لا شك أن فكرة تنظيم معرض وطني للثروة الحيوانية في مدينة كيفه هي فكرة رائعة لما ينتج عن المعارض عموما من إنعاش للقطاعات والميادين التي تكون موضوعا لهذا المعرض أو ذاك، فالعروض والمحاضرات وكافة الفعاليات التي يقام بتنفيذها في أي معرض تسهم في التعريف بالمعروض ،وإطلاع الجمهور على كافة جوانبه وأوجه فوائده ومكنوناته مما يدفع بالقطاع إلى التقدم ويفتح أمامه آفاقا جديدة كانت ستظل مسدودة لولا كشف الغطاء عنها ، لاسيما إذا تمكن المعرض من جلب المستثمرين والسياح والهواة وعدد كاف من المهتمين والعاملين في القطاع واستطاع جذب أعداد معتبرة من الجماهير لمتابعته والاهتمام به والاستفادة مما يقدم من خدمات ومستجدات.

إنما تحويه هذه الولاية الكبيرة من ثروات حيوانية متنوعة مازالت تنتظر من يستغلها بطريقة معقلنة تعود بمردودية اقتصادية فعلية على ملاكها وعلى الوطن ، هو حافز كبير على أخذ المبادرة و تنظيم معرض للماشية في كيفه رغم أن مطالب المواطنين هنا وتطلعاتهم وما يأملون من النخب والمنتخبين هي أشياء أخرى استعجالية متعلقة بالنظافة ومكافحة الملاريا والحرائق وكيفية الحصول على لقمة العيش.

ومع ذلك يبقى القفز على هذه الاهتمامات شيئا يمكن الصبر عليه ما دام الموضوع يتعلق بالكلام عن الماشية في منطقة مثل لعصابه ، فهل يمكن أن نقول أن ما حدث في 16 و17 و18 بكيفه كان معرضا ناجحا حقق الأساسي من الأهداف المرسومة، أم أنه لا بد من الانصياع لآراء كثيرين رأوا أنه فشل بكل المقاييس؟ إن المتابع لهذا المعرض يخرج بخلاصة واحدة مفادها أنه حمل عوامل الفشل منذ اللحظة الاولى وأنه أخفق في تحقيق أبسط الاهداف إن لم يكن زاد من عمق تحطم الثقة بين المواطنين ومن يتولون شؤونهم العامة وزاد من خيبة أمل الجماهير وريبتهم في كل شيء.

وهنا سوف نحاول التعرض بشكل موجز لمظاهر الترهل والفشل في هذا المعرض .

1- على المستوى التنظيمي:

 لم يقم المنظمون فيما يبدو ببذل أي مجهود لتحسيس المواطنين وتعبئة المهتمين بالتظاهرة وهو ما أدى إلى غياب الجمهور بشكل مخجل عن التظاهرة حيث كان أغلب الحاضرين أطفالا وفضوليين ،وقد عبر المنمون عن الاستياء من تهميشهم وإقصائهم من المشاركة بشكل فعلي في هذا المعرض .

 لا وجود للتغطية الإعلامية إذا استثنينا دقائق قضتها كاميرا التلفزة الوطنية و مكرفون إذاعة كيفه.

 كان المكان المخصص للمعرض ضيقا للغاية مما جعل الخيام المضروبة لا تزيد على سبعة،ونصبت المنصة في المكان الخطإ بحيث تحتلها أشعة الشمس من أول النهار.

ونظرا لضيق المكان لم يستطع المشاركون ورعاة التظاهرة تثبيت ملصقاتهم ووضع أدواتهم إذ لم يجد أي منهم أكثر من مترين ، كذلك الأطباء البيطريون الذين لم ينزلوا معداتهم من سياراتهم إذ لا مكان لعرضها وهو ما أدى إلى مغادرة الكثيرين خلال اليوم الأول للمهرجان.

 الغياب شبه التام للربط واقتصار ما حدث على اللغة العربية وحدها وإهمال اللغات الوطنية بشكل مطلق رغم طابع التظاهرة التنموي وكذلك إسقاط اللغات الأجنبية رغم وجود ضيوف أجانب.

 عدم التقيد بأي جدول زمني أو توقيت خلال هذا المعرض ،فعلى سبيل المثال كان من المفترض أن يتم الافتتاح عند الساعة الثالثة فلم يتم ذلك قبل السادسة. وكذلك تحلل المسؤولين من إلتزاماتهم فمثلا تعهد الوزير بالعودة إلى مكان المعرض ولم يفعل ذلك حتى الآن.

 تفجر عدة أزمات ومشاكل بين العديد من الأشخاص الذين كلفوا بالقيام بمهمات وخدمات معوضة خلال هذا المهرجان وذلك عند طلبهم لمستحقاتهم وهو ما كاد ينسف هذه التظاهرة عن آخرها في عدة أوقات.

 الفوضى العارمة فلا أحد ينسى كيف تحلق كافة الحضور بالمنصة حين كان الوزير يلقي خطابه.

 لا وجود لخطة أمنية لهذا العرض تحفظ الأشخاص وممتلكاتهم ولم يكن ثمة أي شكل من أشكال الحراسة فكان الأطفال والسراق يعبثون بمعروضات الشركات فلم يستطع أي أحد السيطرة على الموقف،وهنا نذكر بما حدث لإحدى شركات الاتصال عندما كان أحد عمالها يحمل كيسا ليوزع بعض الأقمصة والقبعات فانتزع الكيس عنوة من يده من قبل الحضور. 2- على مستوى الفعاليات والمضامين :

  كان المعروض من المواشى قليلا ومفاجئا للحضور؛ بضع بقرات ومثل ذلك من الجمال وشياه غنم وماعز ، ومن الواضح أن هذه المواشي لم تنتقى على أساس أية معايير وتبدو مأخوذ بطريقة لم تراعي شروط العرض رغم كثافة المواشي بالولاية وجمال الكثير منها ومن الباعث على السخرية حقا أن واحدة من بقرات المعرض فاقدة لأحد قرونها !

  لم ينظم أي سباق ولا رياضات للمواشي ولم تحلب أمام الجمهور شاة ولا بقرة ولم يكلف المشرفون أنفسهم تمكين المشاهد من اكتشاف الكثير من محاسن وفوائد هذه الأنعام.

  لم يستطع المنظمون إقناع أي مستثمر أو مستورد لحضور التظاهرة.

  غلب في العرض الجانب المتعلق بالثقافة والشعر والمسابقات السخيفة التي تبتعد عن مضمون المناسبة .

  غياب الشفافاية في توزيع الجوائز على ملاك المواشي المعروضة بسبب ارتجالية التحكيم وتغييب البيطريين.

  كان من المفترض أن يعتمد بشكل مطلق على المواطنين المحليين فتشترى منهم خبراتهم وتجهيزاتهم وهو ما لم يحدث حيث تم استيراد معظم الأثاث والمستلزمات من انواكشوط وحتى اللافتات خطت خارج المدينة وهو ما ولد موجة من السخط في أوساط الحرفيين و الشباب ومنظمات المجتمع المدني .

  في البرنامج المعلن كان من المقرر أن تلقى 7 عروض تتناول كافة جوانب التنمية الحيوانية ومالها من أهمية وقد تم الاكتفاء فقط باثنين أو ثلاثة كما أن عددا من المحاضرين قد قاطع التظاهرة أخيرا نظرا لشعورهم بالتهميش وعدم جدية العملية.

  سجل المعرض أقوى درجات الإنحراف خلال الليلة الثانية ففي محاولة لانعاش سهرة فنية تفاجأ الناس ببعض الحضور وهم يتراشقون في المكرفون بالعبارات التي تمجد هذه القبيلة أو تلك والتعرض لأصول القبائل والتفاخر بالأنساب وقد عبرت هنا مجموعة "إفلان " عن تذمرها وهددت بالإنسحاب وهو ما ترك أثرا بالغا في نفوس كل الذين يطمحون أن تسلك مناسبات من هذا النوع مسلكا يسهم في الاندماج الاجتماعي وفي السكينة والتقدم. يمكن القول أن هذا المعرض قد تم اختتامه مباشرة بعد جلسة الافتتاح إذ لم يحدث بعد ذلك ما هو جدير بالاهتمام ومن الغريب أن أي مسؤول لم تطأ قدمه أرض المعرض بعد الافتتاح حتى حان وقت الاختتام في اليوم الأخير. ولذلك شد الكثيرون رحال العودة منذ اليوم الأول وهو ما يصادف هوى في أنفس المنظمين ، والزائر لمكان العرض في اليوم الأخير لا تقع عينه على لافتة أو ملصقات أو معروضات أو جمهور و أي علامة على وجود معرض.!

لقد أراد منظمو معرض الثورة الحيوانية بكيفه استنساخ معارض أخرى استطاعت تحقيق النجاح كما حدث فى عين فربه وتجكجة ،ولكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا . وتطوى خيام المهرجان ويستعيد باعة البقر حظيرتهم دون أن يستفيد المنمون شيئا ودون أن تفتح أية آفاق أمام الثروة الحيوانية بهذه الولاية .

صحيح أن باعة الثلج والنعناع والخبز قد ازدادت مبيعاتهم أثناء فترة المعرض ،ولكن سكان مدينة كيفه يطلبون فقط أن يصبحوا على مدينة نظيفة ذات شوارع فسيحة ومبلطة ، وبها ساحات خضراء ومنتزهات ومنتخبين يفتحون هواتفهم ويلتقون بالمواطن حينما يريد .