الصفحة الأساسية > آراء حرة > ضد الجنرالات..مرة أخرى/ أبو العباس ابرهام

ضد الجنرالات..مرة أخرى/ أبو العباس ابرهام

الخميس 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012  09:50

هل رأى الحب سكارى مثل الجنرال عزيز والسيد مسعود ولد بولخير؟ يمرض الجنرال عزيز ويكاد يفقد صوته فلا يجد من يتصل به ويناجيه غير رئيس غرفة برلمانية منتهية الصلاحية. ويحتاج الجنرال إلى إبراق رسالة عاجلة فلا يقوم بتوصيلها للملأ إلا صاحب أهم مبادرة محايدة في البلاد، مبادرة رافضة للوقوف مع- أحرى تمثيل- طرف ضد آخر. طبعا، مسعود ليس جاسوسا لولد عبد العزيز. وهو أيضا أكد هذا للمشككين. إنه الحب في الله ولله وبالله.

يُجاهد الجنرال ليهمس في أذن البرلماني الذي يحاول بقلق تمييز صوته. فما إن يتمكن منه حتى يصرخ بلوعة المشتاق وكأنه في مشهد من روميو وجولييت:
- أوه، روميو، لماذا لم تتصل بي؟ وهنا يرد عيه الجنرال:
- ألم أخبرك يا جولييت أن تتصل بالقس لورانس في أي وقت أردت رؤيتي. وهنا يتلعثم النائب وكأنه يسمع التوصية لأول مرة:
- لم أفعل لأنني ظننت آل مونتاغ أصابوك بسوء في هذا الوضع الطارئ. كم قلقت عليك. لقد حاولت اللحاق بك ولكن الفرنسيس المردة منعوني.

طبعا يمكن تبرير اتصال الجنرال برئيس مجلس النواب بحجج المفسرين القروسطيين- الذين يعتقدون أنه بإمكانهم الكشف عن الحكمة الربانية من ترتيب الإنشاء القرآني بالإحالة إلى تأويلات وقتية متهافتة- بأن االحكمة من الاتصال بالسيد مسعود تكمن في أنه الشخص الوحيد الذي كانت المعارضة ستصدقه، وخصوصا أن الحكومة ظهرت بأنف مستطيل وهي تكذب وتكذب بخصوص رصاص "اطويلة". ولكن أليس هذا دليل آخر على عدم المؤسساتية؟ الدليل الأول هو أنه لم يهتم في أيام"شده وعده"، بتعبير مسعود، بالمؤسسات الدستورية. أليس دليلا على احتقار المؤسسات أن قائد دولة لا يثق حتى في حكومته ولا في إمكانية أن تقنع الحكومة الشعب أنه موجود؟ أليس مقلقا على وضعية السلطة أن الجنرال يفضل التواصل عبر قنوات غير رسمية لجعل الأشياء رسمية؟ ماذا لو هو يفعل هذا في إدارة البلاد؟ وماذا لو أنه سيفعله في توريث الحكم؟ هل أنا وحدي من يرتعد خوفا من هذا؟

2

يوجد الجنرال عزيز في فرنسا للتداوي من آثار رصاص تعرض له بالخطأ عندما اخترق إشارات المرور. هذه القصة العجيبة قضت على برنامج الرجل: فقد قدم نفسه للعالم أنه رجل الأمن وأنه يتحكم في دبيب النمل في الصحراء. أما في الداخل فقد باع صورته على أنه محمد علي باشا: أنه مصلح الاستطباب وباني الطرق. صحيح أن أهم محام بالبلد صدق هذه الأسطورة. ولكن اليوم هل هنالك دليل أكبر على فشل دولة الأمن من أن أهم شخصية في البلد يتعرض للرصاص وبدون حتى أن تتم محاسبة قاتل الملوك، الـregicide المحظوظ الوحيد منذ مقتل عمروبن هند؟ هل هنالك دليل على فشل نظام المرور من أن الرئيس يخرقه؟ وأن أمن الطرق لا يجد من آلية لإيقاف سيارة إلا إمطارها بأكثر الرصاصات في العالم تطورا: رصاصات تضرب من الوراء وتصيب في الأمام؟ هل هنالك دليل على فشل الاستطباب من أن الرئيس يضطر للإرتحال والغياب وقتا للتداوي من إصابة يصفها حزبه ووزير إعلامه بالبسيطة؟

3

ولكن الجنرال عزيز ليس فاشلا دوما. لقد نجح لأول مرة في خلق ناد من الضباط المنضبطين في سلسلة من المصالح الوثيقة جعلت بعضهم لا يتربص ببعض. أقطعَ لكل من الجنرالات الكبار مصالح معروفة. أما صغار الضباط الخطرين فقد أوقف غرغرة بطونهم أو سرحهم إلى الثغور. إنه أول عسكري في البلد يقوم بانقلاب ثم لا يضطر لتحييد الرجل الثاني لئلا يقفز عليه. توحدهما في هيئة شخص واحد ومصالح ومشاغل واحدة أنقذ له ظهره. فعندما سقطت طائرته في الصحاري واختفى يوما بأكمله في الغبار وتم تمرير فكرة التخلص منه فإن جنراله الوفي هب وذب عنه المتطايرين. وعندما أصيب برصاصة واختفى كأنه الحاكم بأمر الله تاركا وراءه بلادا بلا مؤسسات منتخبة وفي مأزق دستوري فإن جنرالاته أبقوا الأمر على ما هو عليه. كأنهم مجموعة من مقتفي أثر اللصوص يغطون أثر اللص بقدح في انتظار الإمساك باللص وعودته.

إن هذا جيد بقدر ما هو سيئ. إنه جيد لأنه أبعد عنا سيناريو يونيو 2008 عندما تحارب الجيش ليومين على السلطة. ولكنه سيئ لأنه يعني سيطرة المصالح المالية/العسكرية على البلاد. وهذا خطير في سيناريو توريث الحكم. إن المعلومات التي من نمتلكها عن صحة الجنرال عزيز مختلفة. ولكن علينا التيهئ لمشهد أنه ربما يعود بالفعل رئيسا. وقد يبقى لفترة-لاقدر الله- زائرا جيئة وذهابا للمستشفى. وربما يجد صعوبات في التنقلات بين الولايات والمصالح. وربما لا يقدر على تسيير المرحلة. وربما يفكر في سيناريو نقل للسلطة. وأكثر من هذا فإنه لا يثق كثيرا في طول صبر المؤسسة العسكرية عليه. لذا فهو يبعث بإعلان عاجل عن أنه "حي ويرزق" حتى لا يحفز حراك المعارضة والموالاة تخلخلا في بنية السلطة. إنه يعلم أن تحالفات رجال الأعمال الورعين وشبكاتهم تضغط على الجنرالات للقيام بانقلاب لصالح مصالحهم ومطامحهم. إنه يحاول القيام بترتيبات ظرفية طوارئية، وحتما غير دستورية، بل وغير مؤسساتية.

4

إن ما تخشاه موريتانيا في هذا الظرف العصيب- حيث أدى إهمال الجنرال عزيز حتى لشكليات الديمقراطية إلى أن تصل البلاد إلى مرحلة أزمة دستورية نفذت فيها جميع صلاحيات المؤسسات الدستورية- هو أن تقوم الطغمة الحاكمة بموافقة الجنرال أو بعدم موافقته بهندسة بقاء لادستوري في السلطة أو أن تحاول بأغلبيتها الصورية تشريع حالة انقلابية أخرى. ولقد بدأت بالفعل في هذا: 1-وحدت قيادة الجيش في قبضة واحدة. 2-قامت بالتحكم في الحكومة. 3-قامت بهندسة حالة طوارئ غير معلنة (منعت مسؤولين وأموالا من السفر. أطلقت حركة تفتيش ومراقبة واستنفار عسكري واسع. سيطرت على الإعلام العمومي وعلى الشرطة الوطنية. وبعلزبول وحده يمكنه أن يعرف ماذا يحدث في كواليس الثكنات).

5

لقد قامت المعارضة الموريتانية بأشرف حركة سياسية في تاريخها عندما أسست "الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية". ولقد كانت تلك الجبهة جبهة تم تأسيسها كرد فعل بعدي على أحد أكثر انقلابات القارة مسخرة (لم يكن داديس كمرا والنقيب سونوغو غير تقليد له). الآن على المعارضة القيام بمعارضة انقلاب دستوري وسياسي بشكل استباقي. إنها لا تريد إلا ضمان انتقال السلطة، الذي يحدث الآن- في إطار الحياة الطبيعية لأي دولة ديمقراطية. عليها التعسكر في الشارع في إطار الدعوة للحكم المدني، الدستوري، الخالي من إكراهات ما وراء الستار، والخالي من هندسة المصالح الغربية. إن تظاهرة المعارضة مهمة. ولكن عليها الآن الشروع في التحضير لمؤتمر وطني موسع، بمشاركة من يشاء من السياسيين ورجال المجتمع المدني والفقهاء والشيوخ. على المعارضة التاريخية القيام بإجماع عام وتقديم مقررات تاريخية ناجمة من تشاورها. وتكون تلك المقررات وثيقة وطنية وروحا للعمل بين جميع القوى المدنية، خصوصا في غياب اتفاق على النصوص القانونية المنعدمة الصلاحية.

إن الوقت يستارع بأكثر مما نتصور. لقد كانت مبادرة مسعود ذات قيمة شبه دستورية بالأمس. اليوم أصبحت تعني تجميد الوضع القائم لحين قدوم الجنرال عزيز فيعلن التخلي عنها. أصبحت مناورة. فقط بالسرعة وبالتشاور الموسع وبالقوة الشعبية وبالعهود والمواثيق باتجاه حكم مدني موسع ومنتخب ستتجاوز موريتانيا أهم تحدي في تاريخها: تحدي الكابوس العسكري.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016