المقاومة في لعصابه وتكانت/الأستاذ محمد ابراهيم ولد الداه
وكالة كيفة للأنباء

قدم الأستاذ محمد ابراهيم ولد الداه ، استاذ الأدب العربي بثانوية كيفه ورئيس جمعية العمل الثقافي ليلة البارحة 28 نوفمبر في دار الشباب بمدية يكفه محاضرة عن المقاومة في لعصابه وتكانت . أشرف على المحاضرة الإداري برار ولد سيدي عبد الله مدير ديوان والي لعصابه وحضرها جمع من عشاق تاريخ المقاومة بالولايتين . تعرض المحاضر للدور البارز الذي لعبه مقاومو الولايتين في المقاومة الوطنية وذكر بأهم المعارك التي دارت على أرض الولايتين ، كما وزع وثائق تاريخية نادرة كتقرير الرائد شامبير عن تدمير قصر الرشيد بتاريخ 16/08/1908 . وتقريري الرائد افرير جاه وآرنو عن معركة تجكجه وهما شاهدا عيان على المعركة . كما ذكر المحاضر بأهم أعلام المقاومة الثقافية بالولايتين .وللمزيد من الفائدة نقدم لكم المحاضرة كاملة:

المقاومة في لعصابه وتكانت

السيد مدير ديوان والي لعصابه ،ممثل الولاية

زملائي معلمين وأساتذة

أبنائي التلاميذ

أيها الحضور الكريم

يسعدني أن أكون بينكم هذا المساء لنتناقش في موضوع هام من مواضيع تاريخنا الوطني ألا وهو موضوع المقاومة الوطنية . هذا الموضوع الذي لم يحظ أبدا في تاريخنا الوطني بما يستحقه من البحث والدراسة ، بل تعرض للكثير من الطمس والإهمال والتناسي المتعمد . وكانت أول لفتة إيجابية إليه قد تمت قبل سنوات على يد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز عندما كرم سنة 2008 في ذكرى عيد الاستقلال الوطني المقاوم أحمد ولد بوهده آحد أواخر المقاومين الوطنيين على قيد الحياة ، وأطلق تسمية " شارع المقاومة " على واحد من أهم الشوارع في العاصمة ، وساند وشجع الجهود العظيمة التي تقوم بها الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة الوطنية .

وقبل اسبوعين من الآن ، أثناء زيارته لولاية تكانت ، زار فخامته أطلال مدينة الرشيد التاريخية التي دمرتها قوات الاستعمار الفرنسي في 16 من أغسطس سنة 1908 أثناء معركة الرشيد الشهيرة ، وأطلق رئيس الجمهورية من على أطلال هذه لمدينة "نداء الرشيد التاريخي في 15 نفمبر 2016 " و دعا فيه إلى تثمين تاريخ المقاومة الوطنية وكتابته . وقال إن جهات خارجية وداخلية تآمرت على طمس تاريخ المقاومة الوطنية وحاولت محوه . ونحن نعرف هذه الجهات التي أشار إليها فخامته وهي الاستعمار الفرنسي وأعوانه، فقد حاول هذا الثنائي تقزيم تاريخ المقاومة الوطنية والتقليل منه ونكرانه ومحوه كلما أمكنه ذلك . إن طمس تاريخ المقاومة الوطنية يدخل في إطار عملية ممنهجة وواعية قام بها الاستعمار وأعوانه تهدف إلى محو آثار جريمة الاستعمار وتخريب أدلتها الجنائية وهو فعل محرم يعاقب عليه القانون. إن تاريخ المقاومة الوطنية هو إدانة صريحة لذلك الثنائي وفضح سافر لممارساته الظالمة التي ترقى إلى درجة جرائم ضد الإنسانية والتي ستطالب أجيالنا المستقبلية بضرورة البت فيها ومحاسبة القائمين عليها وبتعويض الشعوب التي كانت ضحيتها . أيها الحضور الكريم ،

لقد بدأت المقاومة الوطنية ضد الاستعمار منذ اللحظات الأولى لدخوله إلى بلادنا في فجر القرن الماضي ، بل إن الموريتانيين قاوموا الاستعمار الفرنسي قبل ذلك بعقود وهو لا يزال بالسنغال المجاور إذا ما نظرنا إلى الحروب التي خاضتها إمارتا الترارزة ولبراكنه ضد هذا المستعمر في الضفة اليسرى للنهر ، الضفة السنغالي التي عرفت سيطرة إمارة الترارزة لقرون من الزمن قبل دخول فرنسا إلى المنطقة .كما ظهرت المقاومة الثقافية التي قادها المصلحون والعلماء قبل دخول الاستعمار إلى بلادنا .وكان من أمثلتها (مؤتمر تندوجه) سنة 1855 الذي دعا إليه الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبه وحضره أمراء الترارزه ولبراكنه وآدرار وتدارسوا فيه كيفية الوقوف في وجه الاستعمار والذود عن الديار .

أيها الحضور الكريم

لقد كانت المقاومة في موريتانيا مقاومة شاملة ، كانت عسكرية وثقافية واجتماعية وسياسية . وقد شارك فيها كافة أفراد لشعب الموريتاني دون استثناء ، كل من موقعه وحسب امكانياته واختصاصه . ولأن المقاومة العسكرية هي قمتها وذروة سنامها فقد درج الباحثون والمتحدثون في هذا المجال على البدء بها ، وما نحن بدع في ذلك . وسنركز في هذه العجالة بحكم المكان والزمان على المقاومة في لعصابه وتكانت .

تميزت المقاومة في لعصابه وتكانت بأنها كانت من أوائل المقاومات وأسرعها انطلاقا على الساحة الوطنية .وتعتبر بعض معاركها من أهم معارك المقاومة الوطنية على الإطلاق . لقد تجاوز (أكزافييى كبولاني) وقائده العسكري( افرير جاه ) سنة 1903 ولايتي الترارزة ولبراكنه دون صعوبات كبرى بسبب فتاوى زعماء القادرية المهادنة للاستعمار ، وبسبب الصراع على الإمارة في الترارزه بين أحمد سالم ولد أعل (بياده) وسيدي ولد سيدي أبني محمد لحبيب . هذا طبعا إذا استثنينا في هذه الفترة المقاومة الشرسة التي قام بها مختار أم ولد الحيدب الدماني وآخرون وإن لم تمنع كبلاني من التقدم بسهولة . لهذه الأسباب تصدى أهل لعصابه وتكانت للاستعمار قبل أن يصل إلى ديارهم ونقلوا إليه المعركة قبل أن ينقلها إليهم .

وهذا ما يفسر قيادتهم للمعارك في لبراكنة وآفطوط من مثل :

ـ معركة آلاك في 18 دجمبر 1903 بقيادة أحمدو ولد سيد أعل أمير لبراكنة وبكار ولد اسويد أحمد أمير تكانت

ـ معركة مال في 28 دجمبر 1903 بقيادة المختار ولد أحمد أمير إدوعيش لعصابه ، أشراتيت وبكار ولد اسويد أحمد

ـ معركة ميت في 17 فبرائر 1904 بقيادة بكار وأحمدو ولد سيد أعل

ـ معركة أمبود في 15 فبرائر 1905 بقيادة بكار والمختار ولد أحمد.

أما المعارك التي دارت رحاها على أرض الولايتين فهي كثيرة وسنختار منها ستا فقط لأهميتها ورمزيتها في المقاومة الوطنية وهي حسب الترتيب الزمني وهي :

 ـ معركة دركل في تكانت في 23 فبرائر 1905

 ـ معركة بوكادوم بلعصابه في 1 ابريل 1905

 ـ معركة تجكجه في 12 مايو 1905

 ـ معركة النيملان بتكانت في 25 اكتوبر 1906

 ـ معركة الرشيد بتكانت في 16 أغسطس 1908

 معركة البيض بلعصابه في 10 يوليو 1909 .

1 ـ معركة دركل : عسكرت قوات كبلاني القادمة من لبراكنه وآفطوط عند سفح هضبة تكانت بالقرب من مدينة المجرية الحالية في 21 فبرائر سنة 1905، وفي 23 منه كانت تعسكر على قمة الهضبة في مدينة قصر البركة التاريخية قرب مدينة انبيكه الحالية . بدأ كبلاني على الفور البحث عن حلفاء مؤتمنين في المنطقة فاجتمع برئيس مجموعة أولاد سيدي حيبل من كنته سيد أمحمد ولد سيد أحمد لحمد وطلب منه المساعدة بعد مقدمات طويلة يذكر فيها ما للرجل من قوة وجاه ونفوذ في المنطقة . ولكن الرجل رد برحيل حلته على الفور مبتعدا عن مناطق التماس مع كبلاني . وأعاد كبولاني الكرة واجتمع بوجهاء آخرين في المنطقة دون جدوى . وكانت الحملة تلاقي صعوبات يومية مع السكان وكانت مؤنها في تناقص فأمر افرير جاه بنهب مخيات كنته في كصر البركه وانتاكش فنهب جنوده 200 رأس من الغنم وكل كميات الحبوب المخزنة لدى هذه المخيمات مما عمق الشعور بالكراهية بين السكان والحملة . وكانت المقاومة من جهة أخرى تتربص بالحملة فأرسل كبلاني قائده ( لستر ري ) لتفقد بئر دركل . ولكن المقاومة بقيادة المقاوم الفذ أحمد محمود ولد بكار كانت ترابط عند هذه البئر، وما إن اقتربت منها فرقة الاستطلاع الفرنسية حتى فتحت عليها النار وأوقعتها في كمين حقيقي . ودامت المعركة بعض الوقت وسقط فيها 13 من جنود الاستعمار ما بين قتيل وجريح وغنمت المقاومة لأول مرة على ظهر هضبة تكانت بنادق ذات طلقات سريعة وكميات هامة من الذخيرة . وأصيب قائد الفرقة الفرنسية ( لستر ري ) بجروح بالغة وحمله أحد أعوانه إلى معسكر كبلاني ولكن المقاومة كانت تلاحقه. وكان يخشى الوقوع في أيدي رجالها أسيرا لذلك حاول عدة مرات الانتحار بمسدسه ولكن مساعده كان يمنعه من ذلك حتى وصل إلى معسكره مثخنا بالجراح وفي أسوئ حال .

بعد هذه المعركة أدرك كبلاني أن طريقه إلى تجكجه غير سالكة ، وأن المقاومة الوطنية يشتد عودها يوما بعد يوم ، وان ملهمها الحقيقي هو الأمير بكار فقرر أن يخوض معه معركة فاصلة . فكانت معركة بوكادوم في فاتح ابريل 1905 .

2 ـ معركة بوكادوم بلعصابه في 1 ابريل 1905 واستشهاد بكار

وجه كبلاني حملة عسكرية مؤلفة من 120 جنديا وضابطا بقيادة خبير الدروب النقيب أفرير جاه وكلفها بملاحقة بكار . انطلقت الحملة من المجرية في 27 مارس 1905 . ووصلت إلى لعصابه ومنطقة بوكادوم وأرسلت عيونها للبحث عن مضارب بكار .وفي فاتح ابريل عند الفجر كان جنودها يشنون الهجوم الغادر على حلة الأمير بكار ولد اسويد أحمد عند بوكادوم بلعصابه . ودارت المعركة بين الأمير المجاهد والقوات الغازية وانتهت باستشهاد الأمير "والسلاح بيده " بشهادة الفرنسي " ابيير آميلات" في كتابه "إمارة إدوعيش وشهادة (افرير جاه ) نفسه والرائد (جيليى) في كتابه "الإختراق" وتروي التقاليد المحلية أن الأمير عندما سمع إطلاق النار قال لقومه إنهم النصارى؟ فأجابوا بلى. فطلب سلاحه فناولوه إياه ثم طلب من إحدى بناته ـ وهو يناهز التسعين من العمر ـ أن تعصب حاجبيه حتى تبرح عيناه ويأخذ وضعية قتالية وقال كلمته الشهيرة " ما اهنات عنا الصدقة إلين رقتنا" وأطلق النار باتجاه العدو. ورد العدو بالطبع على مصدر النار فجرح الأمير جراحا بالغة. وتروي التقاليد أيضا أن الطبيب أحضر إلى الأمير فقال إن جراحه غير نافذة فأطلقت امرأة أسمها "منت التوتاي" زغردة ابتهاج فالتفت إليها الأمير قائلا :"لسنا بفألك ، أرجو الله أن أموت شهيدا مجاهدا في معركة مثل هذه " وكان الأمر، فارتحلت حلة الأمير من مكان المعركة ونزلت في (رأس الفيل ) حيث توفي الأمير ودفن بعد يومين من المعركة . وقبر الأمير معروف اليوم في المنطقة ومحاط بالعناية.

عاثت الحملة في الحلة فسادا حيث فاجأتها تحت جنح الليل فاستاقت قطعان الماشية . ولكن المقاومين رتبواصفوفهم بسرعة وانطلقوا في ملاحقة الحملة فاستخلصوا منها جل الماشية التي عادت إلى مراحها بمجرد سماع إطلاق النار واستنزفت المقاومة الحملة وانهكتها فعادت إلى تكانت مثخنة بالجراح باعتراف الضباط الفرنسيين .

أصيبت المقاومة بصدمة كبيرة إثر استشهاد الأمير وفت في عضدها ، بل إن أحد أبناء الأمير نفسه وهو الحسين ولد بكار ذهب باتجاه الفرنسيين طالبا المكاتبة والمهادنة . ولكن المقاومة في الشمال لم يفت في عضدها وكانت تحضر للمفاجأة الكبرى ومعركة الثأر في تجكجه ومصرع الطاغية كبلاني .

3 ـ ملحمة الثأر ومعركة تجكجه 12 مايو 1905

رأى الشريف سيدي ولد مولاي الزين في منامه أنه يقتل الطاغية كبلاني فصدق بما رأى وآمن وبدأ يعد العدة لذلك وشرع في اكتتاب المتطوعين للجهاد في سبيل الله ضد النصارى فاجتمع حوله بسرعة عدد كبير من المجاهدين فكون فرقة الشهادة والثأر التي ستهاجم قلعة كبلاني عما قريب . صرح سيدي لأعضاء الفرقة بأن هدفهم الجهاد في تكانت ولم يحدد لهم المهمة بعينها إلا في اللحظات الأخيرة . سلكت الفرقة طريقها من امحيرث في أوائل مايو 1905 وسلكت الطريق التالي :

امحيرث ـ تمنيت ـ انتوطفين ـ لكديم ـ الخط ـ الرشيد ـ لحويطات ـ تجكجه . كانت الفرقة مكونة حسب الرواية الفرنسية من 21 رجلا ووثقوا الأسماء التالية ( المصدر الوسيط مجلة المعهد الموريتاني للبحث لعلمي 1996):

سيدي ولد مولاي الزين

عبد الرحمن ابنه الملق الل

العربي ولد زيدان

محمد ولد الصفره

محمد ولد بهناس

أحمد ولد لمليح

الشيخ ولد العيل

محمد السالك ولد السالك

محمد محمود ولد السالك

ولد الشيخ

سيدي ولد بوبيط

ولد هنون

سيد ولد أميسه

ولد سيد أحمد ولد أباه

أحمد ولد أباه ولد أعميره

ولد اسويلك

ولد الشيخ ولد بوبيط

ولد أعل ولد السالك

أحمد ولد أباه ولد اشكونه

محمد ولد لفرك

ولد الحارثي

وتروي المصادر المحلية أن الفرقة كانت مكونة من 22 رجلا جلهم من مجموعة إديشل فخظ أهل التناكي .

التقى أفراد الفرقة على تخوم تجكجه غلاما كان يخدم في القلعة فأعطاهم صورة مخيفة عنها فحصل بعض التردد فأخذ سيدي يشد من عزيمة مجاهديه وصرح لهم لأول مرة وهو على مشارف تجكجه في نقطة التجمع الأخيرة في بلدة ( كلمسي) أنه يريد قتل الطاغية كبلاني وإنقاذ المسلمين منه ، وأنه أي كبلاني لم يبق من عمره إلا الفترة اللازمة للوصول إلى تجكجه .

وصاح ولد الصفرة في رجاله قائلا : " فلتكن القلعة ما تكون ، نحن خرجنا للنصر أو الشهادة " وتعالى التكبير وشحذت كلمات القائدين عزائم المجاهدين حتى المضاء

وتروي التقاليد الموثوق بها أن السيف الذي سيضرب به سيدي كبلاني سيف أهدته له الزاوية القظفية البصادية في آدرار . . وعلى مشارف تجكجه التقى رجال الفرقة بسيدي ولد بوبيط وكان سجينا في القلعة فأعطاهم صورة دقيقة عنها مداخلها ومخارجها وأماكن العشاء والراحة والنوم وغرف الضباط والجند وأعطاهم التوقيت الذهبي : " وقت دخول أهل اللبن " ما بين المغرب والعشاء حين تفتح الشهيات وتجري عيون الحرس وراء أقداح اللبن يحملها الرعاة إلى الطاغية وأعوانه .وخلال دقائق قليلة قبل لحظة الاقتحام أعطى سيدي تعليماته الأخيرة وجاءت على النحو التالي :(عندما أبدأ بالتكبير فمعناه أن الاقتحام قد بدأ فلتهاجموا بكل قوة ومن كل اتجاه .وعندما يلاحظ أحدكم أن كبلاني قد قتل فلينادي بكل قوة "كبلاني مات ، كبلاني مات " وانطلقوا في الانسحاب إلى كلمسي نقطة التجمع ولا ينتظرن أحد أحدا .) ودخل المجاهدون القلعة مع الرعاة وحملة اللبان يتقدمهم سيدي وابنه الل وسيد أحمد ولد اعميره وولد الصفره ، وقضوا على الحارس بسلاح أبيض لكي لا يكشف أمرهم .وبسرعة مثل أمام سيدي أوروبي ضخم الجثة في ثياب بيضاء فتأكد من أنه كبلاني فحمل عليه بالسيف وأطلقها مدوية في سماء القلعة : ( الله اكبر ـ الله أكبر ) فشرعت فرقة الشهادة في عملية الاقتحام فأمطروا الأوروبي الضخم بوابل من الرصاص فصاح ( جالو ـ جالو ـ) يريد من يناوله سلاحه ودخل في مبنى قريب فأتبعوه وابلا آخر من الرصاص . والتحم الجمعان في معركة تاريخية حاسمة ,أطلقت الفرقة النار من الغرب والشمال والجنوب ومن البطحاء .واصطدم سيدي بنصراني آخر هو الملازم أول ( اتيى فاه) الذي هب يدفع جنوده إلى القتال فضربه سيدي بالسف فخر صريعا وأطلق الملازم النار على سيدي من مسدسه فسقطا معا. وشاهد سيد أحمد ولد اعمير الحادثة وتأكد من أن النصراني الساقط هو كبلاني فجرده من كل سلاحه وصاح بأعلى صوته (كبلاني مات كبلاني مات ). وكانت كلمة السر التي أعطاها القائد سيدي فبدأت الفرقة بالانسحاب على الفور إلى نقطة التجمع في كلمسي .

وقد سقط من الفرقة على ساحة الشرف كل من :

ـ القائد سيدي ولد مولاي الزين

ـ أحمد ولد هنون ـ

ـ أحمد ولد لمليح

ـ الكوري ولد الشيخ

ـ ولد لحويرثي

وسبعة جرحى تمكنوا من الانسحاب وسيتم القبض على الجريح البطل أحمد ولد أعميره والعود به إلى تجكجه وإعدامه بعد محاكمة صورية في 17 مايو 1905 .

أما الفرنسيون فقد تكبدوا الخسائر االتالية :

ـ 5 قتلى على رأسهم كبلاني

11ـ جريحا على رأسهم الملازم أول (آتييى فاه)

قال افرير جاه عن المجاهدين : ( إنهم محاربون بالفطرة ) ( كانوا مستعدين للموت من أجل قتل كبلاني).

تنفست المقاومة الصعداء بعد معركة تجكجه وارتفعت المعنويات من جديد وتم الثأر لاستشهاد الأمير بكار، وتداعى زعماء المقاومة الوطنية من كل أنحاء الوطن ، من الحوضين ولعصابه وتكانت ، وآدرار ولبراكنه والترارزه وإنشيري وغيرها .

تداعى الجميع إلى تكانت لإتمام النصر والإجهاز على قلعة كبلاني فكانت معركة النيمىلان الخالدة في 25 اكتوبر 1906. 4ـ معركة النيملان بتكانت في 25 اكتوبر 1906

كانت مجموعات الحوضين ولعصابه من أوائل من وصل إلى تكانت في مطلع 1906 ، وفي هذه الأونة وصل إلى تكانت الشريف مولاي أدريس مبعوث سلطان المغرب والشيخ حسنا نجل الشيخ ماء العيينين يحثان الناس على الجهاد والمقاومة .عسكرت المجموعات المختلفة بمقاوميها وأهاليها أيضا في بلدة النيملان على بعد 35 كلم غربي تجكجه . واتجه الزعماء إلى واحة اغلمبيت 40 كلم غربي النيملان وعقدوا هنالك مؤتمر اغلمبيت التاريخي في 16 اكتوبر 1906 . وكان حاضرا بالإضافة إلى الشريف والشيخ حسنا الزعامات التالية من لعصابه وتكانت .

الشخصية

عثمان ولد بكار زعيم مقاومي إدوعيش تكانت

المختار ولد أحمد زعيم مقاومي إدوعيش لعصابه

محمد المختار ولد الحامد زعيم مقاومي كنته تكانت

سيدي ولد الغوث ومحمد لقظف ولد أجوده زعيما مقاومي أغلال لعصابه والحوض

سيد المختار ولد محمد محمود وبناهي ولد سيدي زعيما مقاومي أهل سيدي محمود في لعصابه

خطره ولد أعمر والعبقري ولد ألمين زعيما مقاومي تجكانت في لعصابه وآفطوط

محمد الخضر بن مايابا وإخوته شخصيات علمية وسياسية

دامت أعمال المؤتمر 6 أيام نوقشت خلالها كافة الخطط العسكرية الممكنة لاقتحام القلعة وقيادة المعركة . ومن الخطط التي طرحت أثناء النقاش خطة اقترحها محمد المختار ولد الحامد تقول بتوزيع المقاومة قواتها إلى 3 فرق كوماندوز تستاق أولاها إبلا من تجكجه وتكمن الثانية خلف الإبل ، فيفزع أهل الإبل إلى النصارى الذين يرسلون قوة لاسترجاع الإبل فتصطدم هذه القوة بالفرقة الكامنة فتشتبك معها فيكون إطلاق النار "كلمة السر" لتعود الفرقة الأولى إلى الثانية فاتحة جبهة ثانية على قوة العدو في حين تنقض الفرقة الثالثة على القلعة في تجكجه لتبيد من فيها ولم يتم اعتماد هذه الخطة مع الأسف. وطرحت خطة ثانية لمهاجمة النصارى يوم الأحد عندما يخرجون للرياضة "في رق لمبيديع" شمال غربي تجكجه ولم يتم الاتفاق عليها أيضا .

وانتهت أعمال المؤتمر يوم 22 اكتوبر بتوجيه المؤتمرين إنذارا إلى حاكم القلعة بضرورة الانسحاب منها وإلا فإن المقاومة سوف تزيلها حجرا حجرا . وعاد الزعماء إلى قواتهم المعسكرة في النيملان على بعد 35 كلم غربي مدينة تجكجه .

أخذ الفرنسيون الإنذار مأخذ الجد ، وكانوا يرصدون تحرك قوات المقاومة إلى النيملان ولم يتردد قائد القلعة "تيسوا" في توجيه ما اعتقده ضربة استباقية للمقاومة وهي لا تزال معسكرة في النيملان . وهكذا وجه في 24 اكتوبر 1906 إلى النيملان قوة عسكرية مؤلفة من ضابطين برتبة ملازم هما "أندرى" و"افرانسوا" وضابطي صف أوربيين هما ( افليريت وأفيليب) و60 قناصا من الفرقة السنغالية و15 من "قوم البيضان". ومع كل رجل 150 خرطوشه . وكان المقرر أن تصل القوة إلى النيملان ليلا لتباغت المقاومين عند الفجر ولكن هاديها ضل الطريق أو أدعى ذلك شأن المتعاونين الوطنيين مع الاستعمار يضللونه دائما ويفشلون خططه عن عمد وسبق إصرار ، ثم لا يلبثون أن يتركوه ويعودوا إلى صفوف المقاومة عندما تزول الظروف التي ألجأتهم إلى التعاون معه . انطلقت الحملة باتجاه النيملان ظهر الرابع والعشرين اكتوبر ولكن عيون المقاومة كانت يقظة فقد رصد أهل تجكجة الحملة مغربة وتأكدوا من أنها تستهدف المقاومة في النيملان فدفعوا على الفور بالمجاهد الشيخ ولد محم عاشور فسار بموازاة الحملة دون أن يتخذ راحلة . وفي لحظة ما من الليل كان مع المقاومة في النيملان ليخبرها بقدوم العدو فكان المجاهدون على أهبة الاستعداد وفقد الفرنسيون عنصر المفاجأة .

وفي صبيحة 25 أكتوبر 1906 حوالي الثامنة صباحا بدأ أندرى هجومه على المقاومة . وكان المجاهدون قد قسموا قواتهم إلى ثلاث جبهات جبهة إدوعيش على العدوة الشرقية للوادي وجبهة لغلال وتجكانت وأهل سيدي محمود على العدوة الغربية بينما تمركز الشريف وأهل آدرار وسط الوادي . اقتحم أندرى الجبهة الوسطى ونصب مدفعه الرشاش (بتاسارت ) في وسط الوادي وكان يرش النار في كل الاتجاهات واثخن في المجاهدين الذين أحاطوا به من كل الجبهات وابدوا شجاعة وبسالة منقطعة النظير فسددوا في نحور ضباطه وجنوده والتحم الطرفان إلى درجة الإشتباك بالحراب والأيدي . ولم يزل المقاومون صامدين حتى تمكنوا من اصطياد ( أندرى) وإسكات مدفعه الرشاش وقتل الرقيبين الأوربيين إلى جانبه . عندها بدأ ميزان المعركة يميل لصالح المقاومة . ودامت المعركة من الثامنة صباحا وحتى الحادية عشر .يقول إدوعيش إن أحمد محمود بن بكار هو من قتل (أندرى) بينما يقول لغلال إن محمد بن النذير الذي استشهد في أعقاب المعركة هو من قتله ويروي الرائد جيليى أن تلاميذ الشري هم من قتل (أندرى). أخذ الضابط الثاني (افرانسوا) في جمع فلول قواته تاركا الميدان منسحبا باتجاه تجكجه . وفي طريق الانسحاب اعترضه رجال محمد المختار ولد الحامد قادمين من أشاريم 18 كلم شمالا عندما سمعوا بالمعركة فقابلوه بوابل من إطلاق النار سقط هو خلاله قتيلا على أيديهم وغنموا سلاحه ( اتساعية) كما سقط العديد من جنوده . يقول افرير جاه ( قتل رجال ولد الحامد الملازم افرانسوا وطاردوا جنودنا مسافة 28 كلم) . وقد شارك النساء ، وخصوصا نساء إدوعيش في مجهود المعركة فكن يحملن الماء ويساعدن الجرحى وفي هذا الإطار سقطت المجاهدة النقره منت بكار ولد لحجوري زوجة الأمير المختار ولد أحمد شهيدة على أرض المعركة وهي تساعد المجاهدين . ويوجد قبرها اليوم منقوشا في مقبرة الشهداء بالنيملان باسم ( عيشه منت بكار ولد لحجوري) .

نتائج المعركة

يقول افرير جاه ( لقد هزمنا في اليملان ، ولكن خسائر العدو كانت فظيعة) وتمثلت هزيمتهم في قتل الأوروبيين الأربعة قواد الحملة و 15 من الرماة السنغاليين و3 من كوم البيظان و27 جريحا .وكتب (افرير جاه )عن لمعركة يقول :( ... حلفاؤنا المأمونون كنته بقيادة محمد المختار ولد الحامد شخصيا الذي أبدل وجهته إلى الشماليين بالسلاح الذي تسلمه من النقيب الذي كان في حالة سهاد . والتحق بالعدو الذي كان قد أزعج بفعل المطاردة وقتلوا الملازم دي افرانسوا واقتربوا بجرأة من قناصينا الذين انسحبوا أثناء ذلك منهكين ممتنعين عن القتال بالحراب وطاردوهم حتى 28 كلم واضعين لهم أفخاخا باستمرار .))

أما خسائر المقاومة فكانت عظيمة ولكن النصر خفف من وطأتها وأنسى المقاومين مرارتها. يقول الفرنسيون إن المقاومة فقدت 150 قتيلا . بينما تؤكد المصادر المحلية أن القتلى كانوا في حدود الثمانين ، 15 من جبهة إدوعيش و40 من جبهة لغلال و30 من جبهة الشريف وأهل آدرار. ومن هؤلاء الشهداء الموجودة قبورهم اليوم في ساحة المعركة بمدينة النيملان المقاومون التالية أسماؤهم :

ـ 1 ـ محمد لقظف ولد أجوده زعيم مقاومي أهل أحمد طالب من لغلال

2 ـ محمد ولد عبد الرحمن أخليفه من لغلال

3 ـ عثمان ولد اعمر ولد بكار من ادوعيش تكانت

4 ـ محمد المختار ولد سيد أحمد لبات من ادوعيش تكانت

5 ـ عثمان ولد الرسول من إدوعيش لعصابه

6 ـ النكره منت بكار ولد لحجوري كتب على قبرها (عيشه من بكار ولد لحجوري ) وهي زوج الامير المختار ولد احمد

إدوعيش لعصابه

7 – الطالب محمد ولد البيضاوي الجكني

8 ـ حمادي ولد محمد ولد اعميره ولد آكار السيكري من اسواكر .

وقد وقف رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز يوم 15 نوفمبر 2016 الجاري على مقبرة الشهداء في النيملان وترحم عليهم فيما يعتبر التفاتة كريمة أخرى من رئيس الجمهورية إلى تاريخ المقاومة الوطنية .

حصار تجكجه 5 نوفمبر 1906

كانت معركة النيملان الضربة الثانية التي توجهها المقاومة إلى قلعة تجكجه. وبعد الانتصار في هذه المعركة قررت المقاومة الزحف على تجكجه وضربت عليها الحصار في 5 نوفمبر1906. عسكر محمد المختار ولد الحامد بمقاوميه في الناحية الشمالية من تجكجه فاتحا على القلعة جبهة من تلك الناحية و في 9 نوفمبر 1906 انضم إليه أمير آدرار سيد أحمد ولد أحمد ولد عيده وعزز موقعه ب 250 بندقية في حين فتحت فصائل المقاومة الأخرى جبهتين على القلعة الأولى من الغرب والثانية من الجنوب . وهوجمت القلعة في 14 من نوفمبر وقد استشهد من مقاومي محمد المختار في معركة تجكجه كل من :

ـ الخليفه ولد الشيخ الصغير بن الشيخ سيد المختار الكنتي

سيد المختار ولد محمد الفراح ولد مينحنا

أحمد ولد اكليب

سيد أحمد ولد أعمر ولد عبدي

أحمد ولد العيد

الحبيب ولد حسه

خرباش ولد الكيحل

بيدر ولد اسعيد

وجرح كل من :

سيد أحمد ولد حد

محمد ولد سيدي لكحل

غير أن التفوق في مجال التسليح كانت له الكلمة الأخيرة فقد احتمى الفرنسيون وجنودهم وراء القلعة المحصنة . واستخدموا المدافع الرشاشة ( بوتاسارت) وكانت بنادقهم يصل مداها إلى أبعد مما يصل إليه مدى بنادق المقاومة . ودام الحصار 24 يوما دون أن تسقط القلعة وأخذ التعب والإحباط من نفوس المقاومين مأخذه ونفدت الذخائر . وأمام وضع كهذا كان على المقاومة أن تراجع خطتها .وتوزع زعماؤها على وجهتي نظر . تقول الأولى بضرورة فك الحصار الذي لم يعط النتيجة المتوخاة والتوجه إلى الشمال بحثا عن السلاح . وتقول الثانية بمواصلة استنزاف القلعة واحتلال المضايق الغربية لتكانت وقطع إمدادات المستعمر القادمة من تلك الناحية خصوصا وأن قوة استعمارية ضاربة قد انطلقت من سان الويس غداة معركة النيملان لنجدة القلعة المحاصرة. رفع الحصار عن القلعة في 29 نوفمبر 1906 لتصل قوة النجدة الاستعمارية بعد ذلك بيومين إلى القلعة في فاتح دجمبر 1906 وكانت قوة ضاربة بقيادة المقدم ريشار مؤلفة من 436 جنديا وثلاثة ضباط برتبة نقيب ولكل فرد من أفرادها 120 خرطوشه مجهزة و250 خرطوشة إضافية ومسلحة بأحدث الأسلحة في تلك الفترة .

تركت بعض القبائل تكانت وتوجهت إلى لعصابه والحوضين وتفرق بعض المجاهدين في أودية تكانت ومضايقها قاطعين سبل إمدادات العدو ومتربصين بوحداته العسكرية التي تنظم دوريات استطلاعية من الحين إلى الآخر. أما زعماء المقاومة فقد انعقد إجماعهم على التوجه شمالا إلى الشيخ ماء العينين وسلطان المغرب بحثا عن السلاح .ومن هؤلاء الزعماء محمد المختار ولد الحامد وأحمد طالب ولد عبد الرحمن اخليفه القلاوي والمختار ولد أحمد وسيد المختار ولد محمد محمود زعيم أهل سيد محمود . غير أنهم لم يحصلوا على السلاح ووجدوا السلطان منهمكا في مفاوضة الفرنسيين تمهيدا لإعلان الحماية الفرنسية على المغرب وساءت العلاقة بين الشيخ حسنا والشريف وبين الشريف والمجموعات الأخرى خصوصا مقاومي أهل سيدي محمود الذين اتهمهم اتهامات غير لائقة فردوا عليه بالمثل.

وتروي التقاليد الكنتية أن الشريف خرج من حصار تجكجه "في عجلة من أمره ويعتقد أن الفرنسيين يطاردونه .وأنه عندما مر بالرشيد رفض الاستماع إلى الغناء عندما طلبته الجماعة من الفنان الشهير حمه ولد نفرو الذي كان يرافقهم " 3 عاد بعض الزعماء من الشمال ليواصلوا المقاومة ، وليتوفى بعضهم ، في حين بقي البعض الآخر في المغرب وسلك طريق الحج مهاجرا عن بلاد يحكمها النصارى . كان ولد الحامد ممن عادوا ليواصلوا المقاومة . وظل يقاوم الاحتلال قرابة ثلاث سنوات في تكانت وآدرار وإينشيري والحوض حتى معركة الرشيد الفاصلة بينه وبين الفرنسيين في 16 أغسطس 1908

معركة الرشيد 16 أغسطس 1908

تمركز محمد المختار في الرشيد وجعل منه منطلقا لعملياته ضد قلعة تجكجه وإلى مضايق تكانت وكل أماكن تواجد القوات الاستعمارية .وشاركت فرقة من مقاوميه في معركة المينان في 12 و14 يونيو 1908 تلك المعركة البطولية التي أبادت فيها المقاومة " فرقة الهجانة الذائعة الصيت وقتلت قائدها النقيب مانجيه (بودرص)" والكلام للجنرال كورو.4. وفي 10 أغسطس 1908 استاق مقاوموا محمد المختار من تجكجه 19 جملا و50 بقرة و250 خروفا وعندها قرر حاكم دائرة تكانت الرائد "شامبير" الهجوم على الرشيد وخوض المعركة الفاصلة مع محمد المختار . وهنا نترك الرائد "جيلي" في كتابه "الاختراق" يروي قصة الهجوم على الرشيد ويذكر القوة العسكرية الضاربة التي شاركت فيه :

(( في تكانت قام رئيس كنته المسمى محمد المختار ـ الذي غدرنا في النيملان بانحيازه إلى العدو أثناء المعركة ـ بالإقامة بالرشيد مع حوالي مائة وخمسين رجلا مسلحين وحصن نفسه في القصر القديم الذي أصبح ملجأ للنهابين في المنطقة . وفي 16 من أغسطس (1908) قام المقدم شامبير قائد كتيبة موريتانيا ودائرة تكانت بالهجوم على الرشيد وذلك مع القوة التي ذكرناها آنفا والقادمة للمعاونة : ( الكتيبة الأولى السنغالية المحمولة بقيادة النقيب مالافوس والملازم اترانشو ، وكتيبة رماة المجرية بقيادة النقيب قامي والملازمين ماركني وسيشي وفريق رمات ب.ت.ن. ومجموعة من السباهيين) وقد صاحبهم فريق من حامية تجكجه يضم 85 من الرماة بقيادة النقيب بوتان والملازم دي افور وكان الجميع بقيادة المقدم شامبير )) .1

زحف شامبير بقواته من تجكجه مع نزول الظلام ليهاجم القصر على بعد 45 كلم شمالا عند الفجر، وتجاوز الطرق المؤدية إليه جنوبا ( إريجي واطريق الزرع) والتي ترابط عندها مجموعات من المقاومة ليهاجمه من الشمال ( اطريق الملح) حيث لا يتوقع الهجوم من تلك الناحية ، وحيث طريق الانسحاب في حال الهجوم من تجكجه . وهو تكتيك معروف عسكريا .

ولكن هادي الحملة العريف سيد أحمد ولد كنكو وهو أحد المتعاونين الوطنيين مع الاستعمار ادعى عدم الاهتداء إلى رأس ( اطريق الملح) واقترح على الحملة أن تعسكر حتى الصباح .وفي الصباح أطلق طلقتين من بندقيته ليعلم سكان القصر وأدعى أن ذلك أيضا كان عن طريق الخطأ 2 وكانت السيدة عيشه كرمي منت أعميره ولد اعمر إيكيو وهي فنانة مترفة قد علمت بالغزو في منتصف الليل بتجكجه فاتجهت من توها راجلة إلى الرشيد على بعد 45 كلم لتعلم المقاومين ، وتزامن وصولها في الصباح إلى دار محمد المختار مع تساقط القذائف الأولى على القصر3. فهي إذن مثال خالد للمقاومة النسوية ضد الاستعمار. بدأ الهجوم على القصر حوالي الساعة التاسعة صباحا . ودكت القوة الاستعمارية القصر من ثلاثة مواقع واستخدمت لأول مرة في موريتانيا المدافع الثقيلة والمدافع الرشاشة (بوتاسارت). وصمد المقاومون داخل القصر حتى المساء ودامت المعركة خمس ساعات باعتراف شامبير في تقريره عن المعركة من الرشيد بتاريخ 19أغسطس 1908.

كان محمد المختار يوم الهجوم جريحا بسبب معركة مؤلمة دارت بينه وبين رفيقه في المقاومة عثمان ولد بكار . وتمكن من الانسحاب مع بعض المقاومين من القصر مع حلول الظلام . وفي الصباح احتلت القوة الغازية القصر وخصصت يومين كاملين لنهبه وتدمير حصونه ودوره وملاجئه بدء بدار محمد المختار التي لا تزال أطلالها اليوم شاهدة على قوة التدمير . وعاث الجند في القصر فسادا فنهبوا الممتلكات وجردوا النساء وسبوا حليهن واعتدوا على الحرمات.

تمكنت المقاومة من قتل قناص سنغالي وجرح ستة آخرين واستشهد من أفرادها ستة هم :

سيد الأمين ولد عبد الرحمن

عبد الرحمن ولد أحمدونا

محمد ولد امحمد ولد خواه

امحمد ولد ادويك

سيدي ولد الكيحل

اسلم ولد بوبو

وكان أغلب مقاومي القصر يوم الهجوم متفرقين في عمليات للمقاومة في أرجاء تكانت مما قلل من خسائر العدو . سلك محمد المختار بعد معركة الرشيد طريق الهجرة في عدد كبير من مقاومي أولاد سيد الوافي وأسرهم . ثم عادت بعض الأسر وعاد بعض المقاومين . أما محمد المختار فقد التحق بالشيخ ماء العينين وشارك مع مقاوميه في كل عملياتهم ضد الاحتلال . وبعد وفاة الشيخ ماء العينين 1910 وإعلان فرنسا الحماية على المغرب تفرق من كان حوله من المجاهدين .

أما هو، المجاهد الأكبر، فقد سلك طريق الحج ليتوفى سنة 1915 ببلدة أم البركة على طريق مكة والمدينة القديم بعد أن حج واعتمر1 . وبهجرة محمد المختار ولد الحامد بعد معركة الرشيد 1908 تفقد المقاومة في تكانت والمقاومة الوطنية عموما واحدا من أعظم رجالاتها وأخطرهم تكتيكا عسكريا وسياسيا .

معركة البيظ في 10 يوليو 1909

ومن أشهر المعارك التي خاضتها المقاومة الوطنية في هذا المحيط معركة البيظ . وقد قادها المجاهد سيدي ولد الغوث وابنه محمد محمود وجيش كبير من المقاومين . وتأتي المعركة في إطار محاولة الفرنسيين تركيع المجموعات المحلية التي رفضت مكاتبتهم وفي إطار الثار من المقاومين الذين أوقعوا بهم في النيملان .

وقد كان سيدي ولد الغوث ومجموعته من آخر المجموعات الوطنية التي قبلت مكاتبة الفرنسيين وبالتالي لم ينجح الفرنسيون في محاولتهم التعجيل بمكاتبتهم.

خاض المجاهدون معركة البيض ضد الفرنسيين ببسالة وكبدوهم خسائر فادحة وكان ممن استشهد في هذه المعركة :

محمد ولد سيدي ولد الغوث الملقب بوعسرية

محمد الأمين ولد الشيخ الملقب اعبيد

أحمد طالب ولد محمد الشيخ .

هذه أهم معارك المقاومة العسكرية في كل من لعصابه وتكانت .

أما المقاومة الثقافية فقد كانت الولايتان معقلا لها وقد مثل أبناء مايابا : محمد العاقب ومحمد الخضر ومحمد حبيب الله القاعدة التنظيرية للمقاومة الثقافية في هذه الربوع . وقد لخص محمد العاقب رأيه الفقهي الرافض للاستعمار رغم ما له من "منافع" برأي جماعة أخرى من الفقهاء في قصيدته الشهيرة التي بعث بها إلى الأهل والأحبة الباقين في حمى المكبل يريد كبلاني ومطلعها :

مني إلى من في حمى المكبل *** من كركل لما وراء العقل .

إلى أن يصدح برأيه الفقهي الذي لا لبس فيه بقوله :

الجور والإسلام في بلادنا *** خير من العدل مع الكفر الجلي .

مصلحة الدين على الدنيا يرى *** تقديمها حتما مراعي الأفضل

"فمنافع" المستعمر و"عدالته " مصالح دنيوية ومن قبله لوجودها فقد أبدل الدين بالدنيا حسب محمد العاقب . / محمد ابراهيم الداه كيفه في 28نوفمبر 2016/ 22443605

مراجع البحث

مدخل إلى موريتانيا desire vuillemin

أبول مارتي : إمارة الترزه

جمال ولد الحامد : تدمير قصر الرشيد . مدرسة الأستذة العليا 1988

محمد محمود ولد ودادي : كنته الشرقيون 1984

افرير جاه : مذكرات الأيام والحروب في بلاد البيظان

مصادر شفهية موثوقة ـ ومقالات في النت .


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-11-30 10:59:03
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article16350.html