیة الإنتاج لدى منتجیھا لا یعرفون كیف ی ُ سوقونھا، والیوم یقارب عددھا ال 30 معملا تستوعب غالبیة الإنتاج من الأرز الخام، بل إن بعضھا یشتري الأرز من منتجیھ وھو لا یزال في الحقل، مما ساھم بشكل كبیر في حل معضلة التسویق، كما شكل ذلك أیضا نوعا ُ من القرض الزراعي الخصوصي، حیث أصبح بعض أصحاب ھذه المعامل ی ُ مول بعض المزارعین على أن یعوضوه عن ذلك التمویل بإنتاجھم من الأرز.

5 ـ التحسن الكبیر في نوعیة الأرز الموریتاني والإقبال المتزاید علیھ من طرف المستھلكین، وتوفره الیوم في كافة الأسواق على امتداد التراب الوطني، إذ لن یتم الإكتفاء الذاتي من منتوج رديء في ظل منافسة قویة للإنتاج الأجنبي. ورغم كل ذلك، ورغم أن الإكتفاء الذاتي من الأرز اعتمادا على ھذه المقومات بات في المتناول، یظل تحقیق ھذا الإكتفاء خلال سنة أو إثنتین مستبعدا في ظل مشكلتین لا زالتا مطروحتین ھما مشكلة آلیات الحصاد التي لم تتمكن الدولة ولا الفاعلون الخصوصیون من إیجاد حل مستدیم لھا بعد، وكوننا الیوم في موسم حصاد الموسم الصیفي لزراعة الأرز، فإن الحدیث الطاغي في مجموعات الواتساب بین المزارعین الیوم ھو التھكم على كلام الوزیر حول تحقیق الإكتفاء الذاتي خلال سنة، قائلین كیف سیتحقق الإكتفاء الذاتي من الأرز خلال الموسم القادم، ومعظم إنتاج الموسم الحالي لا زال في الحقول تحت رحمة موسم الأمطار دون وجود حاصدات لحصاده، ُ فالعدد المتوفر منھا غیر كاف أو متعطل، والحاصدات التي كانت تستجلب من السنغال لسد النقص في الحاصدات محلیا لم تسمح لھا السنغال بالعبور ھذا الموسم!

أما المشكل الثاني فھو غیاب ركن أساسي من أركان الزراعة المستدیمة ألا ھو ركن البذور المنتخبة، واعتقاد الدولة أنھا قادرة على ُ زراعة منتجة مستدیمة دون إیلاء عنایة فائقة لجانب البذور، ولا نكون مبالغین إذا قلنا إن تلك العنایة یجب أن تكون بمستوى وحساسیة ومحوریة الأمن القومي.. فنظرا لمكانة البذور الجیدة في الأمن الغذائي، وبالتالي الأمن القومي، فإن الكثیر من البلدان ُ الزراعیة تشكل مجلسا أعلى للبذور یرأسھ الرئیس أو الوزیر الأول للسھر على جودة البذور، وحسب علمي فإن لدینا مجلسا كھذا یرأسھ الوزیر الأول وذلك منذ عھد الوزیر الأول الأسبق اسغیر ولد أمبارك، لكن ھذا المجلس لم ینعقد قط! فعلاوة على أھمیة البذور المنتخبة في الإنتاج المستدیم كما ونوعا، فإن الفوضى في استخدام البذور وغیاب الرقابة الصارمة على جودتھا ونقاوتھا كفیل بتدمیر القطاع الزراعي، وكلنا نتذكر الكارثة التي أوشكت على أن تدمر قطاع الواحات قبل سنوات في ولایة تكانت بسبب السوسة الحمراء لولا أن الدولة استنفرت جھودھا لإحتوائھا قبل الاجتیاح، وھذه السوسة دخلت البلاد في فسائل نخیل دون رقابة، والفسائل لیست سوى بذورا وما ینطبق علیھا ینطبق على كافة أنواع بذور المحاصیل حبوبا وفواكھ وخضروات وأشجار زینة وأعلاف.. وإذا كنا الیوم خاضعین للحجر الصحي حفاظا على سلامة المواطنین من فیروس " كوفید 19 ،" فإن ھناك أیضا ُ الحجر الزراعي المطبق في كافة البلدان بوضع إجراءات صارمة لمنع دخول أي مواد نباتیة مجھولة المصدر، قد تكون حاملة لحشرات أو أمراض نباتیة خطرة، أو حاملة لصفات وراثیة ردیئة قد تدمر الصفات الوراثیة الجیدة للأصناف المحلیة بواسطة الخلط ُ الوراثي.. وبالتالي فإن كل ما حققناه الیوم من مكتسبات سمحت لنا بالحدیث عن الإكتفاء الذاتي معرض للإنتكاسة خلال موسم واحد إذا ظل قطاع البذور مھملا، وظل الكل یستخدم بذورا من أیة مصادر شاءھا، وظلت الجھات الفنیة المختصة غائبة عن المیدان!

ولیس صحیحا ما قالھ الوزیر في مداخلتھ عن تدخل الوزارة من أجل تحسین البذور، فما یجري الآن ھو فوضى عارمة لا تخضع ُ لأدنى المعاییر المعروفة لأنتاج البذور، ولا لمراحل إكثارھا بدء ببذور المربي ( base pré de semences les ،( ثم بذور المعتمدة فالبذور )، les semences enregistrés ) المسجلة البذور ثم )، les semences de base ) الأساس ( certifiées semences les ( التي ھي في النھایة ما یصل المزارع كبذور مضمونة، وعلى جودتھا تعتمد كل العملیات الزراعیة، وعلیھا أیضا تعتمد جودة وكمیة واستدامة الإنتاج، وھذا التسلسل الإجباري في إنتاج البذور المنتخبة لا یتم منھ الیوم أي شيء في إنتاج البذور المستخدمة في حقول الأرز، ولیست ھناك جھة فنیة مشرفة على إنتاج واعتماد ھذه البذور، وكلما ما ھو ُ موجود ھو فني متقاعد یسكن لفترة مع ھذا المزارع في بیتھ یكرم ضیافتھ ویعتمد لھ بذوره، وینتقل لمزارع آخر یقیم معھ یكرم ضیافتھ ویصدق لھ بذوره وھكذا.. حتى أن بطاقات إعتماد البذور ( tiquet ( الحاملة لمواصفتھا من درجة البذور، ونقاوتھا، ونسبة إنباتھا، وتمثیلھا للصنف.. ھذه البطاقات توزع الیوم یمینا وشمالا كیفما اتفق، وكل مزارع قادر على الحصول علیھا وإلصاقھا على أكیاس بذور غالبا كانت في مخازن موجھة للإستھلاك البشري ولیست بذورا معتمدة، ولن یتحقق إكتفاء ذاتي بھكذا بذور مھما توافر من شروط أخرى للإكتفاء، وستذكرون ما أقولھ لكم، وأتمنى ألا یكون بعد فوات الأوان.

محمدو ولد البخاري عابدین

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016