ظل المثال الذي ضربه الرئيس المؤسس المخطار ولد داداه من دون متابعة –لا في موريتانيا ولا في إفريقيا ولا العالم العربي- سواء في السياسية أو في كتابة المذكرات الشخصية حول مرحلة ممارسة السلطة. وحده مفوض سام سابق لمنظمة استثمار نهر السنغال، قام بذلك!

ولمجرد أن وزيرا سابقا أدى واجبه تجاه معاصريه وتجاه التاريخ، فإن الأمر يثير التقدير. لكنه ينتزع الاعجاب حين يؤدي هذا الواجب كاشفا عن تجربة مهنية هائلة مع دقة في التواريخ والسماء وخلاصة للعلاقات الرئيسية لموريتايا، وحين يثير طبيعة علاقاته مع رئيس الجمهورية ويحلل باتزان أهمية اللحظة الأولى من نوعها منذ القطيعة الكارثية لسنة 1978، حيث استعادت موريتانيا مكانتها ومصداقيتها نتيجة إفضاء الانتقال الديمقراطي الذي انطلق سنة 2005 إلى انتخابات مجمع على نتائجها وإلى برامج والتزامات حكومية مرحب بها من طرف كل الشركاء السياسيين والممولين...

ومع أنه تذهب به بعض الاستطرادات أحيانا بعيدا عن قرائه، فإن محمد السالك ولد محمد لمين شاهد على نوعية التكوين الذي تقدمه المدرسة الوطنية للإدارة وهو أمر غير معروف، بل إن موريتانيا قد تكون الدولة الوحيدة التي لا تعتبر فيها الدبلوماسية مهنة. ويكشف اختياره على أساس كفاءاته من طرف الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله –الذي لم يكن يعرفه لكنه قرأ نبذة حول مؤهلاته- والوزير الأول الزين ولد زيدان –الذي لم تكن تربطه به صلة سوى أنهما ولدا في نفس الفترة في تامشكط- يكشف هذا الاختيار عن بصيرة سياسية نافذة.

وانطلاقا من علاقاته في الأوساط الدبلوماسية والحكومية الخارجية، فإن وزير الخارجية الجديد –الذي كان نائب رئيس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان كانت تنتظره مهمات جسيمة للقيام بها فيما لو لم يحصل الانقلاب العسكري: انتخاب سيدي ولد الشيخ عبد الله رئيسا للاتحاد الافريقي؛ عودة موريتانيا إلى مجلس الأمن بعد 30 سنة من الغياب عنه؛ بالإضافة إلى الارتقاء بالمصادر البشرية للبعثات الدبلوماسية. وقد حصل على كل الصلاحيات الضروروية والدعم الكامل للرئيس بخصوص نقطتين: امتيازات الملحقين العسكريين والانعاش الثقافي للجالية الموريتانية في السنغال.

لقد أتاح كتاب الوزير السابق، التعريف لأول مرة بطريقة تامة لكن مختصرة، بالآليات الذهنية والعملية لتسيير الدولة الموريتانية، كما فصل مواضيع السياسة الخارجية الموريتانية وشركائها. وفي هذا المستوى بقيت كتابته جزئية وجامعية.

ولد عبد العزيز اخترعته الأخطاء المرتكبة

يفضل ولد محمد السالك أن تستعيد وظيفة الرئاسة أصالتها، وهو يعرف موريتانيا على العموم مجهولة في الخارج، لكنه يطرح مختلف المشاكل المتعلقة بالاتصال والدعاية لبناء صورة وطنية انطلاقا من وعي بذهنية محبطة انتجتها القطيعة مع الأساليب المؤسسة السابقة على انقلاب 1978. إنه لا يتحدث بصفة شخصية عن الرئيس ولا عن زملائه الوزراء ولا حتى عن محمد ولد عبد العزيز الذي يعتبره نتاجا للأخطاء المرتكبة.

وحين ينقل خلافاته مع سيدي ولد الشيخ عبد الله يحتفظ بها لنفسه أو للرئيس وحده. يتناول بوتفليقة والقذافي (الذي اعاد مع السلطات الجديدة محاولة الابتزاز التي سبق وفعلها بومدين مع المخطار ولد داداه في بشار سنة 1975 وواجهه ولد الشيخ عبد الله بنفس الموقف المستقل والوطني)، ومسأة التعامل المبعدين حين كان الرئيس حكما على يال زكريا وزير الداخلية، ثم قضية تصويت دولي بشأن كوبا حين كان الوزير يفضل أن لا تتخلى موريتانيا عن تقاليدها...

وحول القضايا الرئيسية المتعلقة بالتحديات التي كان على موريتانيا رفعا في علاقاتها الدولية، تاتي عروض محمد السالك بمثابة دروس عالية المستوى لا يماثلهم سوى ما ورد في مذكرات المختار ولد داداه من فصول حول نفس المواضيع: الشركاء المغاربة، الاتحاد الافريقي، الاتحاد الأوربي، الاتحاد الافريقي بين جنوب إفريقيا وليبيا، التعاون مع الصين، اليابان، البرازيل، ألمانيا.

القبلية تنتصر

لم يكن محمد السالك لا فاعلا ولا شاهدا على فترة انتخابات مارس 2007 وما سبقها مع المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، وكذلك إقالة حكومة الزين ولد زيدان ورئاسة سيدي ولد الشيخ عبد الله، غير أن تحليله هو الأكثر تميزا سواء من حيث الشكل أو الأصالة، ذلك أنه ركز على الأحداث بدل الأشخاص ليتوصل إلى أن القبلية التي تمت تغذيتها منذ انقلاب 1978 قد انتصرت اليوم وأن الجيش الوطني لم يعد موجودا كجيش.

ملخص ل:

UN OUVRAGE DE MOHAMED SALECK OULD MOHAMED LEMINE, MINISTRE DES AFFAIRES ETRANGÈRES DU 1ER MAI 2007 AU 6 MAI 2008 - L’HARMATTAN. PARIS - MAI 2012 - 264 PAGES

diffusion.harmattan@wanadoo.fr & harmattan1@wanadoo.fr

PAR BERTRAND FESSARD DE FOUCAULT

ترجمة اقلام