الصفحة الأساسية > الأخبار > الزراعة بولاية لعصابه بين الماضي والحاضر

الزراعة بولاية لعصابه بين الماضي والحاضر

الأربعاء 9 آب (أغسطس) 2023  08:58

نظمت وكالة كيفه للأنباء سابقا ندوة حول الزراعة بولاية لعصابه ولأننا على عتبة موسم الامطار ولكي تعم الفائدة ونستنهض الهمم فإننا نعيد نشر العرض الأول في هذه الندوة وهو بعنوان: الزراعة في ولاية لعصابه بين الماضي والحاضر وقد أعده وقدمه المهندس الزراعي نختير ولد المجتبى ولد عنكر.

النص الكامل للعرض :

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبيه الكريم

الزراعة في لعصابة بين الماضي والحاضر

يعود تاريخ الزراعة في لعصابة إلى تاريخ وجود الإنسان على هذا الجزء من المعمورة , فقد مارسها المواطنون الأقدمون على مر تاريخهم وفتراتهم وتحولاتهم الاقتصادية والاجتماعية وعلى اختلاف أجناسهم ومشاربهم وثقافاتهم وبما أن الزراعة نشاط يتطلب الاستقرار على الأقل في بعض أشهر السنة , فقد كان السكان المستقرون وشبه المستقرين هم الأكثر التصاقا بهذا النشاط , وقد مارسها المنمون المنتجعون أحيانا كثيرة خاصة في فترات الخصب قبل أن ينتقل إليها معظمهم بعد موجات الجفاف وحدوث ظاهرة التقرى كما سنرى لاحقا.

وبما أن الأرشيف لايسعفنا بخرائط قديمة عن المساحات وعن توزيع المناطق الزراعية في الماضي ,فإن الآثار وحكايات المعمرين تبرهن على أن الزراعة كانت تمارس في الأودية بمحاذاة الجبال والهضاب والربي وفى أماكن تجمع مياه الإمطار في المنخفضات بين العروق الرملية, فهي إذن زراعة مطرية في جلها وقد تمارس خلف الحواجز الرملية والصخرية أحيانا وتنقسم المحاصيل الزراعية القديمة من حيث التصنيف النوعي إلى ثلاث مجموعات: النجيليات أو الحبوب مثل : تقليت, بشنة ,نبانة ,ارحية , مترى ,مكه __ قطاني مثل اللوبيا (ادلكان) زيتيات مثل الفستق أو الفول السودانى(كرتة).

هذا بالإضافة إلى بعض الثمار من فصيلة القرعيات مثل( فندى).

وفى غياب إحصاءات قديمة عن الإنتاجية فان استنطاق المرويات الشفهية عن المزارع الذي يحصد ألف مد (4كلغ )من مزرعته الفردية , يضعنا أمام إنتاجية لاتقل عن 40 قنطارا للهكتار وهى إنتاجية معتبرة بالمقاييس الحديثة ويكفى برهانا على وفرة الإنتاج أنه كان يغطى حاجات السكان الغذائية حتى قال احد المؤرخين إن الموريتانيين قبل مجيء المستعمر كانوا في اكتفاء ذاتي في مجال الغذاء , فلم يكونوا يحتاجون في ضرورياتهم إلا إلى الملابس وفى كمالياتهم إلا إلى السكر والشاي ,وهذا الاكتفاء الذاتي كان يتم عبر التكامل بين مناطق إنتاج التمر في الحواضر ومدن الواحات القديمة في الشمال ومناطق إنتاج الحبوب في افل وافطوط وشمامة وضفاف كاركورو ومصب النهر.

وعلى الرغم من انعدام وسائل النقل وبدائيتها وصعوبة الطرق وحالات الانفلات الامنى أحيانا , فان توزيع المحاصيل الزراعية كان يتم عبر حركة القوافل شمالا وجنوبا ليصل إلى الحواضر والى تجمعات ومخيمات المنمين الرحل أينما كانوا الزراعة علم تجريب, ذلك أن المهارات والخبرات تكتسب عن طريق الممارسة وهذا ما ينطبق تماما على المزارع الموريتاني القديم الذي استطاع بدون اى تأطير فني خارجي أن يكتشف ويطور العديد من التقنيات الزراعية والمهارات كمعرفة التربة الجيدة والمسافة بين البذر ومحاربة الآفات وانتقاء البذور وكيفية البذر وتاريخه المناسب لكل صنف وتقنيات الحفظ والادخار بما في ذلك حفظ البذور فقولهم (الصابة تحت الغابة) يدل على معرفتهم بجودة التربة التي كانت تغطيها الأشجار لأنها تكون غنية بالمواد العضوية من مخلفات الأشجار وتقديرهم للمسافة بين البذر ب (اشكال لمطية ) هو تقدير صائب لأنه يتراوح بين 80 و 100 سم وهي المسافة التي ينصح بها بين الزرع وكلمة (اشويطرة) هي نعت للأصناف المبكرة مثل مترى و ارحية وبعض أصناف تقليت ذات الطور النباتى القصير التي كانوا يزرعونها مع بداية موسم الإمطار, وكان بعض المزارعين المهرة عندما تقل رطوبة التربة يقومون بترطيب البذور بجعلها في الماء وقتا كافيا حتى تتشرب ثم يبذرونها مما يسرع عملية الانتاش(الإنبات) , ومن التقنيات التي ابتكروها لمحاربة الآفات الزراعية إيقاد النار ليلا لتنجذب إليها الفراشات والجراد و إيقادها نهارا ليتصاعد دخانها لتنفر منه الآفات ومن التقنيات المبتكرة كذلك صناعة الأدوات القاذفة وتلك التي تحدث أصواتا لإبعاد عصابات الطيور المهاجمة.

ومن وسائل محاربة الآفة عندهم عملية البذر الجاف وهو البذر في التربة الجافة الساخنة لتسلم البذور من الآفة التي تهاجمها في التربة , ولمحاربة الآفات التي تهاجم المخزون كانوا يخلطون أغصان وأوراق شجرة ايزن مع مخزون الفاصوليا (ادلكان) لحمايته من الحشرات التي تفسده , ومن تقنيات الحفظ والادخار حفظ السنابل المعدة لإنتاج البذور للموسم القادم بجعلها في قرب قديمة (شنة) وكذا حفظ المحصول في بيوت صغيرة ( كاتة أو كركرو) مبنية من الطين المخلوط بالعشب الجاف , توقد فيها النار بعد اكتمال بنائها لتكون خالية من الشوائب والحشرات والجراثيم ثم يجعل فيها المخزون وتسد ويمكن أن تبقى لفترة طويلة.

المزارع الموريتاني القديم على دراية تامة بمراحل نمو وتطور زرعه بحيث يعطى لكل مرحلة اسما يدل على الطور النباتي الذي وصلت إليه من البذر وحتى النضج : داق الشوك , متباصة , امحبشة , امكمن , املاوحة ,امبرم ,امشدق , امدخل تقجرت , امدخل عين اجرادة ,امنقية , امبيظة ,طايبة.

ومن المهارات التي اكتسبها المزارع القديم خبرته الفائقة في الحزر وهو تقدير الإنتاج سواء كان في الحقل أو بعد تكويمه في البيدر, وهى خبرة لا غنى للمزارع عنها لأنه على أساسها يخطط وبها يعرف ما إذا كان قد بلغ نصاب الزكاة لقد نشأت لدى مجتمع لعصابة كغيره من المجتمعات منظومة ثقافية حول النشاط الزراعي تمثلت في بعض مظاهر التعاون والتكافل الاجتماعي للقيام بالإعمال الزراعية إذ أنهم يعتمدون في العمل الزراعي على الطاقة البدنية فكانوا يتعاونون في ما بينهم عن طريق ما يعرف ب (اتويزة) حيث كانت أيام العزق (القجى) وأيام الدرس(ادبيز) لا يضاهيهما بهجة وسرورا لدى المزارعين إلا يوم دخول العير احد مخيمات البدو الرحل محملة بالمؤن , كما تجلت تلك الثقافة في بعض العادات والتقاليد والقيم المرتبطة باستهلاك هذا المنتج (ازرع) المتعدد الاستخدامات إذ انه غذاؤهم ودواؤهم وعلف دوابهم وعلاجها من بعض الإمراض وهو يستخدم في جميع مراحل نضجه في الحقل وبعد الحصاد على جميع أحواله , فيمكن استعماله حبا منخولا وغير منخول , مطبوخا وغير مطبوخ ويستعمل بعد التحويل إلى دقيق كما يستعمل نصف مهروس , كل ذلك حسب حالات المستهلك من وقت وأدوات ووسائل(الماء , النار) ووجود أو عدم وجود المتخصصين

ومن الحكم والأمثال التي تمجد الزراعة وتحث عليها عند المزارعين القدماء قولهم : (الهانو الدهر اهين اتراب )فهي تعنى أن الزراعة هي اقصر طريق و أنجع وسيلة لسد خلة الفقير , وقولهم : (احريثة خاسرة لا رفقة صالحة )فهي تعنى أن إنتاج القوت خير من شرائه.

تلكم كانت حالة الزراعة في الماضي أما الزراعة في الحاضر وأعنى به المرحلة التي تزامنت مع نشأة الدولة فقد تميزت الزراعة بظهور المصالح الفنية المتخصصة وقيام الدولة ببعض الاستثمارات في البني التحتية والخدمات الزراعية كبناء السدود وتوفير بعض المدخلات و الأدوات الزراعية كالمحراث وتنظيم الحملات الموسمية لمكافحة بعض الآفات ذات الضرر الكبير مثل الجراد المهاجر والعصافير, كما كانت تلك المصالح الفنية تطلع بدور التأطير الفني للمزارعين وإن ظل ذلك عن بعد حتى وقت قريب , وقد ساهمت وسائل النقل الحديثة مثل السيارات في توزيع الإنتاج وإيصاله إلى الأسواق في الحواضر والمدن وخاصة إلى عاصمة الولاية.

هذه الوضعية التي كانت تحمل في ثناياها بوادر نهضة زراعية شاملة , سرعا نما انقلبت رأسا على عقب إثر الجفاف الذي باغت الجميع من أواخر ستينات القرن الماضي وحتى منتصف السبعينات وما تلا ذلك من موجات قحط لا تكاد تختفي سنة أو سنتين حتى تعود لتستمر مثل ذلك.

لقد حطم الجفاف قواعد الاقتصاد الريفى بالقضاء على الثروة الحيوانية وانحسار المساحات الزراعية أمام زحف الرمال وما نجم عن ذلك من موجات النزوح الرلفى إلى الحواضر والمدن طلبا للقوت.

إن تلك التقلبات المناخية غير المنتظمة وما أسفرت عنه من تحولات اجتماعية واقتصادية أثرت تأثيرا بالغا على الزراعة في لعصابة حيث اختفت الزراعة المطرية تماما ولم يعد متاحا منها إلا ذلك النمط الذي يمارس خلف السدود بقليل من الإقدام وكثير من التردد , وحتى هذا النمط لم يعد يستجيب لحاجات السكان لا كما ولا نوعا بعد تبدل عاداتهم الاستهلاكية التي ارتبطت بمنتج آخر مستورد وبعد عزوف المزارعين عن الأعمال الزراعية لوجود مصادر أخرى للدخل كاليد العاملة اليومية وكالتجارة والتوظيف , وحتى أصناف الحبوب التي كانت تؤمن القوت لم تعد زراعتها خلف السدود ممكنة لتأخر البذر وهى ذات طور نباتي طويل ويتطلب نموها وتطورها تراكم كمية كبيرة من الحرارة لا تتوفر في آخر الموسوم مما أفسح المجال لأصناف أخر غير الحبوب لاتمثل أساس القوت كاللوبيا وزراعة الخضروات , ولم تغير من الوضع المتأزم شيئا تلك التجارب الخجولة لإدخال زراعة القمح والشعير خلف السدود لافتقارها إلى الخبرة والوسائل.

لقد قل الطلب على المنتج المحلى من الحبوب لاختفائه من المائدة اليومية وأصبح المزارع في لعصابه ومعه المستهلك في وضع لا يحسدان عليه فهم يأكلون ما لا يزرعون ويزرعون ما لا يأكلون , تركت السدود بورا وقد تكون مشيدة ومسيجة وتحول البعض منها_ في أحسن الأحوال_ إلى محميات غابوية ورعوية وإن زرعت فليس لغرض الإنتاج وإنما لما قد يجنيه صاحبها من حشائش وثمار برية.

إنه و الله لمحض السفه وسوء التسيير أن تضيع مصادرنا المتجددة ونحن منشغلون بتبديد المصادر الناضبة , أما آن لنا أن ننظر إلى طعامنا ونهب للنهوض بالزراعة.

إعداد المهندس الزراعي

نختيرو ولد المجتبى ولد عنقر

المسئول الزراعي لدى الخلية الجهوية لبرنامج التنمية المستديمة للواحات بلعصابة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016