ردا على مقال "أولى الأولويات"
وكالة كيفة للأنباء

ردا على المقال المنشور في موقع الأخبار تحت عنوان "أولى الأولويات" ، والذي يدعو صاحبه إلى ما يسميه ب"الجهاد" في دول عربية وأخرى أوروبية ـ لا زالت جراحها غائرة بسبب مخلفات الجهل والغلو والتطرف ـ من خلال خطاب تجييشي يحمل في طياته الشحناء والبغضاء حتى على "بلاد الحرمين الشريفين" الآمنة بحول الله وقوته، أولا وبفضل سياسة خدامها الساهرين عليها ثانيا.

أقول لصاحب المقال عليك أن تقوم بترشيد خطابك الديني، وتخفيف وطأة غلوه، وحدة تشنجه، ونبرة تطرفه، وروح تنطعه وتشدده، لكي لا تتجاوزحدود وسنن الرسالة الموكلة إلى (صناع الخطاب الديني) من الله سبحانه وتعالى، والمختزلة في الوظيفة النبوية الموجهة إلى رسوله الكريم والمحددة في العديد من المسالك التبليغية والإعلامية، إذ قال تعالى منوها بهذه الوظيفة النبوية الواجب اتقاؤها: فَذَكِرْ إِنًمَا أَنْتَ مُذَكًرُ ُ لست عليهم بمصيطر (الغاشية)، وقال: فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليكم البلاغ والله بصير بالعباد (المائدة).

فمن الواجب على صناع الخطاب الديني أن يتأسوا بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه من (الخطإ المعرفي والمنهجي معاملة الأحكام الشرعية الجزئية بمعزل عن مقاصدها وغاياتها، وبصرفها عن مآلاتها وآثارها، وبقصرها على ظواهرها وشكلياتها، وبحصرها في جانب القوالب والظواهر والشكليات والصور المنسوخة والمستلة والمكررة، التي تجعل تحمل وأداء هذه الأحكام أداء آليا وحرفيا فارغا من كل محتواه المصلحي ومضمونه الحياتي والحضاري والإنساني الناهض).

وهذه نماذج من حكمه المقاصدية، صلى الله عليه وسلم، التي يجب أن يهتدي بها صناع الخطاب الديني خلال إصدار الفتاوى والأحكام وتوجيهها لعامة المسلمين، فقد كان يرى عليه الصلاة والسلام أفضلية المداومة على العمل القليل، خير من العمل الكثير المنقطع، فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه ؟ قالت: فلانة: تذكر من صلاتها، قال: (مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَ اللَّهِ لاَ يَمَلُ ّاللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا)، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ" رواه البخاري ومسلم في الصحيح واللفظ للبخاري)، أي (اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه، فمنطوقه يقتضي الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة، ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق).

وفي نهاية التعليق أقول إن الخطاب المتشدد يأتي غالبا نتيجة قصر نظر أصحابه ومحدوديتها نحو الثقافة العالمية والإنسانية، وقلة معرفتهم بثقافة وآداب وفلسفات وأفكار ورؤى وميول ونفسيات وأخلاق وتوجهات وعادات وتقاليد وفنون ودوافع وقيم وأذواق.. الآخر المخالف محليا وإقليما وعربيا وإسلاميا وعالميا، وهو ما يعكس حقيقة مستوى وحال الجهل الفاضح والقادح الذي لا يمكن غفرانه البتة، ولا سيما ممن يسعون أن يكوموا من أولئك الذين على أيديهم يتم صناعة الخطاب والمنتج الديني.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-08-11 12:00:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article15206.html