الصفحة الأساسية > الأخبار > موريتانيا إلى أين ؟ (الحلقة الثانية)

موريتانيا إلى أين ؟ (الحلقة الثانية)

الخميس 31 آذار (مارس) 2016  10:30

أصحاب البوربوكادا الأولى يتعمدون تسطيح قضية العبودية مظهرين أنها لم تعد سوى آثار بل إن الأسياد القدماء في الظروف الحالية هم الخاسر الأكبر في استمرار هذه العلاقة بينما الطرف الآخر هو وحده المستفيد منها . في حين يرى أصحاب الطرح الآخر أن العلاقة بالأساس قائمة على نوع من أنواع الاستغلال الذي يكرس وضعية الاضطهاد التي يعاني منها لحراطين أو العبيد السابقين ، والتي تتجلى في تدني مستويات الدخل الفردي والجماعي وهشاشة السكن ، قلة الاعتبار و ضعف مستوى المعيشة لدى الغالبية العظمى لهذه الشريحة . وما لا يقوله أي طرف من الطرفين هو أن جوهر هذه المشكلة متأت من تفاوت توزيع الثروة وامتلاك الوسائل المادية للإنتاج هذا التفاوت الذي يفسر في مستويات معينة اختلاف تمايز السادة عن العبيد بين المكونات الوطنية رغم أن فلسفاتها حول الظاهرة واحدة بل قد يكون إيمان المكونات الزنجية بهذه الممارسات أكثر رسوخا في العقل الجمعي ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن عامل لون البشرة له دوره في فضح أو التستر على ظاهرة العبودية من مكون إلى آخر. و لعل ثاني معضلة في هذا البلد هي مشكلة اللغة والتعايش بين المكونات الوطنية .

إشكالية اللغة الرسمية واللغات الوطنية :

طرحت إشكالية اللغة الرسمية واللغات الوطنية منذ المراحل الأولى للاستقلال من قبل النخب الوطنية وبعض الحركات السياسية في شكل دعوات إلى الاستقلال الثقافي كشرط لازم لتتويج الاستقلال السياسي الذي تحمس له معظم الشباب في تلك الفترة ولكن المستعمر وهو يعي أهمية اللغة لتكريس الهيمنة كان قد أقام المدارس والمعاهد لفرض ثقافته على الأجيال التي من شأنها أن تتولى شؤون الدولة بعد الاستقلال .

فكان الجيل الأول المؤسس لهذه الدولة من المتفرنسين ولاغرو، ذالك أن اللغات الوطنية وأكثرها تطورا في ذالك الحين ، اللغة العربية ، كانت تعاني الكثير من المعوقات منها ما هو موضوعي ذاتي ومنها ما هو قهري مقصود .

و مهما يكن من أمر فقد بدأت الدولة الفتية ترسي قواعدها بتؤدة مع كثير من الانسجام والوحدة بإستعمال لغة واحدة هي لغة المستعمر . ولكن ما إن بدأت النزعات الهوياتية في البروز للسطح حتى تحول الاستقلال الثقافي من هم ومطلب وطني إلى مشكلة ومعضلة وطنية . فكيف يطرح المشكل الثقافي في بلدنا و ماهي إشكالية اللغة الرسمية واللغات الوطنية ؟ وهل يوجد تعارض بينها ؟ وما هي أحسن السبل لحل هذه الإشكالية وتجاوزها ؟ وما مدى أولويتها وإلحاحيتها بالمقارنة مع الحاجة إلى التنمية والديمقراطية ؟

تلك بعض من الإشكالات التي سنتعرض لها وفق مقاربة تركز على الإثارة أكثر منه على تقديم الحلول ذالك أن فهم المشكل هو جزء من حله .

1- اللغة العربية لغة رسمية : تعتبراللغة العربية من اللغات العالمية وهي لغة غالبية الشعب الموريتاني وقد تم ترسيمها عبر القانون الدستوري 1978 كما أكد دستور 1991 أنها اللغة الرسمية للدولة .وتاريخيا تم ادخال اللغة العربية في النظام التعليمي منذ 1966 وقد نتج ذالك تلك الأحداث المؤلمة وتلك الصدمة الاجتماعية التي هزت السلم والتفاهم بين المكونات الوطنية لأول مرة أحداث(66) التي ندفع فاتورتها إلى اليوم .

و رغم ترسيمها دستوريا إلا أنها بقيت هامشية و مهمشة على صعيد الفعل الإداري والرسمي والواقع أن استمرار هيمنة اللغة الفرنسية في الدوائر الرسمية لم يأت من العبث بل هو بفعل أيادي واعية و متنفذة لست هنا لفضح مآرب تلك العقول التي هي بالمناسبة من مختلف المكونات الوطنية .، ولكن عناصر المكونة العربية من هذا الطابور - رغم أهميته وفاعليته - تتستر وراء آلاف الحجب ، والحق يقال أن من يريد لنفسه ولأبنائه مناصب قيادية في هذه الدولة ينبغي عليه أن يعلمهم اللغة الفرنسية . فهي لغة الإدارة والعمل ولا تزال تتمتع بصفة الاعتبار والهيبة . ويجب أن يكون واضحا للجميع أن من يحرسون على أن تظل للفرنسية هذه المكانة وهذا الاعتبار حتى يتسنى لهم الاستمرار في السيطرة والتحكم في مقاليد الدولة لفترة أطول ، نفس هذه العناصر المتنفذة هي التي تفتعل في كل مرة أزمات بين اللغة العربية و اللغات الوطنية مسممين الأجواء بتسويق دعايات مفادها أن المكونات الزنجية ترفض العربية وتفضل الفرنسية وتتمسك بها وفي المقابل تروج على مستوى الزنوج أن حرص المكونة العربية على تدريس العربية ليس إلا لتكريس تهميش الزنوج و إقصائهم . وأنهم أي المكون العربي يرفضون تدريس اللغات الوطنية إمعانا في ذالك التهميش والازدراء بأهالي هذه اللغات . تشاع كل الترهات هذه لغرض إقناعنا بضرورة الإبقاء على الفرنسية كلغة تواصل.

اللغة العربية عند المكونات الزنجية : اللغة العربية كلغة للحضارة الإسلامية هي لغة مقدرة ومتبناة من قبل مختلف المكونات الوطنية ، كيف لا و هي لغة كتاب ربّهم جل علاه ، وهم المؤمنون به أشدّ الإيمان . و لا يمكن أن يشك في ذالك إلا من كان جاهلا للطبيعة الروحية لهذه المكونات ولماضيها التاريخي . وما حقيقة الحاج عمار تال والحاج محمود باه وغيرهم من أمراء دولة ألماميبي وما الرسائل القديمة لمشاييخ فلبي المكتوبة بالحرف العربي إلا دليل آخر على أن المكونات الزنجية لم تتحفظ أبدا من اللغة و الثقافة العربية .

المكونة العربية واللغات الوطنية : ظلت اللغات الوطنية حتى تاريخ قريب لغات غير مكتوبة إلا أن مشروع كتابتها بدأ بعيد الاستقلال مباشرة حين تم اعتماد أبجدية انيابنى من طرف الإسيسكو. كما تم الاعتراف بها كلغات وطنية و أقرّ تجريب تدريسها خلال إصلاح 1978 . وبدأ توظيف أبجدية انيابنا بفعالية من طرف معهد اللغات الوطنية خلال سنوات تجريب تدريس اللغات الوطنية على المستوى التعليم الابتدائي وكان من المقرر أن تدمج كليا ضمن المناهج التربوي بعد الفترة التجريبية (86 ) ولكن جرت الرياح بما لا تشهي السفن حيث استمرت هذه المرحلة التجريبية إلى أن دخلت في حالة بيات شتوي ، نتيجة سياسة شد الحبل بين حركة أفلام و التيارات القومية العربية ، التي وجدت في نظام ولد الطايع ظهيرا لها . وانتهزت هذه الحركات فرصة أحداث (89 ) لإشاعة الفرقة وخلق أزمة الثقة بين المكونات الوطنية ودفعها إلى نقطة اللاعودة . ورغم سوء طوية هذا الطرف أو ذاك أثناء تلك الأحداث المأساوية إن هناك بقية أخلاق تدل على انتفاء العنصرية كأيديلوجيا في هذا البلد حيث نجد من الناحية التاريخية أن العناصر الموحدة تتعدد و تتجذر في التراث الثقافي لجميع المكونات فهناك العديد من عناصر التراث الثقافي للمكون العربي مأخوذة من ثقافة المكونات الزنجية كالموسيقى ونظام التراتبية الاجتماعية وكذا الألقاب الفخرية التي قلما توجد في المجتمعات العربية الأخرى وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على إنعدام أية نزعة عنصرية لدى هذا المكون . إلا أن الممارسة و الفعل الرسمي ونتيجة لكون المكون العربي هو أكثر حضورا على مستوى مراكز القرار السياسي وبفعل تمركز القرار بأيادي ثلة قليلة ونسبة الأقليات فيها هي أقل القليل فإن الشعور هنا أيضا يسوده الكثير من الضباب وعدم الوضوح فيتعمد البعض إعطاء الإقصاء الذي تعانيه أغلب الشرائح بعدا عنصريا بناء على نسبة ذالك الإقصاء على مستوى شرائحهم الخاصة غاضين الطرف عن من يعانون نفس الوضعية من الطرف الآخر .

ومن أجل الترويج لدعاياتهم هذه لا يتورعون عن استخدام جميع الوسائل بما فيها الوسائل الرخيصة . وفي هذا الإطار تتموضع إشكالية اللغات الوطنية كإشكالية وهمية يتم تزويرها في أغلب الأحيان باستحضار اللغة الفرنسية . والواقع أن هذه الإشكالية وهمية ومختلقة من قبل النزعات الشفونية والضيقة وبمباركة الأنظمة القائمة التي لا هم لها سوى ما يزيد أمد بقائها ، فلا تعارض ولا مشاحنة بين اللغة العربية و اللغات الوطنية وتوجد عداوة ولا كراهية بين المكونات الوطنية بل التنوع والتعدد الموجود ينبغي أن يستثمر في بعده الإيجابي ولكن كيف ولأية غاية ؟

يتواصل

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016