هل القمة العربية مجرد ذكر لموريتانيا وسياحة للزعماء العرب؟
وكالة كيفة للأنباء

الكثير من الخيرين في هذا البلد يميل إلى انعقاد القمة العربية المرتقبة في جو من الأمان والاستقرار، لأن موريتانيا بطبيعتها مسالمة، وينبغي أن نحرص جميعا بغض النظر عن البعد السياسي الضيق على أن تجري هذه القمة في جو طبيعي، بعيدا عما يمس سمعة موريتانيا، خصوصا من الناحية الأمنية وحسن الضيافة.

ولكن يتخوف الكثيرون في المقابل أن تنحصر قيمة القمة في انعقاد شكلي لهذا الاجتماع العربي الواسع بموريتانيا، لتسجل فحسب موريتانيا انضمامها للائحة الدول العربية، التي استضافت بعض الزعماء العرب، تحت عنوان القمة العربية السابعة والعشرون، وإن كان هؤلاء الزعماء أو على الأقل بعضهم مثير للجدل بسبب أسلوب قيادته لدفة الحكم في وطنه. كما أنه من المتوقع بشكل راجح أن لا يطرأ تحسن ذو بال في الوضع العربي بعد انفضاض هذه القمة التقليدية.

فصدور بيان نواكشوط قد لا يتجاوز التنظير والأمل، ولذلك سموها قمة الأمل، ربما لأنهم يعرفون جيدا أن نتيجة هذه القمة وحصيلتها لن تتجاوز الأمل، ومن زعم غير ذلك قد يدخل تلقائيا في سياق المبالغة والدعاية غير المقنعة، لدى شرائح واسعة من الشارع العربي.

نواكشوط تستعد لهذا الحدث العربي اللافت منذ شهرين على الأقل، تمسح الشوارع وتعد الوسائل المختلفة ليتم في مستوى مقبول من الناحية التنظيمية والإعلامية، أما الجانب السياسي الأهم ، فالجميع موقن تقريبا بأن نواكشوط قد لا تفلح في خرق المعهود المزمن، من الخلاف العربي- العربي الراسخ العميق، للأسف البالغ.

ومن وجه آخر قد تكون هذه القمة فرصة لبعض الزعماء العرب للسياحة في حيز جغرافي وزمني ضيق، ليتسنى لهم مستقبلا القول أنهم زاروا عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية نواكشوط.

وبعد اختتام القمة العربية، بعد يومين من اللقاءات الشكلية في نظر البعض، 25-26 تموز 2016، يبقى الحال هنا في نواكشوط على وضعه المعروف، غير المثير للحسد، وكذلك هو الوضع في عموم الوطن العربي، لن تمنحه قمتنا جرعة علاج ناجع سوى الأمل في أحسن الأحوال.

يؤسفني أن يتلخص مشهد القمة العربية في بعدها السياسي ضمن هذه الحصيلة المحتملة الهزيلة، لأن العرب فشلوا عبر جامعتهم هذه واجتماعاتهم الدورية في حل ولو جزء من معضلاتهم الشائكة، والنظام السياسي عندنا نظام انقلابي في الأصل يتلاعب بمقدرات هذا الشعب، ليستفيد سدنته من حدث القمة أو غيره وتظل الأغلبية جائعة محرومة، أقل ما يقال عنها أنها ناقصة الحقوق والحرمات.

وأكرر ما نبهت إليه سابقا، العامل الأمني وحسن الضيافة في غاية الأهمية.

فمهما حسبت هذه المكاسب المعنوية إن تأكد تحصيلها، لصالح النظام القائم بطريقة موضوعية أو غير موضوعية، فإنه يجدر بنا جميعا الحرص على تأمين هذا الحدث الحساس، لأن ما سوى ذلك، قد يضر بعمق بسمعتنا في هذا الصدد، وكذلك العناية بالضيوف وعدم إهانتهم، بغض النظر عن تصرفاتهم وأدائهم في أوطانهم، فواجبنا تجاههم حسن الضيافة والإكرام إلى حين المغادرة بسلام بإذن الله تعالى.

ومن الملاحظ أن بعض الأنظمة المعروفة دفعت لإقامة القمة العربية في نواكشوط في ضيافة ولد عبد العزيز، لأن هذا الأخير يتماهى مع بعض توجهاتهم، وهذه تزكية ضمنية لهذا النظام في توقيت حرج، مما قد يعد تغليبا له على حساب القوى الوطنية المناوئة، ويسجل باهتمام هذا المأخذ لدى كثير من النخب المحلية، مهما عبرت عن ذلك، أو أخفته تقية. ويرجو هؤلاء لو انعقدت القمة العربية مهما كان هزالها في ظروف غير مسيسة ولا داعمة لنظام غير مرغوب، لتكون بحق مؤنسة لمشاعر مختلف الموريتانيين من مختلف المشارب، أما الانعقاد الحالي في الظرف المحلي بملابساته الراهنة، فقد يعتبره البعض دعما لنظام ولد عبد العزيز، قد يتيح له المزيد من النفس السياسي والوسائل المادية.

ومهما يكن مستوى الدعاية لهذه القمة، فلن تتجاوز الشعار والديكور، في أغلب نتائجها على الأقل.

لأن الجرح العربي للأسف غائر مستحكم ويحتاج إلى تنازلات وتفاهمات حقيقية، والوضع عندنا، عيبه الأول البارز، عدم الشرعية وخصوصية المنافع والامتيازات، مما كرس غياب مفهوم الدولة بمعناه الشامل، عبر الحد الأدنى من العدل. أما أن يجتمع بعض زعماء العرب في نواكشوط، بصورة متعسفة، فقد يكون في هذا بعض صلة الرحم العربي إن صح الإطلاق، لكنه لا يكفي لتجاوز المّأزق العربي الثقيل.

وفي انتظار جلوس الزعماء العرب على مقاعد القمة الوشيكة، لا بأس بالتذكير بضرورة التصالح العربي ونبذ الانقلابات والاحتكام للحوار السياسي السلمي، كما نذكر بصورة مركزية بقضية فلسطين والأقصى الأسير وحصار غزة وضياع سوريا وتمزق اليمن والعراق وليبيا، فكلها وغيرها بقاع عربية تنزف وتنتظر، فهل يفلح المجتمعون في تجاوز جزء من مأساة العرب المؤلمة.

إن العرب بحاجة ماسة استعجالية للتفاهم والتقارب والتصالح.

وبكلمة واحدة، ومهما كان مستوى الاختلاف في التحليل، فالضيوف القادمون ضيوف دولة قبل نظام سياسي عابر.

بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-07-20 23:21:12
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article14964.html