اختطاف الدولة الوطنية: تحذير من الداخل/ محمد الصحه ديدي

لم تعد الدول تُغزى بالجيوش، بل تُفكك من الداخل.
الخطر اليوم لا يأتي من حدود تُخترق، بل من ولاءات تتبدل، ومن سرديات بديلة تتسلل عبر ما يمكن تسميته بـ منافيات الدولة الوطنية:
الهويات العقدية العابرة، السرديات القومية المجتزأة، الولاءات الطائفية، والطرقية المسنودة إقليميًا.

هذه المنافيات تُعيد تشكيل وعي المواطن، ليصبح الانتماء للجماعة أو الطائفة أو الخارج العقائدي أولى من الولاء للدولة.
وحين يحدث ذلك، تتحوّل الدولة إلى قشرة بلا نواة، ومؤسساتها إلى مسارح تتنازع فيها الأجندات.

التفكيك الناعم: مشروع انهيار بطيء
لا شيء يُفكك الدولة أسرع من التطبيع مع اللاانتماء.
حين تصبح المرجعيات الموازية بديلاً عن المشروع الوطني، فإننا نؤسس لنموذج دولة مستباحة، تدار من الخارج وتُضعف من الداخل.
وما يُروَّج له كـ "حرية تعبير" لا تنضبط بالثوابت، ليس سوى أداة لهدم السردية الجامعة، وتذويب المعنى الوطني في بحر من التشتت الرمزي.

الهجرة: نزيف مزدوج وخطر عكسي
الهجرة لم تعد مجرد انتقال أفراد، بل تسربًا للسردية الجامعة، وفقدًا للسيادة الرمزية.
ومن يعود لا يعود دائمًا بالانتماء ذاته، بل قد يعود محمّلاً بسرديات موازية أو بأجندة مضادة.
إنها استنزاف من الداخل وارتداد من الخارج.

الطرق الصوفية: من الروحانية إلى التمويل الجيوسياسي
حين تغدو الزاوية مشروع نفوذ إقليمي، تتحول الطمأنينة الروحية إلى واجهة سياسية.
الدعم الخارجي للطرق لم يعد بريئًا، بل وظيفة أمنية مؤجلة، تنام على هامش الدولة وتستيقظ عند الحاجة.

الطبقة السياسية: الجدار الموازي
إذا كانت المؤسسة العسكرية صمام الأمان، فإن الوطن بحاجة إلى طبقة سياسية وطنية تسندها، مشغولة بالثوابت لا بالصفاقات، ومحصّنة ضد ثقافة المتاجرة بالممنوعات وتبدل الولاءات.

المؤسسة العسكرية: آخر جدار قبل الانهيار
في هذا السياق المشوش، لا يصمد أمام طوفان التفكك إلا العقيدة العسكرية الوطنية.
لا لأنها تُمثل الحكم، بل لأنها تحرس الدولة من الانزلاق.
إذا أُحسن تأهيل الجيش وطنيًا وفكريًا، غدا صمام الأمان الأخير في زمن التشظي.

خاتمة
الدولة ليست قدرًا خالدًا، بل مشروعًا يمكن أن ينهار إذا استُبيحت سرديته، وتعددت مرجعياته، وخُطفت ولاءاته.
وحين تُترك المنافيات تعبث دون رادع، يصبح كل تأخر في المواجهة خطرًا وجوديًا.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.