الصفحة الأساسية > آراء حرة > حين يحرجنا الدهر ...

حين يحرجنا الدهر ...

السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2013  02:05

محمد عبد الرحمن الحسن

إن الرابطة التي تربطنا بالله كمؤمنين بوجود الله هي رابطة مقدسة ، منشأها الحق ، و قوامها الهداية ، سالكين في ذلك صراط غير المغضوب عليهم و لا الضالين ، فلطالما كانت الرابطة الدينية هي المنظم الأساس للعلاقات الاجتماعية في مجتمعنا الموريتاني ، فمع اختلاف الألوان و الأعراق و الايديولوجيات الفكرية و الانتماءات السياسية كان الدين دائما هو الضامن الوحيد لوحدتنا الوطنية ، فمهما اختلفنا فإننا نتفق ، لأننا مبدئيا متفقون . إلا أن الصراعات حين يكون طابعها ديني محض تكون طاحنة و مدمرة ، و لا تبقي و لا تذر ، لأن التعصب للانتماء الديني هو أعمق أنواع التعصب ، و أكثرها تجذرا في النفس البشرية ، لأن الدين مهما كان يجسد مقدسات الانسان ، التي يمكن لهذا الأخير أن يكتبها بدمه . سأحاول أن أصل إلى ما أريد دون أن أسقط الزجاجة التي من المحتم أنها ستنكسر لو سقطت ، و ليعذرني القارئ فلقد قادني فضولي إلى هذا الموضوع ، و لكن لا غرو فلطالما كان الفضول هو أرقى وسائل التفكير . لقد لاحظت أننا في زمن تكثر فيه الأسئلة ، لكن الأجوبة في المقابل غير موجودة ، أو ضبابية إن وجدت ، هذا فقط لأن السائل يقتله عطش الفضول ، و الذي يجيبه لا يملك سوى قطرة واحدة لا يعرف كيف يمدها . لقد وجدت أمامي الكثير من الأشياء التي قادني فضولي إلى البحث عن حقيقتها ، أشياء من قبيل : لماذا موريتانيا ؟ لماذا نجمة و هلال ؟ لماذا هذا النشيد ؟ لماذا موقع العاصمة حيث هو الآن ؟ لماذا الاسلام هو دين الدولة ؟ لماذا نحن دولة سنية ؟ لماذا جل الاحالات في قوانيننا إلى المذهب المالكي بالتحديد ؟ و ما يهمني أكثر هنا هو التساؤلات الأخيرة ذات الطابع الديني أو العقدي ، و ربما الجواب عليها بديهي جدا ، و لربما التساؤل سطحي في نظر البعض . فالإسلام دين الدولة لأننا مجتمع أنعم الله عليه بالإسلام ، و نحن مجتمع سني لأن السلف كان كذلك ، و لم تعرف هذه البلاد فئات أخرى ، و إن عرفت فإنها ظلت ضئيلة إلا حد ما ، و أما الاحالات إلى المذهب المالكي فمبررها أن المذهب المالكي هي وذهب الأمة الموريتانية . لكن الحياة علمتنا أنها لا تسلك نفس الشوارع دائما ، فالحياة كثيرا ما تضيف أوراقا جديدة إلى قائمة الورق ، و نحن في زمن أصبح فيه الانسان كائنا سائدا ، تعتبر حقوقه و كأنها إكسير الحياة ، و من هذه الحقوق حرية المعتقد ، و نحن كدولة ندخل في اتفاقيات دولية تفرض علينا أن نعطي لكل شخص كامل حرية المعتقد و حرية التعبير أيضا عن هذا المعتقد الذي ليس بالضرورة أن يوافق ما وجدنا عليه آبائنا ، و ما نحن عليه . و إذا ما رجعنا لتساؤلاتنا فإننا سنلاحظ أن لها بعدا آخر يتخطى البداهة و السطحية ، و يسكن أساس ربوع المستقبل ، لكن جميع المؤشرات تدل عليه ، فحين تم تقرير أن الإسلام دين الدولة كان ذلك تماشيا مع واقع المجتمع ، فالمجتمع الموريتاني حينها كان مسلما بكامله ، فنحن مجتمع و الحمد لله لم نعرف بعد تعددية دينة ، لكن المتابع للرأي العام و ما يجري على هذه الصحراء التي يخنقها البحر سيلاحظ أن هناك جماعات جديدة نشازا عنا ، و عنا أجدادنا تحت الثرى . فإلا جانب المنظمات التنصيرية هناك جماعة الملحدين التي ظهرت بشكل قوي مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي بل وصل بهذه الجماعة الأمر أن نشر أحد منتميها مقالا عنوانه ( لكم دينكم ... و لي الحادي .. و الوطن للجميع ) إن هذه الدعوة و إن كانت في المهد ، و إن كانت بصوت خافت فهي بدون شك مجرد مقدمة لها ما بعدها ، فهذه الملحدة تقول بأنه حتى ولو كانت ملحدة فإنها تظل موريتانية و تطلب الحماية ، و هذا يدل بلا شك على أنه تشعر بالغربة و الخوف ، لكن هذا لم يمنعها من أن تطالب بما تسميه حقها المشروع ، فمهما يكن فهي إنسان . هذا بالنسبة للدين كأيقونة عامة ، لكن داخل هذه الأيقونة ما هو أكثر حساسية و تعقيدا ، فمن المعروف أن جميع الطوائف و المذاهب و الفئات تحاول توسيع امتدادها عالميا كفكر ، لأن هذا يكسبها سمعة و يعطيها صيتا ، و قوة ، و هذا ما يتجلى لنا في ما تشهده الساحة الموريتانية من مد شيعي ، و في المقابل نلاحظ أن أموال الخليج تتدفق علينا بطريقة مخيفة ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن كلتا الدولتين تحاول أن تثبت وجودها في هذه الرقعة الجغرافية ، فلربما بعد زمن قصير تتعدد مذاهب هذا المنكب البرزخي من العالم ، و يكون فيها سنة و شيعة و لادينيين و علمانيين ... إلخ . و حين تصطدم هذه الإيديولوجيات ببعضها ، و يعبر كل منها عن فكره و رأيه سيثور التساؤل من جديد لماذا الإسلام هو دين الدولة ؟ و لماذا الاحالات إلى المذهب المالكي ؟ و لماذا الدولة الموريتانية دولة سنية ؟ سيثور هذا التساؤل من جديد حين يحرجنا الدهر ، فالأسباب التي كانت قديما تجعل الجواب عليه بديهي انتفت فالأمة الموريتانية أصبحت تعرف أكثر من ديانة ، أكثر من طريقة ، و مذهب ، و فئة ، و في هذه الحالة لن يكون هناك بد من تغيير الدستور الموريتاني ليضمن أن الدولة علمانية ، هذا فقط لكي تستوعب هذه التشكيلة المجتمعية المختلفة . و أود في الأخير أن أشير إلى أننا ديننا الواحد ، مذهبنا الواحد ، سنيتنا هي الضامن الوحيد للوحدتنا الوطنية ، لذا فإن أصبح هناك اختلاف في الدين في المذهب .. إلخ لن يكون هناك مجال للاتفاق مستقبلا إلا في إطار الدولة العلمانية التي يفصل فيها الدين عن الدولة .

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016