حقوق المرأة ومكانتها في الإسلام
وكالة كيفة للأنباء

من المعلوم بداهة أن المرأة نصف المجتمع وركنه الأساسي وهي أجمل ما فيه من حيث العواطف والحنان، لكنها في المقابل تعتبر من أكثر عناصره تعقيدا، نظرا لما يعيق مسيرتها من عادات سلبية وتقاليد بالية تقف حجر عثرة أمام تقدمها في مشوارها الطموح.

ولا يخفى على من فهم التشريع الإسلامي ونظر فيه بتأمل وإنصاف أنه ساوى بين الجنسين إلى حد بعيد، فالمرأة في الإسلام تكُلَّف كما يُكَلَّف أخيه الرجل وتخاطب كما يخاطب -إلا فيما يخصها- قال تعالى (يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ وقال ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وقال ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم منْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم منْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ وأكد على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فقال ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ ومن الملاحظ أنه حيثما ذكر الرجل في القرآن ذكرت المرأة بجانبه قال تعالى ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ وقال ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ وقال ﴿الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ..) وقال ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ..﴾ وقال ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي..﴾.

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الرجال أن يتقبلوا النساء على ما فيهم من عيوب وألا يفارقوهن بسبب خلاف عابر فقال «استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضِلَع أعوج، وإن أعوج شيء في الضِّلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج» وقال صلى الله عليه وسلم «لا يَفْرَك-أي يبغض-مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر» وقال عليه الصلاة والسلام «إنما النساء شقائق الرجال، وإنهن لا يَغلبنَ إلا كريما ولا يَغلبهُن إلا لئيما» وكثيرا ما كان يوصي عليهن فيقول «اتقوا الله في النساء، استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عَوَان، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن" وكان يقول «خياركم خياركم لنسائهم، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، من كانت له أنثى فلم يَئدْها ولم يُهِنْها ولم يُؤثر ولدَه عليها أدخله الله تعالى بها الجنة» وقال «اتَّقُوا اللهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ الْمَرْأَةِ الْأَرْمَلَةِ وَالصَّبِيِّ الْيَتِيمِ» وقال «إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة» وقال عليه الصلاة والسلام «من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه ثم يقول صلى الله عليه وسلم «من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ ستراً له من النار» وقال صلى الله عليه وسلم «لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة» وقال صلى الله عليه وسلم «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر».

وقد استنكر القرآن الكريم كُره العرب القدامى للبنات ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ هذا فضلا عن تحريمه لوأد البنات الذي كان شائعا في الجاهلية فقال (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) كما حرم إرغامهن على ما يكرهن فقال ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ حيث كان بعض أهل الجاهلية يرغم أمته على الزنى ليسترزق بما تأخذ من المال، وكان الرجل في الجاهلية يرث زوجة أبيه أو زوجة أخيه فإن رغب فيها تزوجها وإن لم يرغب فيها زوجها لمن شاء بغير إذنها، حتى جاء الاسلام وقضى على هذه الظاهرة الشنيعة فقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كما حرم على الرجال أن يسترجعوا مهور زوجاتهن كَرها كما كان معمولا به في الجاهلية فقال ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ وقال ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

وقد استنكر الرسول صلى الله عليه وسلم تسلط الرجال على النساء في عهد الجاهلية، إذ كانوا يتصرفون فيهن دون إذن منهن ولا مشورة، فنهاهم عن ذلك وقال «استشيروا النساء في أنفسهن» ولم يترك صلى الله عليه وسلم هذا الأمر حبرا على ورق فكان يستشير نساءه في كل شيء ثم يعمل بمشورتهن على عكس ما هو شائع في الأمثال العربية "شاوروهن وخالفوهن" وأعطى صلى الله عليه وسلم للمرأة حق اتخاذ قرارها بنفسها فقال «لا تُنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت» كما حرم عليه الصلاة وسلام على الرجال أن يكشفوا سر زوجاتهن فقال «إن من أشر الناس منزلةً يوم القيامة الرجلَ يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» وقد كفل الإسلام للمرأة حق الفراش مع زوجها خاصة إذا كانت تشاطرها فيه أخرى، قال صلى الله عليه وسلم «من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل» وحمى جسمها من الأذى فقال صلى الله عليه وسلم «لا يجلد أحدكم امرأته ثم يضاجعها».

وقد أوصى الله الإنسان بوالديه حسنا خاصة الأم ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ وجعل الأمٌّ مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ، حيث سأل أحد الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم مَن أحق الناس بحسن صحبتي يا رسول الله؟ «قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أبوك» ويكفي النساء شرفا أن في القرآن سورة باسم النساء.

وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد في سبيل الله فقال أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت أستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم «هل لك من أم؟ قال نعم، قال إلزمها فإن الجنة عند رجليها» ولم يقتصر على الأم المسلمة فقط بل أوصى بها وإن كانت كافرة، فها هي أسماء تقول قدمت عليَّ أمي، وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصلُها؟ قال نعم، صِلي أمك».

وقد لعبت المرأة المسلمة دورا هاما في التاريخ الإسلامي على جميع المستويات، حيث برزت عائشة في العلم والسياسة وتميزت أم سلمة وأم هانئ بسداد الرأي وحسن المشورة في المجال السياسي، كما برزت عدة صحابيات في النشاطات العسكرية كصفية بنت عبد المطلب التي شاركت في الحرب يوم الأحزاب وقتلت يهوديا، نسيبة بنت كعب التي دخلت الميدان يوم أحد وقاتلت ببسالة وأبلت بلاء حسنا، وكانت خولة بنت الأزور تذيق الكفار عذاب السموم وتسومُهم سوء العذاب، وقتلت أسماء بنت يزيد تسعة من الروم يوم اليروك، وأم حرام بنت ملحان ركبت البحر مجاهدة في سبيل الله حتى استشهدت ودفنت بقبرص، كما كانت رفيدة الأسلمية ممرضة تداوي الناس، وكانت أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث تؤم النساء في الصلاة بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الشفاء بنت ملحان معلمة تدرس النساء، وكانت بنات شعيب يمارسن التنمية والرعي الحيواني قال تعالى عنهم ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ وقد أسند عمر بن الخطاب جزءا من المهام السياسية ة والادارية إلى بعض النساء.

وقد قص علينا القرآن ما كان من أمر بلقيس -ملكة سبأ- التي أقرّ الله كلامها لرشاد رأيها وحصافة عقلها، حيث رسخت مفهوم الشورى في العمل السياسي.

ولعل سائلا يسأل فيقول: لماذا يرفض الإسلام تولية النساء المناصب السياسية العليا للدولة؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» والجواب عند محمد الغزالي الذي قال إن الحديث المذكور يحتمل أن يكون مجرد رأي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس تشريعا، وذلك إذا علمنا أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم لها جانبان:
- جانب النبوة الذي عُصم فيه من الخطأ والنسيان ولا مكان فيه للرأي والاجتهاد بل يجب عليه التبليغ كما أُمِرَ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

- الجانب البشري الذي يكون فيه كغيره من البشر يبدي رأيه في جميع مجالات الحياة، وهذا ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه حين قال «إنما أنا بشر فإذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر».

وإذا كانت بعض المنظمات الحقوقية تثير قضية الخفاض وتطالب بالقضاء عليه باعتباره منافيا لحقوق الإنسان، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الخفاض عادة عربية قديمة استحسنها العرب باعتبارها أنقى للفرج وأرضى للزوج، وقد جاءت امرأة من أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستشيره في خفاض البنات فقال لها «يا أم عطية، اخفضي ولا تنهكي، -لا تبالغي في القطع- فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج» وروي عن ابن عباس، أنه قال "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" وبهذا الحديث والأثر نفهم أن الاسلام قد أقر الختان -ما لم يترتب عليه ضرر- لكنه لم يفرضه وإنما جعله ندبا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، أما إذا ترتب عليه ضرر فيدخل في نطاق الحرام بإجماع العلماء.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2013-05-10 00:00:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article3633.html