موريتانيا .. إلى أين؟
وكالة كيفة للأنباء

حالة طوارئ غير معلنة تعيشها البلاد منذ الاعلان عن نتائج الاستفتاء الدستوري الأخير: حملة اعتقالات واستجوابات، شيوخ سابقون وقيادات نقابية وإعلاميون يوضعون تحت الرقابة القضائية، مذكرات اعتقال دولية بحق رجال أعمال يعيشون في المنفى، تظاهرات وبيانات لدعم المتهمين، شحن وتجييش للعواطف في أكثر من اتجاه، دخول منظمات دولية على خط الأزمة الداخلية يفضي إلى نشوب أزمة دبلوماسية مع السنغال... بالموازاة مع ذلك تحث الحكومة خطاها في سباق محموم مع الوقت، لإنهاء مختلف الترتيبات المتعلقة بالعلم والنشيد الجديدين: مشاريع قوانين تعرض على البرلمان، مشاريع مراسيم جاهزة للإصدار، مؤسسة الجيش لصناعة الملابس تستعد لإنتاج الكميات المطلوبة من العلم الجديد – باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة بذلك- والدرك يستعد لاستلام مسؤولية فرض احترام العلم .. وذلك من أجل أن تتمكن الحكومة من رفع العلم الجديد يوم 28 نوفمبر المقبل ربما على إيقاع ألحان النشيد الجديد!

وفي المقابل يستمر بعض الشيوخ في حراكهم الرافض لإلغاء مجلسهم وتستمر المعارضة –غير المحاورة طبعا- في رفض نتائج الاستفتاء، معلنة بشكل صريح عدم اعترافها بمخرجاته بما فيها العلم والنشيد وإلغاء غرفة الشيوخ، وذلك في وقت تصعد فيه بعض أجنحة هذه المعارضة من هجومها ضد السلطة مستخدمة الملفات الأكثر حساسية التي تعزف على أوتار العرق والفئة والغبن والفساد، ومستغلة أجواء التوتر السائدة بين بلادنا ودول من محيطها وبعض القوى الغربية.

تاريخ البلاد هو تاريخ الحكم الفردي والانتخابات المشكوك في نزاهتها وغير المعترف بنتائجها من طرف المعارضة، غير أنها لم تكن أقرب إلى الانزلاق نحو متاهات المجهول مما هي عليه اليوم ربما باستثناء لحظات نادرة مرت عليها سواء بسبب الحرب أو نتيجة التوترات العرقية العنيفة! وبالرغم من تزايد الوعي بخطورة اللحظة ووفرة التساؤلات التي تبقى معلقة من دون إجابات، إلا أن مستوى الاحتقان قطع الطريق أمام صوت العقل فاتحا المجال أمام العواطف لتتحكم في اتخاذ القرارات التي يتوقف عليها مصير البلاد.

كيف للسلطة أن تعطي لنفسها الحق في فرض "رؤيتها" على الأمة مهما كلف الثمن وأن تعتقد بأنه من حقها أن تسوق الشعب إلى "مصلحته" وهو يرفس في أغلاله؟ وكيف للمعارضة الديمقراطية وغيرها أن تطلق مسارا يفضي في المستقبل المنظور إلى "دولة" بعلمين ونشيدين؟ وهل يمكن لمنطق "الكل أو لا شيء" ومقاربة "تأبيد الأزمة السياسية" والصراع المشخصن على السلطة، أن يفضوا إلا إلى مزيد من ضبابية الأفق وانتشار القلق وتهيئة الأرضية الملائمة لفشل الدولة؟ مشكلة البلاد هي مشكلة تنموية بامتياز، غير أن طبقتها السياسية –بسلطتها وموالاتها ومعارضتها- مصرة على اختصارها في "أزمة سياسية" بالمعنى الضيق للسياسة، لذلك لا ضير في أن يستنزف النشاط السياسي معظم الجهد الوطني، لتبقى آمال الجميع معلقة على نتائج هذا الحوار السياسي أو ذاك وليبقى "الحوار بين الفاعلين السياسيين" المصطلح الأكثر تداولا في قاموسنا السياسي، فيما تتراجع مشكلاتنا الفعلية إلى خلفية المشهد أو تتحول –في أحسن الأحوال- إلى شعارات تستغل في أغراض دعائية بلهاء.

والواقع أن بعضا من مصائبنا الكبرى نجمت عن حوارات سياسية منذ الطاولة المستديرة وحتى "الحوار الوطني الشامل" لسنة 2016 مرورا باتفاق دكار، فقد قضى حوار الطاولة المستديرة على التعددية السياسية ورهن حوار دكار عملية التحول الديمقراطي لإرادة القوى الاقليمية والدولية، فيما فتح حوار 2016 الباب أمام "صدام المؤسسات" و"عقاب المؤسسات" وألقى –بإغراء من "وهم إعادة التأسيس"- بالرموز الوطنية التي كانت آخر تجليات وحدة الشعب، في قلب الصراع المجتمعي بعد أن ظلت بمنأى عن التجاذبات السياسية والجهوية والقبلية.

لم يفشل الحوار الأخير في تضييق الهوة ما بين الفرقاء الوطنيين فحسب، بل إن هؤلاء الفرقاء تعمدوا أن يجعلوا من هذا الحوار ونتائجه وتداعياتها، فرصة لتصعيد صراعهم على السلطة ومضاعفة بؤر التوتر وقرع طبول الحرب، من دون مراعاة لا للظروف الاقليمية بالغة الخطورة ولا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وما تتميز به من صعوبات مرشحة للتفاقم بسبب الجفاف وارتفاع حجم المديونية وتباطئ مفعول الاصلاحات الاقتصادية المعلن عنها.

تعمدوا التصعيد باعتبار أن كل شيء يهون في سبيل تحطيم الخصم بعد أن باتت معركة "تقرير المصير" على الأبواب، فإما أن يتهيأ النصر في الاستحقاقات الانتخابية القادمة وإما أن تتهيأ الظروف المواتية لتغيير غير دستوري يحسم الصراع الدائر مؤقتا، لتواصل البلاد بدفع منه الدوران في حلقتها المفرغة ولتتأجل إلى حين –مجددا- إمكانية تحقيق طموحات الشعب في الحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

اقلام


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2017-10-10 06:19:54
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article19859.html