الصفحة الأساسية > الأخبار > رحلة ممتعة إلى جنوب لعصابة / إسلمو أحمد سالم

رحلة ممتعة إلى جنوب لعصابة / إسلمو أحمد سالم

الخميس 26 نيسان (أبريل) 2018  07:00

الكاتب يجلس في واحة العوجه

بعد يوم حافل بالعمل داخل أقسام البكالوريا و الشهادة الإعدادية ، و قبيل اختتام الدوام الأصلي اتصل بي أحد الأصدقاء ليقول إنه في ألاك و سيمر علي في المنزل ، كان على العاملة أم تعد وجبة سريعة و ممتازة في نفس الوقت ، فاقترحت عليها وجبة من الدجاج المحلي مع أرز البسمة ، أو القهقهة كما يسميها أحد الصغار .

نجحت المسكينة ، بالتعاون مع شخص آخر على الهاتف في المهمة ، فكانت وجبة رائعة أعقبناها بشاي منعنع بنعناع "لكريده" المقطعية و نكهته المعتقة التي تتسلق مع المناخير.

أصر الصديقان : سيد محمد ولد أحمد و ابن عمه أحمد ولد أحمد أن أصحبهما لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في لعصابة ، و هو أمر لا يأباه إلا من لم يألف دفء المنطقة و تدفق الجمال بين أحراشها و كثبانها.

انطلقت الرحلة من مقطع لحجار في حدود الرابعة ، و مررنا بالطريق الذي اعتد المرور معه بالألمانية، لكننا هذه المرة في يابانية فخمة من العابرات للصحراء.

وصلنا إلى "بلمطار" في كيفة بعد صلاة المغرب ، و لعل التسمية حرفتها عن أصلها "بل المطار" سرعة هذرمة سكان المنطقة للكلمات.

و كما كان متوقعا استقبلنا في منزل الصديق أحمد واد أحمد بحفاوة بالغة ، و قدمت لنا مائدة مثقلة بلحم صغار الضأن و الوجبة المحلية ذات الصيت (الكسكس) ، مشفعة برسل العلائل و الشاي الأنيق المعتق.

بتنا ليلة هادئة و في استرخاء تام، في مكان نظيف يعكس مستوى المدنية في عاصمة الشرق ، و لم يخترق صمت المدينة غير الأذانات و التلاوة و التراتيل التي تضج بها كيفة كل فجر ، و هي ميزة تتميز بها هذه المدينة ، حيث تكثر المساجد و المحاظر ، و يمتاز هذا الحي بالذات بأنه يحتضن منازل أسرة من آل البيت ، حافظت على الأصول و الفضائل ، مع مظاهر الرخاء و الرفاهية بنكهة الورع و العبادة.

و لا غرو إن طابت هذه الربوع و قد تربى فيها أمثال العالم الجليل سيد محمد ولد سيدي عثمان الذي يؤم الجامع الكبير بعا.

و بعد صبوح تزاحم فيه الحديث و الأصيل ، لملمنا أشياءنا للرحلة التي كنا ننتظر في اتجاه تجمع "لعوجة" أول نقطة من بلدية "ساني" التابعة لمقاطعة "كنكوصة".

المسافر إلى لعصابة يسافر في زمنين : ماض تتزاحم صوره ، و تترأى فيه أمجاد رقعة من الوطن ، تعايش فيها القلم و الزناد ، و المسبحة و البارود ، و سائس الأبقار و مروض الجياد و حادي النوق و مرتل الذكر و العابد الناسك و العالم الجليل و الفارس المغوار.

و حاضر انصهرت الفسيفساء الاجتماعية المتعددة المشارب فيه ، في سبيكة متماسكة ، موحدة الإحساس و الثقافة و الحضارة و التطلعات .

انطلقنا من كيفة جنوبا على طريق كنكوصة ، و الذي يمر بالمطار ، و هذا المطار لن يذكر صديقنا سيد محمد ولد أحمد ، الذي يسافر إلى تركيا بمطار اسطنبول ، و لا حتى بمطار "أم التونسي" في انواكسوط لقلة نشاطه و كسله.

و كما في كل مدن موريتانيا ، و ما تعانيه من سكانها ، تودعك القمامة عند المدخل ، و ينطلق الطريق الحديث الإنشاء ، و كأنه لاعب كرة قدم يجيد المراوغة ، يدور يمنة و يسرة مثل تصريحات أحد الوزراء ، و يصعد مثل الأسعار و ينزل مثل قيمة الأوقية.

على امتداد الطريق تتناثر المنازل الموسمية المهجورة، و التي تكون مأهولة زمن الخريف ، كما تترأى مظاهر محق الحشائش و تندر رؤية المواشي د .

المتوجه إلى "العوجه" لا بد أن يستحضر "واد أمور" و "أطويلات" و " تارحييت" نظرا الارتباط الاجتماعي بها ، لكن السكان انصهروا في المجتمع المحلي رغم المحافظة على الصلات.

يخترق وادي "لمسيلة" العملاق الولاية جنوبا ، منطلقا من شمال الحوض الغربي متوجه إلى كركور في كيديماغا ،مرورا با"العاكر" و واد "أم الخز" و "مكطع اسفيرة" و "الملكة" و "السلطانية" و "النيزنازة" و "كورمل" و "أجار" و "كوروجل" و "سوروملي" ، و هذه النقاط كلها بحيرات تحجز بعض المياه ، ثم بحيرة "كنكوصة" لتتدفق منها المياه إلى "كركور" ثم النهر السينغالي ، و قد استوقفني هذه المسميات و كأنها في جلها من البولارية .

و تصب في "لمسيلة" عدة روافد من الجهتين الغربية و الشرقية ، كما تنتشر القرى و واحات النخيل على العدوتين الدنيا و القصوى في منظر بديع يسحر الألباب.

قبيل القرية بكيلومترات تسلقنا الكثيب المرتفع الذي يشرف على الطريق ، و استعنا بجهاز GPS للدخول من المدخل الشمالي عند "أشلاي" حيث تنتصب منازل أسرة "أهل محمد فال ولد أحمد" التي بنتها الأسرة خارج القرية لتوسيع المكان على مواشيها و زوارها.

يعتبر رجل الأعمال سيد محمد ولد محمد فال ولد أحمد المسؤول الأول لقرية "لعوجة" و صلتها بالدولة ، و موفر أهم المشاريع فيها : شبكة المياه المجانية ، و المولدات و المسجد ، و المحظرة التي يدرس فيها ما يربو على المائة طالب ، و المشاريع الزراعية و غيرها، كما يعتبر الوجيه عبد الله ولد الحاج أعمر الرجل الحاضر باسم القرية في الولاية .

نزلنا في منزل رجل الأعمال و لن أحدث عن الحفاوة و الأريحية و حسن الاستقبال ، لكن المبهر هو مستوى الأخلاق و التمسك بالشرع ، و تواري النساء عن الأنظار، و جمال قراءة الإمام و بكائه في الصلاة ، و استعداد المصلين للاستماع للتذكرة ، و روح التآخي و التآلف بين السكان.

كانت الرحلة الأكثر إمتاعا و إبهارا هي زيارة "امسيلة العوجه" فقد مررنا في الطريق بحدائق و محطة المياه و النقطة الصحية التي تبدو اجمل من نقاط واد أمور و أطويلات و تارحييت على حد السواء ، كما زرنا المركز المتعدد الخدمات .

و على كثيب عملاق يقف الرائي ليشرف من عل على منظر رائع ، تندر رؤيته في جميع أنحاء الوطن ، ففي الوادي المنسكب بين الجرفين يرتسم الجمال على شكل غابة من النخيل العملاق و أشجار الغضا الملتحمة في السماء ، و تملأ أذناك أصوات الطيور و حركة اوراق الشجر ، و عند النزول ستفترش بساطا نباتيا أخضر يغطي الأرضية ، لكن الأغرب أن البساط الأخضر هو مجرد غطاء سميك للمياء المنتجعة أسفله ، بعد أن اعياها التسرب إلى أعماق الأرض ، فاتخذت هذا المكان مستقرا، و عند مرورك فوق البساط ترتج الأرض من تحتك و تخشى أن تبتلعك في الأعماق ، و الغريب أن أبقار القرية تعرف اللعبة و تتعامل معها بحرفية و تتحاشي النقاط الحرجة.

تعاني "لمسيلة" من شجرة الكهبل (لمحاده) الخطيرة التي تؤثر على نمو النخيل و ثمره ، كما أن طاقة الاستثمار في المنطقة غير مستوفاة. لم تكن عملية النزول نحو قاع الوادي صعبة لأننا استخدمنا السقوط الحر ، لكن الصعود كان مؤلما لشدة الانحدار و حرارة التربة .

عدنا إلى المنزل ، و قد اختلطت في أذهاننا جماليات أرض وطننا ، و ما يعانيه من ضعف في التنمية و ترنح و ارتجالية و فوضى .

و عدت إلى عاصمة الشرق ، لكن رحلة "لعوجة" ستظل راسخة في ذهني لما وجدت فيها من متعة و إبهار

1 مشاركة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016