الصفحة الأساسية > آراء حرة > النص الفائز في مسابقة المرحوم حبيب ولد محفوظ/ ملاي ولد أبحيده

النص الفائز في مسابقة المرحوم حبيب ولد محفوظ/ ملاي ولد أبحيده

الجمعة 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2011  05:08

ما من شك في أن المجتمعات البشرية مهما بلغت من العلم والتطور في عالمنا اليوم ستظل مرهونة بتراثها الإنساني الذي يميزها، وترى فيه ذاتها وتقرأ مستقبلها، فأي مجتمع لا يملك موروثا ثقافيا يكون وعاء مميزا لأفراده الذين ينتمون إليه، فإنه يظل مجتمعا عاجزا عن تجاوز الحاضر، بخطوات واثقة نظرا لغياب الوازع الروحي والمعنوي لأفراده؛ فالتطور العلمي والتكنولوجي، الذي حول العالم اليوم من تجمعات بشرية مغلقة على جملة من الحروف والمعاني والأشكال في عدة ملايين من البشر، إلى قرية صغيرة بدون حواجز رملية ولا حدود جغرافية، وحتى لغوية، يشكل خطرا أكبر على الكنوز العلمية " الثقافية، والحضارية لبني البشر، الذين وجدوا بعيدا عن حدود عالمنا اليوم.. فالمجتمعات العربية والهندية والصينية والاروبية والإفريقية، تزخر بمورثه الثقافي الذي يشكل رافدا مهما تضيء درب تلك الشعوب، عبر تجارب ومميزات، ظلت ساكنة تلك البلدان تحافظ عليها، وتحول دونها والاندثار ولو جزئيا؛ وبقدر ما حافظت عليها في وجه الاجتياح العولمي، ازداد العالم إيمانا وتطورا وحبا في الإبداع والتبصر، ومن هنا فإن المجتمع الموريتاني الذي اشتهر كباقي مجتمعات المعمورة، بثقافته وتقاليده الضاربة في أعماق التاريخ، في ظل ما يعرف تاريخيا ببلاد "شنيقيط" ومملكة أوداغست " غانا" حصنا منيعا له منذ أيام الهجرات العربية الأولي إلى هذه الأرض، لمجتمع " البيظان" والبولار، الذين عرفوا سكانا للمنطقة منذ عشرات القرون؛ حافظ المجتمع الجديد بتعدد تركيبته السكانية التي ضمت فئات عرقية مختلفة، على موروثه الثقافي والاجتماعي الأصيل. فعادات وتقاليد المكونات الجيوسلوجية لسكان هذه الأرض، استطاعت عبر الأزمنة المختلفة من مراحل تطور البلد أن تبقى على بريقها اللامع في مواجهة غول العولمة ومرادفاتها الحديثة، انطلاقا من مبدأ نسبية الهوية، التي أضحت من أكبر القضايا التي تواجه المشروع الوطني للدولة الموريتانية الحديثة، وفي القارة السمراء عموما، وهذا الشريط خصوصا، حيث لازالت كلّ دولة فيه تعاني أزمة التكامل القومي، وتبحث عن خيوط الوحدة وعناصر نسيجها وضمان توازنها واستقرارها؛وبعيدا عن لغط المفهوم المشترك للهوية الموريتانية، وتعدد اللغات والإثنيات، وصراع السيطرة الذي يعزف بعضنا على وتره، لحاجة في نفس يعقوب، فإن موريتانيا ستبقى بألوانها ولغاتها الوطنية المختلفة، بإقليمها، ومصادر هويتها المختلفة، اثنيا وعرقيا، سلالة، وقرابة، دينيا، ولغويا، وحضاريا، وتاريخا، مصدر قوة وإلهام للشعب العربي الإفريقي الواحد؛ وسدا منيعا في مواجهة الذوبان الحضاري والثقافي؛ تلك هي المقومات التي لن نتناولها من جانب اللغط " اللغة، العروبة، الزنجية،" بقدر ما سنتناولها من الجانب الأكثر تعزيزا للوحدة الموريتانية وأكثرها قبولا في مواجهة عالمية لا تبقي ولا تذر؛ باعتبار أن التنوع الثقافي مصدر قوة للإنسان في مواجهة التشرذم؛ فمجتمع "البيظان" الذي يشكل أغلبية سكان البلد لا زال يحافظ حتى اليوم على مكونات ثقافية تميزه عن غيره من باقي شعوب القارة الإفريقية؛ مدعوما بروابط دينية تمثل مصدر قوة لوحدته وتماسكه، فالمجتمع يتبع مذهبا واحدا هو " الإسلام" الذي صار مصدرا أساسيا للهوية الثقافية الشنقيطية، رغم محاولة المستعمر القديم " الاحتلال" والحديث " العولمة" أن يلعبا على إبعاد ذلك المصدر بطرق مختلفة، تمازجت فيها الضغوطات الاقتصادية والثقافية داخل مكوناته، وعمدت في تدميرالاقتصاد المحلي عبر إنشاء اقتصاد بديل يستمد منه قوته، وتفكيك البنى الثقافية واللغوية المحلية، وتحطيم الثوابت الصلبة فيه كالعقائد والتقاليد والأنماط الثقافية المتأصلة تاريخيا والتي ينظر إليها الاستعمار كقلاع تتحدى أهدافه الثقافية والسياسية. وخلال هذه السيطرة الكلية تنشأ علاقات اتكالية يقوم من خلالها المستعمَر بتقليد القوة المستعمِرة، وذلك ديدن المغلوب، أو كما قال إبن خلدون أن "المغلوب مجبول على تقليد الغالب"، نجم عن ذلك تشويه التكوين الأصلي للثقافة والهوية، باستنباط منشأ "التخلف لدى الآخر"، لتحل محله مصادر اللغة، والعرق، الخ..؛ هناك أنماط ثقافية وشكلية سائدة في المجتمع الموريتاني تتشابه فيها مكوناته ثقافيا، فالمرأة مثلا في مجتمع "البيظان" عرفت تقليديا بزيها الخاص، الذي يعرف ب " الملحفة" وهي نوع من الملابس يغطي كافة الجسم ماعدا الوجه والكفين، ويتقاطع مع الموروث الديني للإنسان الموريتاني ومذهبه الذي يقتدي به وهو "مذهب الإمام مالك".. والرجل يلبس الفضفاضة " الدراعة" منذ أن وطأت قدماه هذه الأرض، وهي تعتبر جزءا من هويته الثقافية. أما المرأة الزنجية فلا تزال رغم غزوات العولمة وإغراق السوق بالملابس الحديثة ك" البنطلون" فلم تتزحزح غالبيتهن الساحقة، عن مورثوها الضارب في أعماق الوجدان الإفريقي فظلت تحافظ على زينة جسمها بما يعرف ب"رنباية"، ويتقاطع الرجل الزنجي، مع " العربي" في لبس " الفضفاضة" مع اختلاف في التفاصيل؛.. وهكذا ظل الشعب الموريتاني معتزا ومحافظا على مورثه الثقافي والعقائدي الذي يشكل صمام أمان لهويته ويميزه دون غيره، بعيدا عن جدليات زائفة يحاول العولميون الاستعماريون، أن تطغى على حاضره، وتحدد ملامح مستقبله وفقا للمصطلحات الضيقة: عربي أوزنجي, إفريقي، أوعربي, فرنسية، عربيّة , تعريب أوتفرنس, أبيض أوأسود, كبلة أوشرك، بيظان، حرا طين !!، مدعمة بمصطلحات حديثة على المجتمع كالتهميش، والإقصاء، والاضطهاد الثقافي، وأني لهم ذلك؟؟ وسنخلص أخيرا إلى أن السبيل الوحيد للشعب الموريتاني من أجل المحافظة على هويته في وجه التحديات الخارجية والداخلية، هو تعزيز أواصر الأخوة الدينية بين مكوناته، التي تعتبر داعما قويا لنسيجه الاجتماعي، كما يجب الإسراع في تعديل المنظومة التربوية وإدراج تحسينات عملية عليها، من قبيل فرض تدريس اللغات الوطنية الأربعة في الابتدائية لطلاب المدارس، لتجاوز الإعاقة في التواصل بين فئات الشعب المختلفة للتواصل في ما بينها

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016