الصفحة الأساسية > الأخبار > موريتانيا إلى أين ؟/ بقلم ممدو الطيب صو

موريتانيا إلى أين ؟/ بقلم ممدو الطيب صو

السبت 5 آذار (مارس) 2016  15:00

الأستاذ : ممدو الطيب صو

هذا سؤال يطرح نفسه على كل الموريتانيين اليوم أكثر من أي وقت مضى نظرا لتعدد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه هذا البلد ضمن فضاء إقليمي وشبه إقليمي يمتاز بالإرهاب والجرائم اللانمطية العابرة للحدودْ ، والذي يعتمل بتناقضات و تحولات خطيرة تهدد كيانات الدول الوطنية الهشة أصلا .

ومهما يكن من أمر فإن طرح هذا السؤال هو من باب الحرص على لفت انتباه الرأي العام وكذالك القائمين على الشأن العام لهذا البلد ، لكي يتداركوا الوضع قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة . ذالك أن هناك العديد من المؤشرات المقلقة بدءا بانتعاش النزعات الفئوية والشرائحية مرورا بالمسألة العقارية ومشكلة الإرث الإنساني المزمنة ، وانتهاء بالانتخابات وأزمة الثقة بين الفرقاء .

ومن هنا إلحاحية طرح هذا السؤال ومحاولة تقديم مقترحات حلول قد تفتح الباب لاقتراحات أكثر إجرائية وقيمة. فماهي الأسباب الحقيقية للوضع المأزوم الذي يعيشه بلدنا منذ فترة ؟ وما نسبة التراكمية والراهنية فيه ، بمعنى هل للأنظمة السابقة دور ما في الأوضاع الراهنة ؟

أم أن النظام الحالي وحده يتحمل كل أوزار هذا الوضع المأزوم ؟

وما هو الوضع الحقيقي الاجتماعي و المعيشي للمواطن الموريتاني اليوم ؟ وما مدى تأثيره على ما تشهده الساحة من حركات واحتجاجات ؟ وما مستوى خطورة تلك التظاهرات والاحتجاجات وإمكانات تحولها إلى احتجاجات عنيفة ومدمرة ؟ و ماهي أحسن السبل لتجنيبها اتخاذ تلك المسارات الخطيرة و المدمرة ؟

من أجل معالجة هذه الإشكالية لا بدّ أن نعود قليلا إلى الوراء لنتتبع المسار السسيوتاريخي لهذا الكيان المسمى بموريتانيا قصد تلمس البدايات الأولى لهذا التكوين وما أنطوى عليه من إختلالات بنيوية و أخطاء تكوينية لا تزال تفعل مفعولها إلى اليوم .

لم يخلف المستعمر وقت إنسحابه من هذا البلد أية منجزات لا عمرانية ولا بنى تحتية إدارية ولا مشاريع تنموية بل أكثر من ذالك لم يعمل حتى على تكوين مواطن يتمتع بثقافة و روح مدنية . وكلما يمكن وضعه في رصيد المستعمر هو بعض المدارس والمعاهد (معهد بتلميت،إعداديات أطار،كيفه،كيهيدي ....إلخ) وذالك لاشك لحاجة في نفس يعقوب . لم يكن المستعمر إذن يولي كبير عناية للمجال الموريتاني – هذا المجال البدوي العصي على السيطرة – لكن حاجة المستعمر إلى تأمين تجارته عبر الصحراء أرغمته على إبرام اتفاقات وتحالفات مع الزعامات القبلية التقليدية والإقطاعيات العقارية على مستوى الضفة ،

من أجل ضمان مصالحه الخاصة ، ونتيجة لهذه الضرورة العملية تغاضى المستعمر عن ما كان سائدا في المجتمع التقليدي من غبن وحيف إجتماعي عكسا لقيم الحرية الأثيرة في المجتمع الفرنسي آنذاك .

نشأت الدولة الوطنية إذن كتتويج لهذا المسار و بدأت ترسي قواعدها بتؤدة على أساس هذا الماضي التاريخي . ولئن حدثت بعض الإنزياحات والتعديلات فبطريقة فوقية لا تمس جوهر وأساس البناء الاجتماعي المادي. حافظت الدولة الحديثة إذن على الهيكل التنظيمي للمجتمع التقليدي وعلى قيمه واعتباراته الرجعية البائدة . ولم تكن الجمهورية الأولى سوى نوع من مرتنة الاستعمار و التسيير اليومي للشأن العام وفق توافقات وتمصلحات تضمن للنظام الاستقرار. ولم يحدث أبدا اتفاق أو عقد تأسيسي لهذا الكيان البرزخي .

هكذا استمرت الدولة الوطنية تعاني من أمراض اجتماعية معيقة لأي توجه نحو التنمية والتقدم . ولعل من أهمها وأخطرها مسألة العبودية التي تتعاطى معها النخب السياسية والفكرية وفق منطق متهافت ومتناقض ففي الوقت الذي يقر فيه الجميع ببشاعة هذه الظاهرة ويعلنون رفضهم لها إلا أن الظاهرة تبقى موجودة ومترسبة في اللاشعوري الجمعي و في بعض المظاهر والاعتبارات الاجتماعية .

ومن هنا الجدال الفكري والسياسي حول العبارة التي ينبغي أن تطلق على هذه الظاهرة في وضعها الحالي :

العبودية اوآثارها بين التسطيح والتهويل : كغيره من المجتمعات التقليدية عرف المجتمع الموريتاني بمختلف أعراقه ومكوناته ، ظاهرة الاستعباد إلا أن التعاطي مع ظاهرة العبودية من حيث الخفة أو الكثافة اختلف من مكون إلى آخر . تبعا للظروف والملابسات التاريخية وهذا البعد التاريخي الموضوعي . يحاول الكثيرون القفز عليه مظهرين أن ممارسة العبودية واحدة لدى جميع المكونات الوطنية وأن التركيز فقط على ممارسة هذه الظاهرة لدى المكون العربي لا يخلوا من مآرب ذات علاقة بأجندة معينة .

وهذا الطرح له ما له وعليه ما عليه ولكن قبل الخوض في هذه النقطة دعونا نفصل القول حول جوهر المشكل هل ماهو موجود اليوم في موريتانيا هو عبودية أم آثار للعبودية؟ وما الفرق بين العبودية و آثار العبودية ؟

العبودية ممارسة إجتماعية بائدة سادت جميع المجتمعات البشرية نظرا لإحتقار العمل في المجتمعات التقليدية ولكن الميل للراحة والكسل جعل هذه الممارسة تستمر داخل بعض المجتمعات أكثر من بعضها الآخر. و ساعد في تكريس ذالك تفاوت توزيع الثروة و ملكية الوسائل المادية للإنتاج ، ولكن مع تطور جدلية السيد و العبد سيحدث الاستعراف (كتتويج للصراع التاريخي بين السادة والعبيد ) حسب هيجل .

أما عن الآثار فهي جملة المخلفات التي تتركها مثل هذه الممارسة سواء على مستوى العلاقات الفردية أو الجماعية و من هنا فالآثار وثيقة الارتباط بالممارسات ، و فعلا قد تكون الآثار آثارا لممارسة تاريخية ولكن ذالك يقتضي أن يمر فاصل زمني يشرع الصفة التاريخية لتلك الآثار. والواقع أن عدم وجود هذا الفاصل الزمني ينفي عنها صفة التاريخية ، هذا إن غضضنا الطرف عن الحالات التي تكتشف هنا أو هناك و التي إن دلت على شيء إنما تدل على وجود الظاهرة ذالك أن التواتر ليس شرطا في الظواهر الاجتماعية ، كما أن الاستثناء إنما يؤكد القاعدة . ومهما يكن من فإن سياقات وأطر النضال ضد هذه الظاهرة المقيتة تبقى حتى الآن توحى لأن هناك خللا ما في مدى صدقية إرادة مختلف النخب في النضال ضد الظاهرة وليس أدل على ذالك من كون أغلب المتصدرين لمنابر النضال الحقوقية منها والسياسية هم في الغالب من هذه الفئة وهو لعمري ما أسهم في جعل النضالات في هذا المجال ضحية بوربوكادا تبسيطية تسطيحية من جهة وتهويلية مغالية من جهة ثان

1 مشاركة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016