الصفحة الأساسية > الأخبار > هل بدأت نهاية الجمهورية الثانية؟

هل بدأت نهاية الجمهورية الثانية؟

الأربعاء 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012  00:01

منذ أن استقلت موريتانيا عن الاستعمار الفرنسي قبل 52 عاما، شهدت ميلاد جمهوريتين، بدأت الأخيرة منهما على يد الرئيس السابق معاوية ولد الطائع سنة 1992 بإقرار دستور تعددي، فتح لأول مرة المجال أمام التنافس على منصب رئيس الجمهورية. وخلال 13 سنة الأخيرة من حكم ولد الطائع حافظ على سير الدولة بروحها المتمثلة في تلازم المسارين الاقتصادي والأمني، وبجسمها المتجسد في المؤسسات الدستورية، التي ظلت تحترم آجالها القانونية حتى في أحلك الظروف.

وجاءت فترة العقيد السابق بالجيش الرئيس اعلي ولد محمد فال تصحيحا لمسار الجمهورية الثانية الذي بدأه ولد الطائع، فتعززت الحريات وزيدت رواتب موظفي وعقدويي الدولة، وتجذرت الممارسة الديمقراطية، وبلغت السمعة الطيبة للبلد أوجها بمغادرة أول رئيس للقصر الرمادي طوعا وباتجاه منزله، بدل المغادرة الجبرية التي عودتنا على انتقال الرئيس من القصر إلى السجن أو إلى المنفى. غير أن المراقبين يرون أن تلك الفترة تميزت بخطأين أولهما تنظيم الانتخابات التشريعية قبل الرئاسية، وفي دولة ذات نظام رئاسي كموريتانيا، يجب أن تتم انتخابات البرلمان والمجالس المحلية في ظل رئيس منتخب ليظل الرئيس متحكما في مسار الأمور الكثيرة والكبيرة التي خولها إياه دستور البلاد.

أما الخطأ الثاني خلال فترة ولد محمد فال فهو ما وصفه المراقبون بممارسة النهب على نطاق واسع، ومع ذلك فقد لعب العفو عن الجرائم المرتكبة بحق الدولة في تعزيز التسامح واللحمة بين مكونات الشعب الاجتماعية والسياسية.

وبمجرد تسلم الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله مقاليد السلطة، بعيد انتخابات وصفت بالنزيهة، تحولت الدولة إلى روح بلا جسد، وهو ما يمكن اعتباره مرحلة التأسيس لنهاية الجمهورية الثانية.

فقد أكمل الرجل الجانب المتعلق بالحريات الفردية والجماعية، كما وضع الأسس الصلبة لتأسيس الدولة المدنية الحديثة، غير أن جسم الدولة المتمثل في الاقتصاد والأمن ظل يعاني الشلل، فرجال الأعمال كانوا في واد والنظام في واد آخر، في حين وجدت المؤسسة العسكرية نفسها، فجأة ودون سابق إنذار، أمام تمكين ضباط من الصف الثاني من مفاصلها من خلال ترقيتهم إلى رتبة جنرال، مكافأة لهم على المساعدة في دفع الرئيس الجديد إلى سدة الحكم.

ومن المآخذ التي يحسبها المراقبون على ولد الشيخ عبد الله الحضور القوي لعائلته في المشهد السياسي والاقتصادي وهو ما سمح لخصومه الجدد، حلفاء الأمس، باستغلال ذلك لتشويه صورة حكمه، فلأول مرة تُجر سيدة أولى في البلد للمساءلة أمام لجنة تحقيق حول تورطها في عمليات فساد، وإن كان ذلك يُحسب للرئيس باحتساب العدل والديمقراطية ومساواة الجميع أمام القانون. أما المرحلة الحالية التي بدأت بانقلاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز قبل أربع سنوات فقد قلبت الصورة وحولت الدولة إلى جسم بلا روح، حيث تم وضع الحد للنظام البرتوكولي الذي تسير عليه البلاد، وتعرض احترام الدولة للإهانات المتكررة، وانتشرت ظاهرة الاحتجاجات والفوضى، وترسخت قيم جديدة في المجتمع تعتمد المجاهرة بالولاءات والتكتلات الطائفية والعرقية والجهوية على مرأى ومسمع من الدولة، التي تعتبر الضامن لوحدة البلد والمصير.

فكان الشرخ الاجتماعي الواضح بين مكونات المجتمع، والذي أدى إلى احتقار رموز المجتمع ومقدسات الدولة.

ومن تجليات ذلك ظهور الرئيس اليوم في باريس، والذي أطلق رصاصة الرحمة على روح الجمهورية، من خلال ظهوه وهو يزور الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه رغم مرضه ومدعاة زيارته هو في مشفاه أو محل نقاهته، فهو لم يتواجد هنالك بغرض الزيارة وإنما بهدف الاستشفاء.

زد على ذلك أن النشيد الوطني الموريتاني لم يعزف، والعلم الوطني لم يرفع، والدولة لم تكن حاضرة باستثناء سفير لم يقدم بعد أوراق اعتماده.

فالزيارة كانت عائلية بامتياز، وتم فيها تعمد خطئ ابروتوكولي تمثل في ركوب الرئيس والسفير في سيارة واحدة، في حين تقتضي الترتيبات وجود كل منهما في سيارة.

الخطأ البرتوكولي الآخر هو أن الرئيس اختار وسيلة إعلام أجنبية لمخاطبة شعبه المتلهف لمعرفة حقيقة وضعه الصحي منذ أكثر من شهر.

لكن ما أدهش المراقبين في مقابلة الرئيس اليوم مع قناة "فرانس 24" هو قوله إنه أكثر اطلاعا الآن على ما يدور في بلده مما كان عليه الحال قبل إصابته بالرصاص.. وباعتقاد البعض فذلك خطأ آخر يحسب عليه في خرجة اليوم.

لم يكن ظهور الرئيس اليوم في قصر الرئاسة الفرنسية وعلى شاشة قناة فرنسية أكثر من مقايضة الظهور والحديث لتوريط البلد في الحرب التي يجري التحضير لها في الشمال المالي، فقط لَإرباك المعارضة التي تعتزم تنظيم مهرجان واعتصام غداً الأربعاء في ساحة مسجد ابن عباس، وسط العاصمة.

لقد كان على الرئيس أن يدرك أن إرباك المعارضة لا يتطلب كل هذا الجهد وارتكاب كل تلك الأخطاء، فهي معارضة مهترئة وتخدم أجنداتها الخاصة، وبالإمكان ضربها وقطع الطريق أمامها بفاتورة أقل مما تكبدته الدولة في ظهور الرئيس اليوم.

على ولد عبد العزيز أن يمتلك الشجاعة الكافية لقول الحقيقة لشعبه، ويصارحه بالتفاصيل الدقيقة للحادثة التي أدت إلى نقله للعلاج في الخارج، وحينها سيرى الشعب أكثر تفهما وأكثر استعدادا للالتفاف حوله.

السفير

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016