الاسترقاق بين جدلية الدولة والقبيلة
وكالة كيفة للأنباء

قيل قديما لقداخترع الناس الدولة كي لايطيعوا الناس ,من هذه المقاربة يمكن تعريف الدولة بأنها جهاز سياسي قانوني متطور ينظم المجتمع ويضع الخطط العامة للنهوض بالوطن والمواطن ,أما القبيلة الوجه الآخر للدولة ويدها التي تبطش بها فهي عبارة عن نظام اجتماعي بدائي قائم على الاستقرارالزمكاني وعاطفة الجماعة,ووجدت قديما كي تنتظم بها حياة جماعة ما ولتتعارف فيما بينها.

فأيهما الأخطر على بنية النسيج الاجتماعي وكيف يستقيم وجود دولة المواطنة فى ظل قوة وجبروت القبيلة ألا تعد قوة القبيلة تراجعا لهيمنة الدولة وضعفا لها ألم تكن فكرة الدولة خرجت من رحم عجز القبيلة عن تلبية حاجات الأفراد؟ ,بمعنى آخر هل يمكن القول تجوزا انهما وجهان لعملة واحدة فى ممارسة الاسترقاق ؟

فعادة ماتتم اكتشاف حالة استرقاق فى بعض مناطقنا النائية لكن سرعان مايتم التستر عليها بفعل تدخل النافذين بالدولة أو القبيلة وهو مايحول دون تطبيق قانون مكافحة الرق المصادق عليه من طرف الحكومة ,فكيف يمكن والحالة هذه أن نقضي على الاسترقاق فى ظل تكتم السلطة على وجود حالات استرقاق وحماية تامة للاستعباديين ,ليظل بذلك ممارسو الاسترقاق فى مأمن وحماية من لدن الدولة والقبيلة والمتحالفين مع جنجويد المشرعنين دينيا للاسترقاق .

وعود على بدء نجد أن أكبر المشاكل التى تعيشها موريتانيا اليوم هي ظاهرة التداخل والتحالف المنظم والممنهج بين القبيلة والدولة حتى أنه يصبح من العبثي الفصل بين الدولة والقبيلة ,بمعنى آخر يصبح المرء حيرانا أهو فى دولة جديثة تساوى بين أفرادها أم فى تجمع أعلى للقبائل والتحالفات العشائرية ومن ثمة يكون حكامنا فى منأى عن اقامة الدولة الراعية التى يجب فيها الفصل بين القبيلة والدولة فأنت عزيزي القارئ لاتكاد تجد أن كل شيئ اليوم لايمنح الا على أساس الولاءات الضيقة ,فهي لا تمنح الامتيازات حسب الكفاءة والأهلية ,مما يضفى بظلاله المؤلمة والموجعة على محيا الأرقاء والأرقاء السابقين فتكون نتيجة ذلك لاتتجاوز دولة الجماعات أو الميليشيات الحاكمة وبمباركة وتزكية من فقهاء النخاسة التى تحركها الأطماع والمحمية من لدن السلطة ,وهذه الجماعات هي التى تستفيد لوحدها من ثمار الدولة وامتيازاتها تاركة بذلك الأرقاء والمهمشين يعانون من الفقر المدقع والأمراض الفتاكة والتى ستقضى على ماتبقى من فضلات السلطة بعد أن تخلت عنهم ابان حمل شعار رئيس الفقراء ولتعبث بهم أيادى القدر والزوال والفناء والعدمية الأبدية وليطبقوا بذلك المقولة الهوبزية اذا أردت أن تسيطر على المجتمع فاقتل نصفه من أجل أن يعيش النصف الآخر كل هذا وذاك يؤدى الى كثرة الأصوات المطالبة بالعدالة ويؤدى الى الاحساس بمرارة ومأساة الظلم الايجابي ـ باعتبار الظلم أحيانا ليس ايجابيا ـ وان قيل من الظلم تولد الحريات فبقدر ظلم الانسان بقدر احساسه ووعيه بحقوقه والبحث عنها ,ففى ظل الظلم والغبن يكون الوطن فى غير مأمن وهومايؤدى الى كثرة الانقلابات والانفلات الأمنى,مما يستدعى اصلاحا جذريا ظاهره يحمل الاصلاح الجذري وباطنه يحمل التنكيل والتغرير والوعيد لكل من يعارض السلطة وينافح ويكافح من أجل العدالة والمساواة ,وهي لعمرى مسألة تتكالب فيها الجماعات النافذة والمتسلطة على السلطة والمال والجاه باعتبارها امتيازات يجنيها هؤلاء مكافأة لهم عند ارتهانهم للبلد,واختطافهم له.ومن ثمة يمكن الحديث عن طبيعة الجماعات الحاكمة التى تحدثنا عنها للتو وهي عبارة عن تحالف شيطاني مارد يضم الممسكين بزمام السلطة أيا كانوا وكيف ما كانوا وعادة ما يكونوا عسكريون تحميهم القبائل وتشرعن لهم المؤسسة التدينية الغير عاملة وزمرة المثقفين المدجنين والساسة المخادعين ورجال الأعمال المصطنعين مزاجياوقبليا وبذا تكون الدولة فى موقف حرج تحسد عليه ,فتكون مجبرة فى التعامل مع هذا الكشكول المتلون ذى المطالب المتباينة والمتعددة التى لايجمعها سوى تقسيم الكعكة لتغدو بذلك الدولة مفتقرة وفقيرة فيتيه الأرقاء والأرقاء السابقون فى مهاوى الفقر والضياع ,لأن هؤلاء من قادة رأي وعلماء نخاسة ومثقفين ورجال أعمال ليس لهم من اله يعبدونه غير الثراء الفاحش وبأقل تكلفة وأقصر الطرق ,ولو أنصف الدهر لجاز القول ان مؤسسى الدولة الأوائل حاولوا تجاوز القبيلة وكل ما من شأنه تقويض الدولة لصالح هذه الأخيرة ولكل مكوناتها الشعبية وبمختلف أطيافها ومشاربها السياسية رغم صعوبة الوضعية وشح الموارد وفى ظل مجتمع قبلي بدوي لاعهد له بالدولة ونشير الى أنه اذا كانت الدولة مختطفة ومرتهنة لصالح ثلة من الحكام الشعبويين المافويين فان القبيلة هي الأخرى مختطفة ومرتهنة من قبل زمرة قليلة هكذا ندعو من خلال هذا المقال المتواضع الى أن تتحمل الدولة مسؤولياتها تجاه الأفراد وتستجيب لمطالب الشعب ,كما ندعو الى تقويض البنى الاجتماعية التقليدية والتى وضعتنا فيما نحن فيه اليوم وكسر وتحطيم أصنام الحواجز والفوارق بين الطبقات ,فنحن بحاجة ماسة الى التماسك الاجتماعي , وان قيام دولة تحالف الجماعات هي الوريث الشرعي للعودة الى طبقة النبلاء وأبناء الشيوخ واذكاء النعرات, وهو ماينتج عنه بروز تصاعد وتيرة النضال الذى تخوضه أطراف وأطياف سوسيوـ بوليتيكية كلحراطين ولمعلمين التى برزت أخيرا لتطالب بحقوقها واقامة دولة الحق والمساواة ,بعيدا عن دولة الأعيان والقبائل باعتبار هذه الأخيرة اطار هرمي تسلطي لايعبأ بالمساواة ولا يقيم وزنا لحقوق الانسان وهي مسؤولة بالدرجة الأولى عن التراتبية الطبقية والاسترقاق واضطهاد المرأة والنظرة الدونية للشباب مما يفاقم ظاهرة اللاأمن واللااستقرار اللذين هما قطبا التنمية وتماسك المجتمع وعلى الرغم من الجهود المبذولة من طرف الدولة للقضاء على ظاهرة الاسترقاق الا أن الدولة لاتزال تتحالف مع جلادى العبيد والزعامات التقليدية كما أن ممارسة سياسة طلاء الرأس والترقيع هنا وهناك لاتجدى نفعا للمحرومين أو ليس اجتماع رئيس الحزب الحاكم ببعض سياسي الحوض الشرقى الا دليلا على ذلك من احياء لدور القبيلة واذكاء روح وأوتاد القبيلة وكأنه يمثل دور عارض بضاعة القبيلة بغية شراء ذمم القبائل بدريهمات أتت على كاهل الأرقاء وقت تسويق خارطة طريق تجريم الاسترقاق بالخارج,فأيهما الأجدر بالرأفة على الأرقاء والأرقاء السابقين الدولة أم القبيلة ؟

باحث وحقوقي

كيفة بتاريخ : 22ـ04ـ2016


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-04-25 12:47:15
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article14014.html