رمضان شهر الاحساس بالأخر
وكالة كيفة للأنباء

رمضان شهر الاحساس بالأخر والانتصار على الشهوة ولذلك كان شهر الصيام شهر البذل والعطاء .

الغني لايحس بالجوع طيلة السنة إلا في هذا الشهر فعندما يفرض عليه الصوم ويتساوي هو والمحروم في الجوع والعطش والامساك عن كل الشهوات ـ في نهار رمضان ، فسيحس بالآخر إحساسا ذاتيا وبشعور داخلي مقنع ، لايساوره شك ولاريب ، لأنه سيجرب الحرمان من كل الشهوات لمدة شهر كامل ، ويزيده تدريبا على الاحساس بالآخر و بمرارة الحرمان ، ما يسمعه من آيات بينات صافية تصفي القلوب بعد أن يصفي نهار رمضان البطون والجانب المادي في بدن الانسان فيرقى الجانب الروحي ويرقى المسلم إلى مصاف الملائكة الذين لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، فيشع النور في القلوب المليئة طيلة السنة بأنواع الشهوات والتخمة ونسيان الأخر فتحن إلى البذل والعطاء.

وهذا مايفسر جوده صلى الله عليه وسلم في كل الأزمة ومضاعفة ذلك الجود في شهر رمضان فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.رواه البخاري.

قال الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله تعالى في معرض تفسيره لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) [البقرة : 183]. معنى التقوى هو أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية، وأن نتقي بطش الله، ونتقي النار وهي من آثار صفات الجلال. وقوله الحق: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي أن نهذب ونشذب سلوكنا فنبتعد عن المعاصي، والمعاصي في النفس إنما تنشأ من شره ماديتها إلى أمر ما. والصيام كما نعلم يضعف شره المادية وحدتها وتسلطها في الجسد، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم للشباب المراهق وغيره: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".

وكأن الصوم يشذب شِرَّة المادية في الجسم الشاب. وإن تقليل الطعام يعني تقليل وقود المادة، فيقل السعار الذي يدفع الإنسان لارتكاب المعاصي. والصيام في رمضان يعطي الإنسان الاستقامة لمدة شهر، ويلحظ الإنسان حلاوة الاستقامة فيستمر بها بعد رمضان.

والحق لا يطلب منك الاستقامة في رمضان فقط، إنما هو سبحانه قد اصطفى رمضان كزمن تتدرب فيه على الاستقامة لتشيع من بعد ذلك في كل حياتك؛ لأن اصطفاء الله لزمان أو اصطفاء الله لمكان أو لإنسان ليس لتدليل الزمان، ولا لتدليل المكان، ولا لتدليل الإنسان، وإنما يريد الله من اصطفائه لرسول أن يشيع أثر اصطفاء الرسول في كل الناس. ولذلك نجد تاريخ الرسل مليئا بالمشقة والتعب، وهذا دليل على أن مشقة الرسالة يتحملها الرسول وتعبها يقع عليه هو. فالله لم يصطفه ليدللـه، وإنما اصطفاه ليجعله أسوة.

وكذلك يصطفي الله من الزمان أياما لا ليدللها على بقية الأزمنة، ولكن لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يشيع اصطفاء هذا الزمان في كل الأزمنة، كاصطفائه لأيام رمضان، والحق سبحانه وتعالى يصطفي الأمكنة ليشيع اصطفاؤها في كل الأمكنة.

إذن فحين يصطفي الله زماناً أو مكاناً أو يصطفي إنساناً إنما يشاء الحق سبحانه وتعالى أن يشيع اصطفاء الإنسان في كل الناس، واصطفاء المكان في كل الأمكنة واصطفاء الزمان في كل الأزمنة، ولذلك أتعجب عندما أجد الناس تستقبل رمضان بالتسبيح وبآيات القرآن وبعد أن ينتهي رمضان ينسون ذلك. وأقول هل جاء رمضان ليحرس لنا الدين، أم أن رمضان يجيء ليدربنا على أن نعيش بخلق الصفاء في كل الأزمنة؟


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2024-03-11 00:05:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article14690.html