الصفحة الأساسية > آراء حرة > آفاق الانتقال السياسي بموريتانيا... البعد الدولي والإقليمي

آفاق الانتقال السياسي بموريتانيا... البعد الدولي والإقليمي

الأحد 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2012  06:27

عبد الرحمن ولد أمبيريك، صحفي موريتاني مقيم بالمغرب

بغض النظر عن صحةِ ما شاع عن تحرك عسكري لإزاحة ولد عبد العزيز من عدمه ‘تبرز حقائق تساعد على فهم الوضع المبهم السائد راهنا في موريتانيا. لا مراء في أنَّ القرائن تتواتر على أنَّ صحة الرئيس ليست جيدة‘و آخرها كتابة خطاب العيدْ.

الغالبُ أنَّ التمرد على رئيس مريض على بعد آلاف الكيلومترات من قصرهْ أمرٌ سهلْ‘كما لا جدال في أنَّ المؤسسة العسكرية اليوم تكاد تخلو من تعددِ الأقطاب ما يُسهل على قيادتها سوقها مجتمعة خلف أيَّ تحركْ اللهم إذا استثنينا الحرس الرئاسي-المعروف بولائه لولد عبد العزيز- رغم أنه لن يكون بمقدوره لوحده مواجهة جيشٍ بأكملهْ.

لكن كل هذه العوامل الداخلية يعترضها عامل خارجي ربما أكثرُ حسما منها‘و يتعلق بالموقف الفرنسي. ففرنسا، و حتى لو باركت عزل ولد عبد العزيز‘فإنها لا تُريد أنْ يكون ذالك في شكل إنقلابٍ عسكري، و هي تصدر في هذا الموقف من اعتبارين؛

1-صرح الرئيس فرانسوا هولاند ‘قبل أسابيع في داكار‘بأنَّ عهد شبكات فرنسا أفريقيا إنتهى و قال إنَّ فرنسا تريد شراكة جديدة مع أفريقيا قوامها الندية والاحترام.و يُفهم من ذالك أنها ستكف عن التدخل في الشؤون الأفريقية و لو على نحوٍ محدود يكون‘على أدنى تقديرْ‘أقل فجاجة من ما كان عليه الأمر في السابق‘إذ كانت شبكات (فرانس آفريك أو شبكات جاك فوكار) هي من يَحسم في الموقف من الانقلابات العسكرية في افريقيا.و ليس ببعيد منا انقلاب ولد عبد العزيز نفسه على الرئيس المدني سيدي ولد الشيخ عبد الله عام 2008.و نتذكر حينها أنَّ مساعي رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لدى المحامي (روبر بورجي) كانت العامل الحاسم في تبديل الموقف الفرنسي من الإنقلابْ، كما أنَّ مساعي بورجي لدى الرئيس الغابوني الراحل عمر بونغو نجحت في إقناع الفرنسيين بالإيعاز إلى الرئيس السنغالي عبد الله واد -و قد كان أيضا صديقا لبورجي قبل أنْ يختصما بسبب نزاعٍ مالي بين بورجي و كريم واد- بالوساطة المشهورة التي انتهت إلى اتفاق داكار الذي جُرَّت إليه المعارضة جرا‘حتى أنَّ بعضها صرَّح بعدم قناعته بالإتفاقْ قبل توقيعه.

إنَّ أي موقفٍ فرنسي داعم لإنقلاب عسكري سيُسيئ كثيرا إلى اليسار و الرئيس فرانسوا هولاند و هو الذي يُكابد مواريث اليمين الثقيلة‘و من نافلة القول أنَّ عهد هولاند يختلف عن عهد ميتران الذي كانت فيه الإنقلابات مقبولة خاصة في افريقيا .و لتجاوز تركة اليسار تلكْ يتوجب على هولاند تصحيح العلاقة الفرنسية بأفريقيا التي قال إنَّ مستقبل العالم سيَتحدد فوق أرضها.و كان الرجل يعي ما يقول‘و حتما يستحضر تراجع الحضور الفرنسي في القارة على مختلف المستويات و خاصة المستوى الاقتصادي.و النجاح المالي و الاقتصادي في إفريقيا‘و العالم الثالث عموما‘هو وحده ما سيُمكن فرنسا من تجاوز أزمتها الماليةْ.

2-إنَّ وقوع انتقالٍ للسلطة في موريتانيا في شكل انقلابٍ عسكري صريح سيُدخل البلاد في أزمةٍ داخلية.فأنصار ولد عبد العزيز و تحديدا محيطه القبلي بدا متوثبا (مظاهرات الليلة الماضية) في الدفاع عن النظام ‘و لإن كان التاريخ السياسي الموريتاني يشهد على تهافت و وصولية النخب الحاكمة سواء كانت صادرة عن بعد سياسي صرف أو عن خلفية قبليةْ.بيد أنَّ تجربة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية عقب انقلاب الثامن غشت 2008 ربما تكون ملهمة لفلول النظام الحالي في حال سقوطهْ.و هنا يكون على هولاند أنْ يظهر بمظهرٍ يُناسب قيم اليسار و يختلف عن سياسات ساركوزي التي تصدرُ عن عقلية شبكات فوكارْ.و تفاديا لذالك ربما لا زال الفرنسيون يرفضون انقلابا صريحا.

يستأثر الوضع في شمالي مالي باهتمامٍ بالغ لدى الفرنسيين و معهم الأمريكيون‘و هو إهتمام مفهوم بحكم التهديد المباشر للأمن القومي الأوروبي (و منه الفرنسي) الذي يُشكله تمكن القاعدة من إقامة قيادةٍ متقدمة في الساحلْ.و تُعول فرنسا كثيرا على الإسهام الموريتاني في الحرب المنتظرة في شمالي مالي‘و أسباب ذالك جلية أهمها تفوق الجيش الموريتاني (من حيث العديد و العدة و الجاهزية و التجربة النسبية التي راكم في مواجهة القاعدة) على دول أفريقيا الغربية التي ستُشكل قوام القوة التي ستُقاتل القاعدة‘و سيكون ذالك طبعا بدعم لوجستي من فرنسا و الولايات المتحدة و دول غربية أخرى.و بالتالي فحصول إنقلابٍ عسكري في موريتانيا و ما سيُرتب من تداعياتٍ داخلية (أزمة سياسية محتملةْ) أو خارجية (عقوباتْ أو ما شابهْ) سيؤثر سلبا لا محالة على الدور الموريتاني المأمول فرنسيا.

و خلاصة القول أنَّ العامل الخارجي (وصول اليسار إلى السلطة في فرنسا) و صلاته بالسياق الإقليمي (الأزمة المالية و إسهام موريتانيا المنتظر فيها) سيكون حاسما في أيَّ انتقالٍ للسلطة في موريتانيا.بيد أنَّ جهدا جادا و موحدا من قوى المعارضة-التي لا زالت غائبة عن الفعلْ-سيكون مفيدا للمؤسسة العسكرية إذا قررت التحرك لعزل ولد عبد العزيز‘ و سيُكسبها سندا شعبيا و سياسيا هاما‘كما قد يُؤثر في الموقف الفرنسي و الدولي عموما. فكما نجح معسكر ولد عبد العزيز في الدفاع عن إنقلابٍ على رئيسٍ مدني يُفترض أنْ تنجح المعارضة في تبريرِ تحركٍ لملئِ فراغٍ دستوري و عزلِ رئيسر عسكري نفذ إنقلابينْ.لكن جهد المعارضة هذا يجب أنْ يأخذ في الحسبان أنَّ المعركة النهائية ليست مع ولد عبد العزيز و إنما مع الجيش بغرض إبعاده نهائيا عن السلطةْ لمصلحته و لمصلحة البدْ أيضا.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016