تُعتَبَر الثروة الحيوانية ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني حيث يقدّر عددها بأكثر من ثلاثة و عشرين مليون رأس - طبقا لوزارة البيطرة (٢٠١٧) بل إن إحصائيات وزارة التنمية الريفية (٢/٢٠٠٦) تشير إلى أن هذا القطاع يساهم بنسبة ١٣٪ من الناتج الاجمالي الخام و يوفر ٢٥٣ ألف وظيفة.
و بالنسبة لولاية لعصابة فإن التقديرات تشير إلى أن قرابة ثلثي سكان الولاية (٧٠٪) يعتمدون بشكل رئيسي على التنمية الحيوانية، و هو ما يعني أن أي أزمة يتعرض لها هذا القطاع تعرّض الأمن الاقتصادي و الاستقرار في الولاية إلى مشاكل خطيرة.
و مع استفحال الجفاف و تناقص الأمطار و ندرة المراعي يعاني المنمون من مشاكل حقيقة في سبيل الحفاظ على ثروتهم الحيوانية التي هي عِمادُ حياتهم.
و قد عبّر أستاذُنا- و مربّي الأجيال- بدّين ولد آمّين عن بعض تلك المآسي و المعاناة في مقاله المنشور على وكالة كيفة للأنباء بعنوان :" علف ولاية لعصابه .. لعن الله الكاذب ولو كان مازحا " حيث تزاحمت المواشي على مراعي لعصابه و أصبح المرعى هشيما تذروه الرياح؛ مما اضطرهم للنزوح إلى الحدود الماليّة، و حيث تم توزيع خنشة واحدة (٥٠ كغ) لكل منمّ قبل أن يتم إصدار قرار بتوقيف التوزيع إلى إشعار آخر.
و قد نبّه رئيس رابطة المنمين في كيفة الوالد : أحمدو ولد حمّد على ذلك مرارا و تكرار في مقابلات و تقاريرَ نشرتها وكالة كيفة للأنباء.
الخطة الاستعجالية.. جعجعة بلا طحين!
أعلنت الحكومة الموريتانية في ٢٨/١٢/٢٠١٧ على لسان مفوضة الأمن الغذائي السيدة: نجوى منت الكتّاب عن خطة استعجالية عُرفت باسم "برنامج دعم الثروة الحيوانية لصالح المنمّين” PAC 2018 من أجل توفير و توزيع الأعلاف عن طريق حوانيت "أمل" البالغ عددها ١٤٠٠ حانوتا على المستوى الوطني، و مع ذلك فلم يتم توزيع الكثير من الأعلاف -كما ورد في رسالة أستاذِنا بدّين ولد آمّين- و كما نقلت وكالة كيفة للأنباء.
و بحسب السيد أحمدو ولد حمّد - رئيس رابطة المنمين في كيفة- فإن الخطة الاستعجالية لسنة ٢٠١٢ كانت أكثر فعالية رغم أن تكاليفها كانت إثنا عشر( ١٢ ) مليارا فقط، و لم يتم توزيع أكثر من ثلثيها (٢/٣) فأين الخلل؟ و ما الذي أصاب الخطة الاستعجالية الحالية ؟
توزيع لا يُسمن و لا يُغني من جوع:
بحسب المكتب الوطني للإحصاء و البرنامج الجهوي لمكافحة الفقر (٢٠٠٠) فإن مجموع قطعان ولاية لعصابة هو :
١٠٩.٦٨٩ رأسا من الإبل
١.٦٢٧.٤٦٤ رأسا من الغنم
٢٤٤.١٦٩ رأسا من البقر
و بحسب وزارة الشؤون الاقتصادية و التنمية فإن نسبة النمو الحيواني في موريتانيا هي ٣٪ سنويا، و مع ذلك فقد تم توزيع خنشة واحدة (٥٠ كغ) لكل منمّ قبل أن يتم توقيف التوزيع إلى إشعار آخر، و ليست لعصابة ببِدْعٍ في ذلك، فهذه الخطة الاستعجالية ذات الأربعين مليارا "عدلت في الظلم و الغبن" بالنسبة للولايات الرعوية و سوّت بينها و بين غيرها في التوزيع، فمثلا تم توزيع عشرين طنا (٤٠٠ خنشة من فئة ٥٠ كغ) في باسكنو التي يوجَدُ بها أكثر من ٢٤٠ ألف رأس من الغنم، و ١٠٥ آلاف رأس من البقر، و آلاف أخرى من الإبل!!
ورشات و نقاشات ... و لا تأثير أو عمل!
مع استفحال الجفاف وتناقص المصادر الرعوية و المائية للمنمّين تقوم السلطات بتنظيم ورشات و ندوات حول القطاع و تطويره دون أن يكون لذلك تأثير إيجابي على المنمين أنفسهم!!
و في هذا الإطار يجدر التنبيه إلى أنه في يوم ٤ مارس ٢٠١٧ احتضنت مباني المندوبية الجهوية للبيطرة بولاية لعصابة ندوة حول "دراسة تشخيصية للموارد الرعوية بولاية لعصابه" تحت إشراف المندوب الجهوي للبيطرة الدكتور محمدا ولد السيد، و شارك فيها ممثلون من "البرنامج الجهوي لدعم الوسط الرعوي في دول الساحل PRAPS” و آخرون.
و قبل نهاية الشهر نفسه ( يوم ٢٥ مارس ٢٠١٧) تم تنظيم ندوة أخرى -في كيفة- خاصة ب"التشاور حول الخطة الوطنية لتطوير قطاع الثروة الحيوانية" تحت إشراف المستشار الفني لوزيرة البيطرة المكلف بالانتاج الحيواني المهندس : محمد الأمين ولد حكّي و بتمويل من منظمة الأمم المتحدة للأغذية و الزراعة الFAO، فأين نتائج هذه الورشات سوى ارتفاع أسعار العلف و عدم توفّره في الأسواق؟!!
ارتفاع أسعار العلف ، و عدم توفّره في الأسواق:
بحسب وكالة الأخبار إنفو ( ١١/ يناير ٢٠١٨) فإن أسعار العلف ارتفعت بنسبة ٤٥٪ (من ٣٨٠٠ إلى ٥٥٠٠ أوقية للخنشة الواحدة بالنسبة لعلف "البركة") فأين هي الخطة الاستعجالية لسنة ٢٠١٨؟ و ما هي آثارها الإيجابية على المواطنين سوى عدم توفير العلف -الذي يرى كثير من المنمين بأن الدولة اشترت كميات كبيرة منه و قامت بتخزينها مما أدى إلى ارتفاع الطلب عليه في السوق و غلائه بشكل كبير؟!!
من يُنقذ المنمين و أهل لعصابة ؟!
كما ذكرتُ-سابقا- فإن بعض التقديرات تشير إلى أن حوالي ٧٠٪ من سكان لعصابة يعتمدون بشكل مباشر على التنمية الحيوانية، و إذا لم يتم إغاثتهم -قبل فوات الأوان-فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر و عدم الاستقرار في الولاية، هذه الولاية التي يبلغ عدد سكانها -حسب المكتب الوطني للاحصاء- سنة ٢٠٠٦: ٢٤٢.٢٦٥ شخصا منهم : ١٢٨.٤٦٦ من الإناث ( و ١١٣.٨٩٩ من الذكور) و من الأطفال تحت سن الرابعة عشرة ١١١.٤٦٩ . و من سكان لعصابة ٤.٢٤٨ معاقا، و ٩٥.٤٢٥ أميا ! فكيف لو ساءت أحوال المنمين و ارتفعت نسبة الفقر ؟ فمن سيُعيل هذه الآلاف المؤلفة من الإناث و المعاقين و الأميين و الفقراء الذين لا حول لهم و لا قوة و ليس لهم من يسدّ خلَّتهم ويكفي مؤونتهم؟!!
فهل ستستجيب السلطات؟ و هل ستتدخل قبل فوات الأوان ؟ و لما ذا لا يتحرك السكان و يُعلنوا رفضهم للظلم و الفقر و التهميش؟
اللهم أغثنا!