في مقابلة مثيرة مع السيد برام ولد اعبيد رئيس حركة الإنعتاقية قال ولد أعبيد لوكالة كيفه للأنباء أن خروج السكان إلى الشارع إبان حرقه للكتب كان عملا مدبرا وبأوامر الحكام ومفوضي الشرطة وأن تلك المحرقة اثبتت أن البيظان خاضعون لرأي عام يحدده "شارع الرزقّ" وأضاف برام أنه لم يحدث أن سجن قبله أي أحد بسبب الكلام في العبودية وشدد على أنه يهب نفسه للدفاع عن الحراطين وكافة المظلومين بكل الوسائل السلمية حتى تتحطم البنية الاجتماعية الظالمة وفيما يلي نص المقابلة :

وكالة كيفه للأنباء : السيد بيرام ولد الداه ولد اعبيد، لقد اعتقلت يوم 28 ابريل على خلفية إحراقك لمؤلفات دينية قبل أن يطلق سراحكم. ثم اعتذرتم للشعب الموريتاني .هل يمكن القول أن ذلك نابع من الاعتراف بالذنب وهل أنتم نادمون على تلك الفعلة ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد : للتصحيح تلك الكتب لا أعتبرها دينية و إنما هي اجتهادات من بشر و تنتمي إلى فترة زمنية متجاوزة خاصة ما فيها يتعلق بالإسترقاق الذي اعتبرته القوانين الموريتانية جريمة ضد الإنسانية.. و قد طالبنا غير ما مرة بضرورة مراجعتها، ولم نجد أي أذن صاغية . . و قد اتضح لنا أن السبب الذي جعل مشرعي موريتانيا لا يستطيعون الحكم لصالح ضحايا الرق هو أن هذه الكتب تشرع تلك الممارسات و هي معتبرة بدلا عن القرآن و السنة هي كتب الشريعة، التي يحيل إليها الدستور. أما عن اعتذاري فلم يكن عن الحرق و لا عن المواقف المؤدية إليه لكن اعتذار لؤلائك الذين لم يفهمونا ولم نعطيهم الوقت الكافي لإشراكهم في الامر و الذين وجدوا فيه خدشا لمشاعرهم لما قامت القوى الظلامية بجميع أطيافها من إرجاف وكذب و تلفيق.. ففي الحديث : سيروا سير ضعفائكم ..لقد فهمنا ما لم يفهمه هؤلاء و استغلهم اعداؤنا و استخدموهم لغايات لا علاقة لها بالحرق و لا حتى بالدين عموما ..فعدنا إليهم نلاطفهم حتى يتسنى لهم رؤية الحقيقة كما نراها نحن اليوم ، وقد تبين أن الجميع يفهم هذه الدواعي اليوم و الدليل على ذلك هو إلتفاف الجماهير العريض و النخب حول مشروعنا الماضي في نفض الغبار عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووضعهما في مكانتهما التي احتلتها هذه الكتب منذ وقت طويل.. و من الغريب في االامر أنها لم تعد معتبرة إلا في موريتانيا ولذلك لم يبقى للعبودية أثر إلا في موريتانيا حيث هذه الكتب . و لم و لن اندم على ذلك الفعل بل أنا مقتنع اليوم اكثر من أي وقت مضى إنه كان لابد منه لتطهير الدين الإسلامي الحنيف ، دين الحرية و الإنعتاق ، دين تكريم بني آدم ..مما ألحق به من دس و تزوير للحقائق ..تمثل هذه الكتب أكبر حافظ له

وكالة كيفه للأنباء: هل تعتقدون أن عملية المحرقة هذه والتي احتج عليها السكان في الكثير من مناطق الوطن قد قدمت قضيتم أم ترتبت عليها آثار عكسية ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: السكان يحتجون بأوامر من الحكام و مفوضي الشرطة، و ما وقع من احتجاجات كان بأوامر رسمية مبنية على الكذب في احيان كثيرة .. قيل للناس الابرياء ، الذين لا يثقون اصلا بعقائد ابناء العبيد ـ إننا حرقنا القرآن .. فوسائل الدولة كلها استخدمت من اجل تحريض الناس ضدنا و ذلك من اجل إشفاء ضغائن ضدنا سببها نضالنا الذي ازعج ملاك العبيد و زج بهم في السجون رغم انف الدولة و انحيازها ..اعتقدوا أن هذه فرصة لقتل هذا النضال الذي يقض مضاجعهم ..لكن الريا ح جرت بما لا تشتهي السفن..و الجميع يدرك ـ اليوم ـ ان هذه المحرقة الرمزية قد قدمت قضيتنا عشرين سنة إلى الامام ..دخلنا السجن و منتسبينا مئات و خرجنا منه و هم آلاف.. فهم القاصي و الداني أننا جاهزون لدفع ثمن النضال و أننا نملك القدرة و الشجاعة على الصدع بكلمة الحق

وكالة كيفه للأنباء : في مهرجانكم بكيفه عتبتم على "جانبور" و هي المجموعة التي عملت الكثير من أجل انعتاق العبيد ووفرت لهم الملاذ والحماية في ظروف قاسية دون أن تنعت بالتطرف أو أي شيء في هذا المعنى فهل لا تستفيد الانعتاقية من أسلوب هؤلاء الذي طبعه التوازن والواقعية آنذاك ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد : عتبت عليهم حبا لهم و تقديرا لمجهوداتهم الماضية و عدم فهمهم لدوران عجلة التاريخ ..أنا اكن الإحترام للمرحوم يب سلا و لأبنائه و احفاده ولدورهم الرائد في خلق شحصية جامبور في القديمة لكني لا اقبل منهم و لا من أي من أحفادهم التراجع و الإنصهار في مبادرات و تجمعات قبلية أعادت الإعتبار إلى إقطاعية اندثرت منذ زمان...أما التطرف ـ الذي يذكر دوما عندما نطالب نحن بمعاقبة المجرمين ـ ليس من جانب واحد فالممانعة تطرف و التاويل الخاطئ تطرف ..أم أنكم ترون التطرف فقط في كل ما لا يخدم المجتمع الإستعبادي..حاولوا أن تحسنوا عباراتكم ..فالمتطرف هو ذلك الذي يعمل جاهدا من اجل منعنا من حقنا في الحرية و الكرامة ..ذلك الذي يمنع إيرا من حقها في التنظيم و يقسم التراخيص يمنة و يسرة لكل من هو جاهز للتطاول علينا و نبحنا لمجرد كوننا طالبنا بحقوقنا بطريقة اخترناها لانفسنا

وكالة كيفه للأنباء : تقوم المبادرة الانعتاقية بالكثير من الأنشطة والفعاليات التي تحتاج إلى الكثير من الإنفاق فمن أين تحصلون على الأموال؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: الارزاق بيد الله ..و هو يرزق العبد على مقدار همته .. و هو رب المستضعفين ووعدهم بان يمكن لهم في الارض و هو وعد قرب تحقيقه حسب المؤشرات و القرائن .ونحن لا نتحرك بالاموال بل بالإرادة الجماعية انفقنا في هذه القافلة مثلا ما يزيد على ثلاثة ملايين كلها تبرعات من مناضلينا و مناصرينا في الداخل و الخارج من الموريتانيين فقط و هم سيقرؤون هذه المقابلة . و يشهدون على ما اقول ... فموريتانيا فيها رجال و نساء احرار ..يجري في عروقهم دم الإنسانية و الوطنية .و ليسوا كلهم أعداء الإنعتاق وعبدة الدرهم و الوظيفة ... لذلك اوجه لهم كل الشكر و الإمتنان ..فنحن نقر ر النشاط أولا و نبدأه و الله يرزقنا ما نحتاجه للقيام به .. هكذا نحصل على الضروري من الوسائل ..ثم إن الوسائل لا تكفي وحدها لقيام النشاطات .. .هنالك منظمات لها وسائل هائلة لكنها غير معروفة و غير مؤثرة و نحن منظمة لا وسائل لها و غير معترف بها و بالتالي محرومة من المساعدات و الهبات و المشاريع التي تقدمها منظمات دولية لمنظمات حقوقية مثلنا .ولكن نحن اكثر المنظمات حضورا و تاثيرا ..العبرة ليست بالوسائل و لكن بالإرادة..و بالإرادة وحدها تتحقق المعجزات

وكالة كيفه للأنباء : من الملاحظ أن منتسبي المبادرة الانعتاقية هم في أغلبهم من شريحة لحراطين فماذا ستفعلون من أجل جعل قضيتكم قضية وطنية تناضل من أجلها كافة القوى الحية وهل تعتقدون أن مشروعكم سينجح بنضال فئة واحدة ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم " عندما يحس الجميع باننا ماضون في طريقنا للتحرر سيلتحق بنا الجميع و لن يكون ذلك على حساب منهجيتنا في النضال أو اندفاعنا فيه و إنما سيقتنع الناس شيئا فشيئا بصدق نوايانا و قد بدأ ذلك فعلا يتحقق ، فقد انضمت لمنظمتنا في الشهر الماضي شخصيات من كل فئات هذا الشعب و خاصة من ايناء المجتمع الذي تعتقد أنت و غيرك أن كل قضية لا تكون وطنية إلا إذا شاركوا فيها

وكالة كيفه للأنباء : بيرام عند الكثير من " البيظان" كما في بعض لحراطين : يوصف بالعنصري ، المتطرف وأوصاف أخرى كثيرة فهل تقدم نفسك لهؤلاء ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد : الكثير من الناس الذين تلمح إليهم هم أناس لهم نوايا سيئة في اتجاهنا و لا يفيدهم أي تقديم لشخصي مهما يكن. أنا مواطن عانيت الإسترقاق و الإقصاء و عاناه أجدادي و إخوتي و اخواتي و رأيت الناس يعانون شتى انواع المعاناة بسبب مولدهم و الوانهم ... الاراضي الزراعية في شمامه احياها اجدادنا و هي ملكية لآخرين لم يبذلوا فيها أي جهد ، رأيت الناس تنتزع أملاكم بالميراث بحكم نص ما أنزل الله به من سلطان مثل " مال العبد لسيده" تلك امثلة فقط من بين اخرى كثيرة . لهذه الاسباب وهبت نفسي للدفاع عن هؤلاء و ذلك بكل الوسائل السلمية حتى تتحطم البنية الإجتماعية الظالمة و يبنى على انقاضها مجتمع عادل .يعيش فيه ابنائي و ابناء العبيد و البيظان و الزنوج في تناغم و تآخ لا يهدده شيء ..أنا نتاج الظلم و الغبن و التهميش ..انا التطور الطبيعي لنضالات لحراطين منذ فجر التاريخ وحتى اليوم ..أنا موريتاني يحس بنقص الإنتماء إلى هذا الوطن ..لا يمكنني السكوت على الظلم مهما كان مصدره و مهما كانت ضحيته ..و مستعد لمؤازرة كل مظلوم مهما كان لونه أو عرقه..

وكالة كيفه للأنباء : يلاحظ البعض أن أسلوب بيرام اتجاه ولد عبد العزيز منذ خروجه من السجن لا يتسم بالحدة والتشدد الذي طبعه قبل ذلك وهو يسوي في خطابه بين الموالاة والمعارضة . ما هو تعليقكم ؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: نحن اسلوبنا في النضال نحن من يحدده و يرسم له الخطط حسب استراتيجية خاصة بنا و لا نريد من خلاله إزعاج زيد ولا إسعاد عمرو .. موقفنا من عزيز هو نفسه ، لكن حادثة المحرقة الرمزية بينت لنا أنه لا فرق بين هؤلاء و اولائك ..فقد اتفق الجميع على عدم فهمنا و تسابق الجميع إلى التنديد بالعملية التي قمنا بها و تباروا كلهم في اختيار العبارات النابية لوصفنا و المطالبة بالنيل منا ..و ظهر الجميع في سباق من اجل اكتساب ود الإستعباديين ولا أحد ، إلا من رحم ..ـ التمس لنا احسن المخارج كما تعودوا ذلك في مثل هذه الحالات و أبشع منها ..اتحد البيظان بشتى مشاربهم و تبين أنهم كلهم خاضعون لرأي عام يقوده "تجار شارع الرزق" بانواكشوط و الكل يريد اكتساب ودهم طمعا في اصواتهم و أصوات المؤلفة قلوبهم من من يؤثرون فيهم ..و في الواقع فهم كلهم راحوا ضحية لمخطط المخابرات الرامي إلى صدهم عن مسيرات الرحيل وكسر شوكتهم و لم يتاملوا الفخ إلا بعد فوات الاوان..لقد غلب عليهم هاجس الإستعباد و الميل إلى تحميل العبيد وزر كل خطيئة ... قديما قيل " عن البيظان ما ينفظحُ في مكان فيه السدان" فطفقوا يحملوننا مسؤولية ترددهم و ضعف إرادتهم و نسوا أننا رفقاء درب .. لا أذيال لهم و لاهم يختارون لنا الطريق الذي نريد أن نسلك هذا هو عتبنا على المعارضة و هذا سبب مقارنتنا بينها و بين الموالاة و هذا هو السبب الذي جعلنا نقرر إنشاء جناح سياسي راديكالي تماما لا يهمه الكرسي الرئاسي قبل ان يتغير نظام المجتمع و تنضج افكاره ..ذهب ولد الطايع لكن لم يتغبر شيء لان لا شيئ جاهز اصلا للـتغيير و التغيير الفعلي لم يحن بعد ولم تتهياله الظروف و المعارضة تريد تغيير الاشخاص و لا يبدو انها تاخذ العبر من الماضي.

وكالة كيفه للأنباء : السيد بيرام هناك تيارات يسارية فعلت الكثير في مجال محاربة العبودية والاقطاع وانعتاق لحراطين منذ فجر قيام الدولة الموريتانية ومع ذلك لا تذكرونها بخير فما هي أسباب ذلك؟

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: لا اعتقد أن هذه التيارات التي تذكر فعلت ما فعلت لكي تذكر او تشكر ..و لا انكر أن عملا ما قيم به لكني لست راضي عن نتائج ذلك العمل لأنه كان يهادن الناس و يحابيهم و يحاول سرقة التغيير في حين أن هذا لم يتجاوز مستوى المهدئات ..لم يسجن احد قط قبلنا بسبب العبودية و لم يخف استعبادي على عرضه او حريته قبل تضحيات إيرا..فعلا ، قامت حركة الحر بطرح المشكل لكن سرعانما تم احتواؤها و بدأت الدولة تتاجر بالملف تعين كل من رفع الراية في وظيفة سامية لكي يتنازل عن النضال فمنهم من باع القضية و منهم من غير رايه و منهم من ينتظر و هو بين اليأس و العجز و هنا احيي شباب إيرا الذي بعث الامل في نفوس موريتانيا الاعماق خلال القافلة و هو اليوم مرابط امام مفوضيات القصر لفرض تطبيق القانون 048/2013 المجرم للإسترقاق..

لكم جزيل الشكر

أجرى المقابلة الشيخ ولد أحمد