حين لا يُثمر التدين: فساد إداري ومالي ومتاجرة بالممنوعات/ الأستاذ الفقيه محمد الصحه ديدي

أي صدمة هذه؟! وأي وجع أشد على النفس من أن ترى الفساد يزحف في أروقة مجتمعٍ يُفترض أن يكون التدين فيه صمّام أمان؟! كيف يُعقل أن تنبت خلايا الفساد في أرضٍ يتردد فيها ذكر الله، وتُرفع فيها المآذن، وتُقام فيها الصلوات؟!

أليس مما يدوّخ العقل، ويفجع القلب، أن ترى وجوهًا يعلوها مسحة الصلاح، تخفي تحتها ممارساتٍ مدمّرة، لا تمت إلى الدين بصلة؟! أليس مدعاةً للدهشة والاستنكار، أن ينشأ في بيئة يغلب عليها الورع، من يُهرّب الممنوعات، ويختلس المال العام، ويُدير الفساد في الخفاء، ثم يتصدر المشهد كأنه من الأخيار؟!

هؤلاء لا يتكلمون باسم الدين، ولكنهم يعرفون تمامًا كيف يتقنون التمثيل به، يلبسون ثوب الورع أمام الناس، بينما قلوبهم تهفو إلى الغنيمة والسلطة، وعقولهم تُخطط لهدم ما بناه الصادقون من الثقة والقيم.

إن أخطر ما يواجهه المجتمع المتدين، ليس عدوه الظاهر، بل ذلك المتلوّن المتخفّي، الذي ينقض غزل الإيمان، ويشوّه سمعة الورع، ويتسلّل إلى مفاصل الدولة والمجتمع تحت غطاء التقوى.

ويا للعجب! كيف تُتاح لهؤلاء أن يتغلغلوا في مؤسسات يُفترض أن تقوم على النزاهة، ثم ينهشوا فيها بلا رقيب؟! كيف تمر عليهم جرائمهم وهم يزرعون في العقول سموم الممنوعات، وفي النفوس اليأس، وفي الجيوب قنابل الحرمان؟!

من هنا، نرفع الصوت عاليًا، ونناشد السلطات العمومية أن تُري الله في هؤلاء موقفًا يليق بعدل الدولة وهيبتها. فالشعب لم يعد يحتمل؛ لقد طحنه الفقر، وأضناه التهميش، وأتعبه التفاوت الصارخ في الفرص. فهل يُترك لقمة سائغة لعصابات تُفسد في الأرض، وتُهلك الحرث والنسل؟!

إن من يُفسد في بيئة العفّة، ويُتاجر بالرذيلة تحت مظلة الورع، لا يُدمّر فقط الاقتصاد أو الصحة أو التعليم، بل يهدم ما هو أعمق: يهدم الثقة في الدين، ويزرع الحيرة في قلوب الأبرياء، ويفتح أبواب المستقبل على ظلامٍ لا يُطاق.

فيا كل مسؤول، ويا كل غيور: لا تستهينوا بما يفعلون. إنهم لا يسرقون أموالًا فقط، بل يسرقون طمأنينة الناس، وأحلام أطفالهم، ومعنى الصلاح في مجتمع يئن من الانهيار الأخلاقي.

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾... ولكن إن تُرك الزبد يعلو، فقد يغرق المركب بمن فيه.
اللهم اشهد، فقد بلّغنا.
والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكي

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.