الصفحة الأساسية > آراء حرة > الطوارق في مالي ثوابت الاتصال ومسوغات الانفصال

الطوارق في مالي ثوابت الاتصال ومسوغات الانفصال

الخميس 5 نيسان (أبريل) 2012  11:02

يكثر الحديث هذه الأيام عن محنة الطوارق في شمال مالي بعد سعي هذا الشعب الممانع للانفصال من أجل قيام دولة "تاركيه" قد تمتد حدودها لتشمل مناطق وجود هذه القبائل في كل من النيجر والجزائر وليبيا وبوركينافاسو بالإضافة طبعا إلى مالي، وبما أن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها تمرد من هذا النوع إلا أن وضعية منطقة الساحل الإستراتيجية والتي تتمثل في كونها تحولت من مناطق خلفية للجماعات الإسلامية في الجزائر، ومرتعا للمهربين وتجار المخدرات إلى منطقة خطرة بعد أن جعلتها القاعدة في الغرب الإسلامي مكان لتواجدها ومعسكرا مفتوحا للتدريب والتجنيد، هذا الوضع الجديد جعل المنطقة في وسط دائرة الضوء لا بالنسبة للدول المحيطة بالساحل الصحراوي فحسب بل بالنسبة للقوى الغربية العظمى وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا.

لكن أي تحليل موضوعي لما يجري في الساحل لا يأخذ بعين الاعتبار ماضي هذا الشعب وحاضر هذه المنطقة يظل تحليلا ناقصا، لذلك سنتوقف عند محطات مهمة من تاريخ الطوارق في منطقة الساحل الصحراوي

الطوارق بين التاريخ والجغرافيا يكاد يتفق أغلب المؤرخين على أن الشعب المعروف اليوم بالطوارق أو "أماجغن" و"أماشغن" كما يسمون أنفسهم ينتمون في الأصل إلى قبيلة "تاركا" الصنهاجية التي كانت تعمر المجال ما بين وادي درعه والساقية الحمراء، لكن القبيلة انزاحت جنوبا منذ ما قبل قيام الحركة المرابطية وكان لها دور فاعل في قيامها فيما بعد مما أهلها لأن تلعب دورا مهما في منطقة الساحل الصحراوي خاصة بعد سقوط المرابطين، فانفردت مجموعة الطوارق منها خاصة بالمنطقة الصحراوية المحاذية لنهر النيجر وانتشرت بالمنطقة وقامت بتأسيس مدينة "تنبكتو" على يد "طوارق مقشرن" في نهاية القرن الخامس الهجري، وظلت المنطقة الممتدة بين فزان واغدامس في ليبيا وجنوب الجزائر وشمال ونهر النيجر مكانا لنفوذ الطوارق فأطلقوا على المنطقة أسماء متقاربة ففي النيجر أطلقوا على منطقتهم "أزواغ" وفي مالي أطلقوا عليها "أزواد" وتعني الكلمتان في اللغة الطوارقية "السهل" حيث أن المنطقة المحاذية للصحراء الإفريقية الكبرى جنوبا، والممتدة من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي تنتشر فيها السهول بشكل كبير، وقد ظلت علاقات هذه القبائل مع الدول السودانية ( غانة مالي السونغاي ) تتراوح بين الود أحيانا والعداء أحايين كثيرة، وكانت مدينة "تنبكتو" حاضرة الطوارق السياسية والثقافية حيث امتزجوا بالقبائل السودانية فكان هنالك الطوارق البيض والطوارق السود، وبرزت أسماء لامعة من هذه القبائل على المستوى الثقافي والعلمي وفي العصر الحديث وقفوا كغيرهم من الشعوب الإفريقية في وجه الاستعمار الأوروبي، وكانت لهم مواقف مشرفة في مقاومته حيث تعتبر معركة "فالينغي" ضد الفرنسيين 1916 خير مثال على ذلك وبعد استقلال الدول الإفريقية مزقت الحدود الجديدة أوصال الطوارق ليجدوا أنفسهم عبارة عن مجموعة من الأقليات فأحسوا بالظلم وبدأت مسيرة المطالبة بالانفصال

فرص الانفصال ضمن التجاذبات الدولية والإقليمية

إن التوزيع الجغرافي لمجموعات الطوارق فرض عليهم الوجود ضمن مجالات جغرافية بعيدة عن السلط المركزية للدول التي تضم أقليات "تاركيه" مما جعل هذه المجموعات تعيش في هوامش هذه الدول، ضف إلى ذلك الظروف المناخية الصعبة وموجات الجفاف المتتالية التي ضربت الساحل والصحراء منذ بداية السبعينات، هذا إذا علمنا أن دول المنطقة تعاني هي الأخرى كثيرا من المشاكل لعل أهمها هشاشة البنية السياسية والاقتصادية، كلها عوامل فاقمت من معاناة الطوارق فبدأت دعوات الانفصال ترتفع من وقت لآخر فجاءت سنة 1963 ليطالب طوارق "إفوغاس" في منطقة "كيدال" بحقوقهم السياسية، إلا أن السلطات المالية قمعت هذا التحرك بشدة وظلت منطقة الساحل بؤرة للتوتر حتى بداية التسعينيات حيث ستشهد المنطقة تحولا في التعامل مع تحركات الطوارق خصوصا بعد إعلان المجموعات الإسلامية المسلحة الحرب على الحكومة الجزائرية، فكانت منطقة "أزواد" ملاذا لهذه المجموعات فدخلت الجزائر بثقلها من أجل إيجاد حل لهذا المشكل فجاء إتفاق السلام 1991 لكن الأطراف لم تحترم هذا الاتفاق حيث ظلت ثورات الطوارق تندلع من حين لآخر فدخلت أطراف أخرى كليبيا مثلا فكان القذافي يدعم من وقت لآخر هذه التحركات لكن بداية هذا القرن وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأمريكية على الإرهاب ستكون المنطقة محط أنظار القوي الدولية الكبرى حيث حاولت السلطات المالية الربط بين تحركات الطوارق والجماعات الإسلامية خاصة بعد أن انتقل مركز القاعدة من الشرق إلى الغرب بعد الإعلان عن إنشاء "قاعدة الغرب الإسلامي" والتي نشطت بشكل كبير في منطقة الساحل الصحراوي فأصبح توفير الأمن في المنطقة هاجسا يؤرق دول العالم فتم طرح مجموعة من الفرضيات لتحقيق هذا المطلب الملح فدعا البعض إلى توطيد السلطة المالية على منطقة "أزواد" من خلال دعمها بالوسائل اللوجستية ودعا البعض الآخر إلى دعم تمرد الطوارق من أجل وجود سلطة مركزية في منطقة الساحل تستطيع الوقوف أمام تحركات المجموعات المسلحة، ولعل التوجه الأخير هو ما أغرى بعض القيادات "التاركيه" للمطالبات الأخيرة بالإنفصال، ولن نناقش التوجه الأول لوجاهة طرحه لكن الإفتراض الأخير يجعل الباحث يطرح الكثير من التساؤلات: هل بإمكان شعب أزواد تأسيس دولة مستقلة؟ وهل هناك مقومات إقتصادية وسياسية لقيام هذا الكيان؟ وما هو موقع القاعدة ضمن هذه المستجدات؟

دولة "أزواد" مكامن القوة ومآلات الفشل

إن أمام كل تحرك انفصالي جديد مجموعة من التحديات تفرضها طبيعة المنطقة والظروف السياسية المحيطة بها، ومن سنن التاريخ أن تتأثر منطقة الساحل بكل أحداث شمال إفريقيا ولعل رياح ما يسمى "بالربيع العربي" قد هبت مبكرة محدثة خريفا للسيطرة المالية على إقليم "أزواد" كما أن الثورة الليبية مكنت الطوارق من الحصول على القدر الكافي من الأسلحة لقلب موازين القوة وذلك ما يفسر التقدم الكبير الذي حققه هؤلاء في السيطرة على مدن الشمال خاصة بعد أن أعلنوا سيطرتهم على "تنبكتو" مما يجعلنا نتساءل عن فرص نجاح مشروع الدولة الجديدة في إقليم "أزواد".

يقع هذا الإقليم في مجال جغرافي جاف ولا يتوفر على منفذ بحري وإذا أفترضنا وجود معادن في المنطقة إلا أن إكتشافها وأستخراجها سيتطلب وقتا طويلا، كما أن محافظة هذا المجتمع على بنيته القبلية وعاداته ولغته واعتماده على حياة التنقل والترحال جعلته بمعزل عن التواصل مع العالم الخارجي مما يطرح تحديا كبيرا خصوصا في مجال المصادر البشرية الكافية للقيام بشؤون دولة إن ولدت فستكون ولادتها قيصرية، ولعل التحدي الأكبر الذي سيواجه القادة الجدد لهذا الكيان هو طبيعة التعامل مع المجموعات المسلحة وخاصة القاعدة في الغرب الإسلامي فمن المعلوم أن أفراد هذا التنظيم كانوا يتنقلون في هذا الإقليم ضمن حماية بعض الجماعات القبلية في المنطقة ولم يكن في إمكان الدول الغربية مطالبة السلطات المالية بحل هذا المشكل نظرا لهشاشة النفوذ المالي بالمنطقة إلا أن قيام دولة جديدة في "أزواد" سيفرض عليها محاولة الحد من تحركات هذه الجماعات وهو ما سيضعها في صدام مباشر معها والذي سيكون كافيا لتقويض مشروع دولة الطوارق في مهده خاصة إذا علمنا بأن بعض هذه المجموعات ساعد في عملية "التحرير" ولعل تنظيم "أنصار السنة" خير دليل على ذلك ضف إلى ذلك تخوف دول الجوار وخاصة النيجر وليبيا والجزائر من انتشار عدوى الانفصال داخل الأقليات "التاركيه" في هذه الدول لكن من ناحية أخرى فإن قوة هذه القبائل وممانعة هذا المجتمع قد تساعد إلى حد كبير في تجاوز هذه التحديات خصوصا أنها عانت الأمرين من السلطات المالية التي قمعت كل المحاولات السابقة للإنفصال، كما أن المناخ الدولي الجديد والذي اتسم بأخذ الشعوب بزمام المبادرة قد يكون هو الآخر عنصر دعم لقيام دولة "أزواد" لكن العامل الحاسم والذي سيحدد ما إذا كان هذا المشروع سيكتب له النجاح فهو الموقف الغربي والذي يتسم الآن بكثير من التحفظ خاصة بعد تقويض العملية الديمقراطية في مالي إثر الانقلاب الأخير ومخاوفه من أن تتمكن القاعدة من إيجاد أفغانستان إفريقية.

وفي المحصلة فإننا نعتقد أن السيناريو المحتمل سيسير في اتجاه إيجاد حكم ذاتي للطوارق في إقليم "أزواد" خصوصا بعد أن أصبحت سيطرتهم أمرا واقعا هذا إن استطاعت السلطات المالية التغلب على الأزمة السياسية الداخلية وإلا فإن الأمور ستظل مفتوحة على جميع الاحتمالات .

الدكتور: المصطفى ولد يكبر

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016