في أعماق سهول الحوض القاحلة ،وعلى ظهور القطعان الهزيلة، ترتسم ملامح خيبة ماعاد الصمت يقدر على إخفاءها .
المنمون الذين صبروا سنوات على قسوة الطبيعة ،وجدوا أنفسهم اليوم يصارعون قسوة الإنسان أيضا ،قسوة وعود تطلقها وزارة التنمية الحيوانية ثم تتبخر في الهواء ،وكأن لسان حالهم يناشد الوزارة قائلا: أصدقوا ولو لمرة واحدة.
المنمون، أولئك الرجال الذين عاشوا أعمارهم يحاكون الأرض ويربّتون على ظهور القطعان، يقفون اليوم حائرين أمام وعودٍ ذبلت كما ذبلت مساعيهم، وأحلامٍ جفّت كما جفّت ضروع مواشيهم.
وزارة التنمية الحيوانية، التي كان يُرجى منها أن تكون سندًا ومرفأً في زمن الشدة، أخلفت الموعد مرارًا، تعثرت أياديها عن الوفاء، وتاهت أقوالها بين دهاليز الانتظار.
والمنمون، كمن يلوّح لسفينة لا ترسو، ظلوا يرسلون شكواهم مع كل ريح، يعلقونها على كل غيمة، لكن السماء لا تمطر عدلًا ولا الوزارة تفي بالعهد.
كل صباحٍ، يخرج المنمي ،يسابق الشمس الحارقة ، يحلم بأن يحمل حليب قطعانه إلى المصنع، لكي يكسب رزقا شريفا يعيل به أسرته لكن ما إن يخطو، حتى تصدمه الحقيقة المرة: مصنع ينتظر المجهول،و قطيع يذوي تحت وطأة الجوع والعطش، وقلب يتآكل بين سندان الحاجة ومطرقة الوعود الكاذبة.
تذمروا؟ نعم،ولكن تذمرهم ليس صخبًا أجوف... إنه وجع عميق، كوجع الأرض إذا انقطع عنها المطر.
إنه حزن من أخلص العمل فخانته العناية، وغضب من مدّ يده ليزرع الخير فقوبل بالجفاء.
كم مرة كتبوا رسائلهم؟ كم مرة وقفوا على أعتاب الوزارة المعنية يطلبون وفاءً بما وُعدوا به؟
لكن يبدو أن آذان المسؤولين قد أُغلقت، أو أن قلوبهم قد غلّفها صقيع المكاتب المغلقة.
في النهاية تظل التنمية في الحوض الشرقي تستغيث ، وتظل البهائم تتضور جوعًا، وتظل عيون المنمين معلقة في الأفق... تبحث عن عدلٍ تأخر كثيرًا.
فإلى متى يبقى حلم التنمية في الولاية المنسية مجرد قصاصة ورق تسقط مع أول ريح ؟
لك الله ياوطني
البشير ولد سيدي
منمي في الحوض الشرق
