عرفت الآونة الأخيرة تصاعد وتيرة الاحتجاجات والهتافات غير المرحبة برئيس الجمهورية في أكثر من مكان في البلاد، بل والقذف بالحجارة والأحذية والعبارات النابية، كما حدث قبل أيام في مطار نواكشوط لدى استقباله لجثامين الدعاة الذين قضوا على أيدي عصابة إجرامية تابعة للجيش المالي.

لم تكن حادثة المطار الأولى من نوعها، فقد شهدت مهرجانات شعبية ترأسها ولد عبد العزيز في نواذيبو وروصو ومكطع لحجار، وكذلك برنامج لقاء الشعب الأخير في مدينة أطار، هتافات تدعو لرحيل النظام على بعد أمتار قليلة من المنصات التي يقف أو يجلس عليها الرئيس.

لا ضير في أن يكون الجميع أحرارا في التعبير عن آرائهم بكل حرية وتحت أي ظرف، لكن احترام الدولة وانتقاء الأساليب المناسبة لإيصال الرأي إلى هرم السلطة يجب أن يظل الأسلوب المتبع في التعاطي مع الشخص الأول في الدولة، مهما اختلفنا معه، وهو الأمر المنوط فرضه بوزارة الداخلية باعتبارها الجهة المسؤولة عن الأمن وجزء غير يسير من الأمن؛ التي كان عليها أن ترصد كل ما من شأنه تعكير الجو الذي يتحدث فيه الرئيس إلى مواطنيه.

غير أن بعض المراقبين يرى في تحميل وزير الداخلية وزر التطاول على هيبة الدولة إجحافا بولد ابيليل الذي لم يعد يملك من الوصاية على الأجهزة التابعة لوزارته غير ما تتضمنه قوانين ترقد في أدراج الوزارة دونما تطبيق على أرض الواقع.

فجهاز الأمن أصبح تابعا للجنرالات، حيث تعاقب عليه اثنان من الجيش والدرك، رغم أن المنطق قد لا يستوعب غياب وزير الداخلية عن إدراك الترتيبات الأمنية المحضرة لأية زيارة يقوم بها الرئيس.. كما لم يستوعب تقديم إدارة الأمن الاعتذار لمنظمة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، لأول مرة في تاريخ البلاد، تماما كردها على اتهامات بالعنصرية صدرت عن حركة لا تلمس جنسيتي فيما يتعلق بتحويلات في مفوضي الشرطة.

ولعله من غرائب الدنيا أن تعمد إدارة الأمن إلى تحويل أشخاص لعدة مرات في أيام معدودة لوظائف متعددة، في مخالفة سابقة من نوعها لنظام التحويلات التي تتم عادة دونما استرضاء لأي طرف غير معني بها على الإطلاق.

وكذلك جهاز الحرس، الذي يديره جنرال آخر، فلا سبيل لخضوعه لوصاية وزير الداخلية، بل إن بعض عناصره في ثلاث مقاطعات من مقاطعات نواكشوط التسع، هي السبخة والميناء والرياض، باتوا يفتشون عن أوراق السيارات، في مهمة تم تحريمها على الشرطة لصالح كتيبة أمن الطرق التي يديرها جنرال آخر. ويرى كثيرون أن إدارة الأمن من لدن ضباط المؤسسة العسكرية انتقاص من قطاع الشرطة الذي يفترض أن يكون من بين ضباطه من بلغوا سن الرشد وبات بإمكانهم التربع على هرمه بدل جنرالات الجيش وعقدائه الذين أعدوا لمهام جد مختلفة عن تلك التي يقوم بها جهاز الأمن. ثم إن قطاع الحالة المدنية أخرج بشكل كامل عن عباءة وزير الداخلية ليصبح جمهورية مستقلة تجبى إليها ثمرات كل شيء، حتى عائدات تأشيرات الدخول عبر المنافذ البرية والجوية التي ظلت إلى وقت قريب تابعة لإدارة الحوزة الترابية بإدارة الأمن المفروض أن تكون خاضعة لوصاية الداخلية.

ويعيد متابعون أسباب الأداء الهزيل لوزارة الداخلية واللامركزية إلى جملة أمور لعل من أهمها ضعف الوزير محمد ولد أبيليل الذي أسندت إليه مهمة قيادة القطاع في ظرف ميزه تنامي حركات الاحتجاج بسبب عواصف الربيع العربي وما نجم عنها من تهاوي أنظمة حكم عتيدة في أكثر من بلد عربي. فالرجل رغم تجربته الطويلة في الإدارة الإقليمية، ورغم كونه قادما للوزارة من داخل قبة البرلمان لم ينجح في إدارة ملفاته الإقليمية، ولم يحافظ على علاقات متميزة برفاقه النواب.

فاللامركزية خرجت من تحت عباءته، كما أنه كان الوزير الأكثر صدامية مع البرلمانيين الذين مارس معهم أساليب التهديد، والشتم في أكثر من دورة وجلسة برلمانية.

فمتى يدرك الرئيس أن حكومته تعاني العجز والفشل في تطبيق برنامجه الانتخابي، بل وحتى حماية هيبة الدولة، التي تم إسنادها لوزير تجاوز سن التقاعد؟؟

السفير