جرتني الأقدار إلى المناطق الحدودية بين موريتانيا ومالي، فشهدت مفارقة صادمة تختصر واقع دولتنا: في القرى الموريتانية، يغيب كل ما له صلة بالحياة الكريمة؛ لا ماء، لا كهرباء، لا طريق معبد، لا مدارس لائقة، ولا مراكز صحية توفر أدنى خدمات العلاج. إنها قرى منسية، تعيش على هامش الدولة، وكأنها لا تُحسب ضمن حدود الوطن.
وعلى الجانب المالي، قرى بسيطة لكنها مربوطة بالطرق، وتتوفر فيها مقومات الحياة الأساسية. هذا يُظهر كم هو مريع غياب أذرع الدولة التنموية في قرانا، فالتنمية عندنا تبدو وكأنها رفاه لا حق، وغيابها ليس صدفة بل تقصير مزمن وفشل إداري لا يُغتفر.
ورغم هذا السكون القاتل في المرافق والخدمات، يلفت النظر الحضور العسكري الموريتاني القوي والمنضبط: جيش وطني، ودرك جمهوري، حاضرون في كل وقت، بجدية ومهنية، وحسن تعامل مع الساكنة. إنهم وجه الدولة الحقيقي، وجدارها الحامي، وموضع ثقة المواطن حين تغيب كل الوزارات والمشاريع والخطط.
لولا هذه القوات، لكانت القرى الحدودية نهبًا للفوضى والنسيان، فهي وحدها التي تحضر حين يغيب الجميع، وتؤمّن حين يُهمل الآخرون، وتثبت أن في الدولة جهازًا لا ينام.
كتبنا هذه الأحرف شكرًا لهم، وتذكيرًا للحكومة بضرورة جدية العمل التنموي.
الأستاذ الفقيه محمد الصحه ديدي/ لوكالة كيفه للأنباء