الصفحة الأساسية > آراء حرة > حتمية التغيير

حتمية التغيير

الجمعة 3 أيار (مايو) 2013  07:27

الحاج ولد المصطفي

التغيير سنة كونية وقوة كامنة لابد للإنسان أن يواجهه بوعي وبصيرة أو بعفوية وتلقائية ودفع من الظروف المحيطة ،والسلوك مظهر تتجلي من خلاله سلسلة التغييرات التي تطرأ علي الفرد داخل المجتمع وعلي المجتمع داخل الأمة ولكي يوجه الإنسان مسار التغيير ويتحكم فيه لابد من استحضار حقائق كثيرة تتعلق بالدين والثقافة والوسط الطبيعي والظروف التاريخية والسياسية ومستوي التعليم .فكيف نفهم حتمية التغيير ؟ ونتحكم في مساراته؟ يولد الإنسان طفلا يقلد الأصوات ويحاكي الكبارفي تصرفاتهم ويتعلم منهم كيف يلبي حاجاته الأساسية ويظل علي هذا الحال حتي يكبر فيقوده تعليمه والوسط الذي يعيش فيه والثقافة التي ينتمي إليها إلي اتجاه عام في السلوك والطموح والمجتمع كذلك كائن بشري يتصرف بعقل جمعي يتكون عبر مراحل التجمع المكون له ويسلك طريقا مشابها للإنسان وفي كلتا الحالتين يواجه الإنسان والمجتمع التغيير المستمر في أحواله وأوضاعه ويكون عليه أن يختار بين طريقين : الأول :تسلكه الغالبية من الأفراد والمجتمعات المتخلفة (من غير المتعلمين والمتبلدين فكريا) ويقوم علي التقليد في التعلم والتكيف مع الوسط والظروف بالقدر الذي يلبي الحاجات الغريزية وفي هذا الطريق تترسب العادات والتقاليد وتراكم تراثا من الممارسات اللاواعية والمتخلفة الثاني: يسلكه المصلحون والقادة وتدعو له إليه الديانات السماوية و يناصره العلم الحديث ويدعمه تاريخ الحضارات والشعوب ويتم فيه التخطيط والتحكم في مسار التغيير إن المجتمع الموريتاني واحد من المجتمعات التي لايزال التغيير فيها يواجه عقليات متخلفة ويسير عبر منهج الإنفعال و الإستجابة المتأخرة . إن المحيط الطبيعي يكيف سلوك المجموعات من خلال فرض أنماط من التعايش مع الوسط إما بالسيطرة عليه واستغلاله لخدمة الإنسان بواسطة العلم وقد كان من دواعي نهضة العلم وانتشاره الصراع الذي خاضه الإنسان مع الطبيعة وإما من خلال الهروب خوفا من المواجهة أو عجزا عن المقاومة ولعل أسلوبنا في الحل (كلما كانت الطبيعة مواتية للحياة) والترحال (عندما تقسو) هو الطابع المميز لحياتنا البدوية وهو يبرر بترحاله الدائم عجزنا عن تكيف الطبيعة ومجابهة تحدياتها فهي تفرض علينا أسلوب التغيير، فنستجيب طائعين وينفعل مهزومين والإنتقال في قيم العمل وأسلوب الحياة من نمط إلي آخر يتم عبر طريقين متعاكسين:
-  يركز الأول علي الإرادة الجماعية والقناعة الفكرية والتحليل الواقعي والإستشراف المستقبلي ويعتمد علي الدراسة والتخطيط والتقويم والتحكم المستمر في مسارات التغيير وملاءمتها مع الطموح والإمكانيات والتوجهات العامة
-  في حين يسلك الطريق الثاني العشوائية والعفوية والإستجابة القسرية وهذا الأسلوب في التغيير هو مايسلكه مجتمعنا ويأتي متأثرا إما بإرادة الأشخاص دون الجماعة أو معطيات الواقع ومحدداته الخارجية . إن الأفراد في المجتمع الموريتاني يفرضون توجهات عامة علي الناس وفق قناعاتهم الشخصية وطموحاتهم الغريزية ولا يجدون صعوبة في التقبل الجماعي للتوجه الذي يفرضونه علي المجتمع نظرا لعوامل الجهل والتخلف والطبائع النفسية واللاشعورية وهؤلاء الأشخاص "المتنفذون" حصلوا علي هذا الإمتياز المجتمعي التاريخي بواسطة :
-  المنزلة الإجتماعية وقد تأسست نتيجة الصراعات المجتمعية والثقافية علي القوة المادية أو الفكرية ونتج عن ذلك تقسيم اجتماعي قيمي تراتبي (لعرب،أزواي ) في أعلي السلم وفي أدناه يوجد –(آزناق، لحراطين ، لمعلمين ، إيقاون) والتغيير وفق هذه التراتبية هو ما يختاره أشخاص في الفئيات العليا ويملي علي الفئيات السفلي وعادة ما يتم اختيار الأفراد للنمط الحياتي تأثرا بنزوة أو انفعال أو تصرف عفوي عند شخص ما في الفئة العليا
-  المستوي المادي بعد التغييرات العالمية وظهور الدولة الحديثة نتيجة اختيار وتخطيط استعماري بامتياز ودون إرادة ومشاركة واعية محليا بدأت أساليب الحياة تتأثر بالعوامل المادية أكثر من أي عامل آخر نتيجة تفكك أبنية التكافل التقليدية وأصبح العامل الإقتصادي هو الأكثر تأثيرا في تحديد التراتبية الإجتماعية ومن ثم الأقوي توجيها للسلوك العام من خلال اختيارات الأغنياء وتوجهاتهم الشخصية (خياطة دراعة بازانه،موديل السيارة، الوجبات الغذائية، المرشح السياسي)
-  النفوذ السلطوي (العسكري) رسخ الإستعمار النفوذ العسكري وأمده بمقومات سلطوية قوية من خلال السيطرة علي أجهزة ومرافق الدولة الأساسية وبدأ توظيف الأشخاص لهذا النفوذ مبكرا وأخذ اتجاهات كثيرة ركزت في وعي الناس صعودا مسمرا لتراتبية النفوذ السلطوي في هرم المجتمع والدولة ومع أول انقلاب عسكري شهدته البلاد في السبعينات من القرن الماضي تحددت وجه التغيير وارتبطت بإرادة الإنقلابي مهما كانت مخالفة للمبادئ والقيم أو موافقة لها لا فرق بين (التطبيع مع الصهاينة عندما يكون اختيار "إنقلابي" أو تطبيق الشريعة حين يرتضيه "انقلابي" آخر) . إن التغيير بواسطة نفوذ الأشخاص أخذ عدة صيغ غبر التاريخ الموريتاني وظل يوجه سفينة التطور والتحول الإجتماعي والسياسي، ومشاريع التغيير الحديثة ما فتئت تراوح مكانها نتيجة ضعف مؤهلات المجتمع الثقافية والمدنية وأبرز العوامل المساعدة علي بناء مشروع التغيير الموريتاني تتلخص في مايلي:
-  التعليم يشكل التعليم أساس قيام المشاريع التغييرية الواعية والمبنية علي أسس راسخة، فبواسطته تحدد الغايات من التغيير وتوضع الإستيراتيجيات والأهداف العامة والإجرائية وتنفذ الخطط التربوية الهادفة إلي بناء الجيل المتشبع بالقيم الجماعية الواعية للأهداف التغييرية المستقبلية، وعن طريق التعليم وحده يمكن التحكم الواضح في مسارات التغيير بما يرتضيه المجتمع في توافق وانسجام
-  المشاريع السياسية هي أكثر الصيغ حداثة ومجانسة للتحولات الثقافية العالمية ويمكن ملاحظة أن هذه المشاريع وجدت في الواقع المحلي منذ تأسيس الدولة ولكنها واجهت واقعا مجتمعيا متخلفا وجاهلا ظل يرفضها في وعيه الجمعي وإن جاء قبولها عبر صيغ متفاوتة فالمشاريع التي عرفتها البلاد (الإسلامي والقومي والعلماني بطرفيه: اليساري واللبرالي) كلها خالطت مصادر النفوذ والتحمت بها في بعض المراحل وحاولت استخدامها في المناسبات السياسية والدعاية الإنتخابية مما أثر سلبا علي مصداقيتها(لدي المثقفين) وحد من قوة تأثيرها الإيجابي (علي المجتمع).

-  العولمة والإعلام يمتد تأثير العولمة ليشمل جميع الكيانات الإجتماعية العالمية وهو ينقل مشاريع تغيير أممية قوية التأثير خاصة علي الأمم المتخلفة والتي لاتمتلك البدائل المنافسة لذلك يسير اتجاه تأثير العولمة ووسائلها الإعلامية إلي الإتجاهات السلبية في التغيير، لكنها قد تكون عوامل هامة في نشر الثقافة السياسية والوعي المدني ويمكن للمشاريع السياسية التغييرية توظيفها في معاركها الإديولوجية .

إن التغيير قدر الإنسان في هذا الكون وحتمية حياتية تمليها ضرورات التكيف المستمر مع الطبيعة والحياة وهو فوق ذلك سنة الله في خلقه وقد وجهنا الإسلام إلي مشاريع تغييرية قائمة علي مجاهدة النفس وتغييرها وفق معايير حددها الشرع وأسسها علي العلم والوعي والإرادة والتخطيط لا الجهل والعفوية والتقليد والتخبط

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016