المواطن في لعصابه ليس متروكًا بل مفقودا / الأستاذ الفقيه محمد الصحه ديدي

يقول الفقهاء إن الترك فعل، ولكن حكومتنا المنتخبة ارتقت بهذا المعنى إلى مرتبة أسمى: فقدان المواطن، لا مجرد تركه.

في ولاية لعصابة، لم تُهمل الخدمات فحسب، بل كأنها ضلّت الطريق، أو لعلها ما قصدتها يومًا.
المواطن هنا لا يعيش التهميش، بل يعايش محوًا بطيئًا، كأن اسمه قد سقط من سجلات الدولة دون قصد، أو قُصد إسقاطه دون اعتراف.

فالطبيب يحدق في الجدران أكثر مما يعاين الأجساد، ويكتب وصفاته في ضوء مصابيح مكسورة وأمل مكسور.
والمعلم يرفع صوته في صف خاوٍ إلا من العطش والتعب، يناول التلاميذ ما تيسّر من الحروف، ويخبئ الجوع تحت سبورة الطباشير.
أما الطفل، فيمضي إلى مدرسته كما يُساق إلى المجهول، لا يدري أهي دار علم أم محطة انتظار لما لا يأتي.

وأما الغذاء، فليس مجرد أزمة، بل ذكرى تُستعاد كما يُستعاد الغيث في سنة مجدبة.
الحديث عنه بات أقرب إلى الحنين منه إلى التخطيط؛ كأن الناس يذكرونه كما يُذكر الزائر الغائب، الذي مرّ مرة، ثم لم يعد.

وفي هذا كله تتجلى عبقرية الحكم:أن تفقد شعبك دون أن تفقد مقعدك،
وأن يعم الغياب فلا يشتكي أحد، لأن الصوت قد تاه هو الآخر.

فيا أهل لعصابة، لا تقولوا تُركنا، بل قولوا: فُقدنا.فهذا أبلغ، وأصدق، وأشد وقعًا على الضمير، إن بقي من الضمير بقية.

وإن كانت الولايات الأخرى على هذا الحال،فالحمد لله على النسيان العادل، والفقد الشامل.
وما أعدلها من حكومة نسيتنا جميعًا بالعدل والمساواة.

محمد الصحه ديدي

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.