الثابت والمتغير بين نسختي الحوار في موريتانيا
وكالة كيفة للأنباء

مئات المواطنين، عشرات الأحزاب السياسية، وعدد كبير من الوجهاء الاجتماعيين ورؤساء منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية، كانوا على موعد مع "حوار وطني" جديد، حمل في تفاصيله وخطوطه العريضة الكثير من ملامح حوار 2011، حتى أنه يكاد يكون "حلقة جديدة" من مسلسل اسمه "الحوار".

بعد عامين من بداية ولايته الرئاسية الأولى أطلق الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز النسخة الأولى من الحوار مع "بعض أحزاب المعارضة"، أسفر عن مراجعة دستورية مرت عبر البرلمان، وها هو اليوم يطلق نسخة جديدة من الحوار "مع بعض أحزبا المعارضة"، بعد عامين من بداية ولايته الرئاسية الثانية، ألمح في افتتاحها إلى "تعديلات دستورية" ستمر هذه المرة عبر "استفتاء عام".

الثابت بين نسختي الحوار أكثر من المتغير، فالمكان هو نفسه (قصر المؤتمرات)، والتاريخ يكاد يكون نفسه إذا اكتفينا بالقول إن النسختين نظمتا في شهر سبتمبر، أما المشاركون والمقاطعون فلا نجد فيهم تغييرات كبيرة، حتى أن خطاب الرئيس حمل نفس الرسائل.

على المستوى السياسي، شارك في النسخة الأولى من الحوار أكثر من 60 حزباً تدور جميعها في فلك الأغلبية الرئاسية؛ أما المعارضة فكانت ممثلة بأربعة أحزاب هي: التحالف الشعبي التقدمي برئاسة مسعود ولد بلخير، الوئام الديمقراطي الاجتماعي برئاسة بيجل ولد هميد، الصواب برئاسة عبد السلام ولد حرمه، وأخيراً الحزب الموريتاني للإصلاح والمساواة "حمام" برئاسة محمد ولد لكحل.

من جهة أخرى كانت زعامة معسكر المقاطعين عند منسقية المعارضة الديمقراطية، التي تضم في صفوفها 11 حزباً سياسياً تمثل المعارضة التقليدية، من أبرزها حزب تكتل القوى الديمقراطية، اتحاد قوى التقدم، التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، بالإضافة إلى حزبي اللقاء وحاتم.

نفس المشهد يكاد يتكرر بتفاصيله في النسخة الجديدة من الحوار، فنفس الوجوه التي مثلت المعارضة في النسخة السابقة من الحوار كانت حاضرة، وظل معسكر المقاطعين كما هو إذا تجاوزنا بعض الهزات التي وقعت داخل أحزابه الكبيرة.

شارك في النسخة المحدثة من الحوار عشرات الأحزاب المنخرطة في صفوف الأغلبية الرئاسية، بنفس التشكيلة التي دخلت حوار 2011 مع تغيير بعض الأسماء؛ أما ممثلي المعارضة فبقي العديد من الأسماء كما هو (مسعود ولد بلخير، بيجل ولد هميد)، فيما غاب عبد السلام ولد حرمه رئيس حزب الصواب، وحضرت أحزاب وكتل سياسية جديدة أغلبها خرج من رحم أحزاب معارضة قاطعت الحوار، في مقدمتها حزب التحالف الوطني الديمقراطي (يعقوب ولد امين)، كتلة المواطنة (بلال ولد ورزك)، كتلة الوفاق (محمد ولد بربص).

لم يتغير المشهد في معسكر مقاطعي النسخة الجديدة، فقد اختفت منسقية المعارضة الديمقراطية لينهض على أنقاضها "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، بثلاثة أقطاب (قطب سياسي، قطب المجتمع المدني والنقابات، قطب الشخصيات المستقلة)، وهكذا أصبح المنتدى هو أكبر كتلة سياسية معارضة في البلاد، ترفض هذا الحوار وتصفه بـ"المهزلة والمسرحية".

تشابه نسختي الحوار لا يتوقف عند ثبات الشخوص في معسكري المعارضة المشاركة والمقاطعة، وإنما يتجاوزه إلى الجانب الرسمي الذي لم يخل هو الآخر من رتابة شخوص في معالجة هذا الملف؛ ففي النسخة الأولى من الحوار كان الوزير الأول آنذاك مولاي ولد محمد لقظف، هو اللاعب الأكبر على حلبة الحوار، وهو الدور الذي احتفظ به في النسخة الجديدة، ولكنه هذه المرة مارسه من أروقة القصر كأمين عام لرئاسة الجمهورية.

وحده حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم استطاع أن يحدث التغيير في قيادته خلال الفترة الفاصلة بين نسختي الحوار، ففي النسخة الأولى كان محمد محمود ولد محمد الأمين، هو رئيس الحزب والمتحدث باسمه، منصب شغله في النسخة الأخيرة سيدي محمد ولد محم، مع تغييرات واسعة في الصف الأمامي وأدوات عمل الحزب الأكبر في البلاد.

ورغم التشابه الكبير في التمثيل بين نسختي الحوار، وتمكن المعارضة من البقاء خارج "دائرة المتحاورين"، إلا أن ملفات قوية وقرارات هامة تطبخ داخل هذه الدائرة في النسخة الجديدة، من أبرزها تعديل نقاط حساسة من الدستور يرى بعض المعارضين أنها ستفتح الباب أمام تعديل نقاط أخرى جوهرية في الحفاظ على مبدأ التناوب السلمي على السلطة والمأموريات.

وفي حين أعلن الرئيس بشكل صريح خلال خطابه في النعمة مايو الماضي أنه "لن يكون عقبة أمام الديمقراطية"، تنظر المعارضة بكثير من الريبة لهذا الحوار وما سيسفر عنه من نتائج، بعضها قد يتسبب في هدم صفوف هذه المعارضة، كانتخابات برلمانية ومحلية عاجلة لا شك أن أحزاباً معارضة لن تفرط في المشاركة فيها لتحقيق مكاسب مرحلية.

وهكذا يبقى الموقف من الحوار، هو في النهاية لعبة لي أذرع بين معسكرين سياسيين، يرفع كل منهما شعار الدفاع عن مصالح الوطن، ويبقى التأزم هو سيد الموقف في انتظار النسخة الثالثة من الحوار، التي قد لا تختلف في كثير من تفاصيلها عن النسخة السابقة.

وقد يسأل أحدهم إن كانت نسخة الحوار الحديثة ستحقق النجاح الذي فشلت فيه النسخة السابقة التي شهد واحد من أبرز مهندسيها بفشلها، فقال ولد بلخير إن النظام لم يف بالتزامه بتطبيق ما أفرزته هذه النسخة من نتائج، ووجه ولد بلخير في لحظة صفاء سياسي سهام نقده إلى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تعد منتجاً حصرياً لحوار 2011.

صحراء ميديا


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-09-30 12:48:59
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article15717.html