الصفحة الأساسية > آراء حرة > الديمقراطية والحوار

الديمقراطية والحوار

الأحد 8 آذار (مارس) 2015  18:29

إن العمل السياسي لا يرتب على المواسم وإنما يحويها في صيرورته ويلزم أن يكون التعاطي معها جزء منه في شموليته التي تصير الحدث حلقة من كل لا منطلقا لفعل مبتور. لقد دأب طيفنا السياسي على اعتبار المواسم منطلقات لا تترك للماضي أثرا ولا للتجارب من مفعول وبذلك يصبح كل حدث سياسي وإن تكرر إبداعا لا جزء من مسار قطع منه شوط معتبر.

نتوقف مع كل حدث لا للتأمل فحسب، بل لظننا أننا بحاجة إلى العودة إلى نقطة البداية فنعيد التجربة وننطلق من بداية الجدع في صعود عسير. نحس المشكلة لكن لا نتعرف على مكامن تأثيرها ولا حز مفاصلها فنبدع بالرجعة فيكون الخلاص بالتنادي إلى ذلك المفهوم المجرد الحوار ووصفه المطاط "الجاد" ليتخيل كل منا أن هدفه سيتحقق من خلال تصور مبني على منظومة فكرية أقرب للأماني منها إلى المنطق والحكمة، يتمسك كل منا بالمفهوم كما يراه واشتراطاته التي تخدم غاياته ومقاساته المعدة قبل الطرح فيعيش الطيف أحلام اليقظة أو لا ندري كيف يعيش.

هكذا قولبنا تجربتنا الديمقراطية وظل منهجنا البحث عن نقاط تلاق ليست في الأصل من معالم النهج وخطاب غريب على أدبياته وبذلك نتجاوز ملامح التعددية ونبعد سر وجودها الذي ليس سوى اختلاف وجهات النظر وتقديم نماذج تتباين مضامينها وتسمع من منابر مختلفة في الواقع المعاش.

إن مثل هذا النوع من الارتباك والحيرة لا يمكن أن يفسر إلا بفراغ في مضمون الرؤية السياسية الأصلية أو قصور في الأداء. هذا ما جعل العمل السياسي كما يتجلى على ساحتنا يظل في حركة دائرية يدور كما تدور أشهر السنة يتكرر بأسمائه وأوسمته في مناسبات لا تختلف عن سابقاتها إلا بما يختلف به ظرف الشهر في سنة عن أخرى.

هكذا حاولنا تجاوز أزماتنا منذ 2009 فكنا قدوة استوحت من تجاربنا دول أعظم منا شأنا وأعمق تجربة فكان لنا السبق في "الربيع العربي" وفي التحول من النظام العسكري إلى النظام المدني دون انتقال يذكر فأخذ عنا المصريون ذلك، اقتنعنا بذلك فهنيئا لنا، وكيف لا نفخر بهذا السبق وقد تداعت نخبنا بحسها الوطني ورحلت إلى دكار كعادة "أغيابنا" لتحصله وتقره و لنتجاوز الخلاف بحوار "جاد" سبرت فيه أغوار المشكل واتفقت فيه الأطراف اتفاقا عربيا في وصف دريد لحان. رجعوا إلى الدار وحضر الشهود وأعلن نتائج الحوار "الجاد" وما هي إلا ساعات حتى انكشف الغيب وتجذرت الأزمة لتغيب الثقة حتى اليوم.

ألم يكن حوار داكار شاملا وجديا؟ أولم يصفوه بذلك؟ قبلوه رفضوه تبادلوا التهم، اعتبره بعضهم مرجعية أساسية في حين اعتبره آخرون وصمة عار.

كانت جولة داكار حلقة، والمنتدات العامة للديمقراطية حلقة والمشاورات حلقة وكذلك الوساطات حلقة واللقاآت حلقة، في كل مناسبات الحوارات هذه أفرغ كل ما في جعبته وكانت النتيجة تكرار انسحاب أو تجدده ومن ثم الرجوع إلى الخلاف في أطر وأطراف لم تكن موجودة من قبل دون أن يكون للتجربة معنى أو للفشل أثرا رادعا. استمر البحث تحت ظل غمامة الحوار "الجاد" لنتجاوز الأزمة وما أدريك ما الأزمة، فالموالاة ترى الأمور بعين الرضى وتتصور بأن الوضع أفضل ما يمكن أن يكون لا من منظور النسبية ولكن ببعد المثالية المطلق، أما المعارضة فترى الأوضاع من زاوية يستحيل معها الخروج من الأزمة ومع ذلك فالكل يلتمس سبيلا للقاء عسى أن تكون البركة فيه.

هكذا حين انقسمت الساحة إلى موال ممانع ومعارض عنيد، ظهرت رؤية ثالثة تحمل راية المعارضة وتنهج سبيل الموالاة ومع ذلك تصدع بأنها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء حاورت الطائفتين فأقصت البعض أو أقصاها وقربت البعض أو قربها وبدأت حوارا حققت منه مكاسب اعتبرتها جزءا كبيرا مما كان مطلوبا إن لم تشمله كله"ترسانة قانونية، تنظيم عملي، لجنة مستقلة للانتخابات....الخ".

كانت تلك نتائج حوار "جــــــــــــــــاد" لكنها لم تسلم من نقد بل من تجريح حتى من توصلوا إليها واعتزوا بأماراتها، فمنذ بدأ العمل وفقها لاحت في الأفق أمارات الردة وتجذرت حتى أعتبر ما كان مفخرة عيبا فقيل في اللجنة المستقلة للانتخابات وطالبت أصوات بحلها واتهمت الإدارة بالانحياز ونعت كل طرف الآخر بعدم الجدية والالتفاف على نتائج الحوار، وكأن كل ما قيم به هذه المرة ليس سوى صورة طبق الأصل مما سبقه، صوت حناجر لا فعلا صدر بصدق عن نوايا فاعلين.

يتواصل

عن موقع اضواء

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016