الصفحة الأساسية > الأخبار > المجلس البلدي/ بقلم عبد القادر ولد الصيام

المجلس البلدي/ بقلم عبد القادر ولد الصيام

الثلاثاء 25 أيلول (سبتمبر) 2018  15:43

سيصوت الناخبون في موريتانيا في الجولة الثانية من الانتخابات النيابية و المحلية طيلة هذا الْيَوْم- السبت الخامس عشر من أيلول سبتمبر- ، و سيكون عليهم انتخاب تسعة (٩) مجالس جهوية و نواب اثنتي عشرة (١٢) دائرة انتخابية، و مجالس بلدية لمائة و ثمانية (١٠٨) بلديات!

و رغم أهمية التصويت على النواب و المجالس الجهوية -المستحدثة حديثا- إلا أَن تركيزي -في هذا المقال- سيكون على المجالس البلدية، و ذلك لِما لَها من تأثير يومي مباشر على السكان من خلال فرض الضرائب و جبايتها و عدم تقديم خدمات مقابلها.

و منذ بداية الانتخابات البلدية الأولى في عواصم الولايات (١٩٨٦) و ما تبعها من انتخابات في البلديات الريفية (١٩٩٨) و حتى يومنا هذا ظل كثير من الناس يُطلقون على البلدية "بلية" مع حذف دالها "المهملة" تماماً كما قال الشاعر -عن الهوى-: إن الهوى لهو الهوان بعينه ** نسيتْ له نونا يدُ الكُتّاب!

و تُعتَبَرُ البلدية - و هي ما أعبّر عنه هنا بهيئتها المنتخبة -المجلس البلدي- مصدرا للأذى و الإزعاج بالنسبة للمواطنين في الوسط الحضري و الريفي؛ مما يستدعي التنبيه على الأمر و نقاشه و البحث عن حلول عاجلة له.

فبالنسبة للوسط الحضري تقوم البلدية بفرض ضرائب على المنازل و المحلات التجارية دون تقديم خدمات تُذكَر-كالتنظيف و بناء و صيانة المنشآت العمومية التابعة لها- و هو الشيء نفسه الذي تقوم به في الوسط الريفي حيث تفرض ضرائب على المساكن و الحيوانات و المزارع و النخيل دون تقديم مساعدة أو علف أو سياج أو ماء للمزارعين أو المنمّين!!

و غالبا ما يتم اختيار "المجلس البلدي" و رئيسه عبر توازنات قبلية و سياسية تفرضها السلطة الحاكمة ، و هُو ما يعني أن "المجلس البلدي" لا يسعى لخدمة المواطنين بل يسير في ركب "ولي نعمته" و يقتسم "المحاصيل" الضريبية و الهبات معه!

و قد رأى الناس كيف استهتر عمدٌ كثيرون بالمال العام و بنوا منه العقارات و اشتروا السيارات الفارهة، كما قام بعضهم ببيع بعضٍ من المداخيل الضريبية للبلدية -كضرائب المحلات التجارية و أسواق بيع الحيوان- لرجال أعمال مقابل مبالغ جزافية و رمزية-مع تزويدهم بالشرطة البلدية التي تُرغم المواطنين على الدفع، أو إغلاق محلاتهم أو احتجاز تجارتهم و مواشيهم -كي يقتسم رئيس المجلس البلدي ريع ذلك مع بعض هؤلاء- ممن دعموه في الحملة أو ممن يشترك معهم في مصالح خاصة!!

إن المصائب التي يتسبب فيها "المجلس البلدي" كثيرة ، و من ذلك -كما ذكرتُ سابقا- إرغام الناس على دفع ضرائب لا يحصلون على خدمات مقابلها، و قد حدث في بعض "المدن الكبرى" أن أمر محصل مشهور بإغلاق بعض المحلات بسبب عدم دفعها للضريبة، و اعتذر أهلها بأن البلدية لا تقدم لهم خدمات و أن "المحصل" منتخَب في "بلدية أخرى" و لا يجوز له "شراء ريع الضريبة" من البلدية المركزية ، و كاد القوم يقتتلون لولا تدخل بعض المصلحين!

و قد لا يكون الشاعر "التونسي" مبالغا في وصفه ل"المجلس البلدي" حيث يقول:

قد أوقع القلبَ في الأجسام و الكَمَد *** هوى "حبيب" يُسَمَّى "المجلس البلدي"!

أمشي و أكتم أنفاسي مخافة أن ** يعدّها عامل المجلس البلدي!!

ما شرّد النوم عن جفني القريح سوى ** طيف الخيال .. خيال "المجلس البلدي"

إذا الرغيف أتى فالنصف آكله ** و النصف أتركه للمجلس البلدي!

و إن جلستُ فَجيبي لستُ أتركه *** خوفَ اللصوص، و خوفَ المجلس البلدي!

و ما كسوتُ عيالي في الشتاء و لا في الصي***ف إلا كسوتُ المجلس البلدي

كَأَنَّ أُمِّي -بلّ اللهُ تُربَتَها- أوصتْ** فقالت: أخوك المجلس البلدي (...)

و إن أقمتُ صلاتي قلتُ مفتتحا ** الله أكبر باسم المجلس البلدي!

أستغفر الله -حتى في الصلاة غدت-*** عبادتي نصفها للمجلس البلدي!

يا بائع الفجل -بالمليم- واحدة ** كم للعيال و كم للمجلس البلدي؟!!

إن التجربة القاسية التي عاناها السكان من "المجلس البلدي" تقتضي منهم التحرّي و التشدُّد في اختيار المجلس البلدي الذي سيحتل "دار البلدية" و يسلب منهم أموالهم دون تقديم خدمات مقابل ذلك، ليبقى المستفيد الوحيد "رئيس المجلس البلدي" و بعض أعضائه المقرّبين و بعض "المورّدين" الذين يقتسمون الكعكة مع "المجلس البلدي"! و الذي سيترك المدينة مليئة بالأوساخ و الحُفر و الجيف، و لن يقوم بتنظيفها-جزئيا- إلا حين يزورها الرئيس ، و يكتفي "المجلس" بتنظيف الشوارع التي سيمر منها موكب الرئيس فقط ، أما غيرها فلا ينبغي تنظيفه؛ لأن المواطنين همج رعاع لا يستحقون -في نظر المجلس البلدي و لا السلطات الإدارية- أي احترام أو خدمات!!!

و بناء على ما سبق فينبغي أن نكرر معا -و بصوت واحد- قول الشاعر "المحلي":

شعبَ الكرامة لا تَرْضَ الهوان و لا ** تخضع لظلم و لكن كُفّ و اتّئد

و سِر إلى النصر لا تَرْضَ البديل به ** و خُذ بحقك لا تنقص و لا تزد!

فهل مِن العدل أن ترضى دمقرطة ** تُدارُ بالظلم و التزوير و الحسد؟!!

و هل مِن العدل أن ترضى دمقرطة ** تقول : لا لخيار الشعب في العُمَد؟!

كلا ! و إن رضانا لا مناصَ به ** لِمَن يُرِيد دخول "المجلس البلدي"

و عند يوم الترامي سوف نُشعلها ** حربا على الغش في بسالة الأسد

حتى يكون خيار الشعب محترما ** و يذهب الغير في الأدراج كالزّبد!!

إن "المجالس البلدية" في العالَم المتقدم تفتح أبوابها للمواطنين و تستمع لآرائهم و مقترحاتهم في كل المواضيع المطروحة، و تعقد اجتماعات علنية تسمح للمواطنين بالحضور فيها و المشاركة في النقاش ، كما تخضع هذه المجالس للمحاسبة الدورية من المواطنين، و يوجد فيها قسم لتقديم الشكاوى من كل المسؤولين و منهم "رئيس المجلس البلدي" أما عندنا فالمجلس البلدي امبراطورية متغولة تسعى لامتصاص دماء المواطنين و سَلب ممتلكاتهم -باسم القانون- و بقوة الإكراه التي تنفرد بها الدولة!!

لقد آن لشعبنا أن يعي التحديات التي تواجهه، و أن يختار مَن يمثله و يخدمه و لا يمنّ عليه ببعض ما يأخذ منه من ضرائب و جبايات، و أعتقد أن تأخير حسم كل هذه المجالس البلدية (١٠٨ مجالس) للشوط الثاني -رغم كثرة اللوائح- دليل على نضج الشعب و الناخبين الذين أصبحوا يريدون "مجلسا بلديا" يمثلهم و يخدمهم لا مجلسا يتحكم في رقابهم و يأخذ أموالهم غصبا -بمساعدة من السلطات الإدارية و الأمنية- و أعتقد أننا سنرى تزايد المساءلة للمجالس البلدية و التعبير عن السخط المتعلق بأدائها في المرحلة القادمة، و ربما التظاهر و الاعتصام حين تسوء الأحوال و يكثر الظلم و الغبن و الفساد!

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016