الصفحة الأساسية > آراء حرة > عيسى ابن مريم في حديث التراويح

عيسى ابن مريم في حديث التراويح

الأربعاء 25 تموز (يوليو) 2012  05:03

أحمدو المهدي

حديث التراويح في الليلة الثالثة من ليالي رمضان , هو محاولة لإعادة قراءة جوانب من التراث الإسلامي من خلال عرضها على سورة آل عمران . وقد تناولت سورة آل عمران في بدايتها , جانبا من الشهوات التي زين للناس حبها , وكان النساء على رأس قائمة تلك الشهوات كلها , لكن الله تعالى ندب إلى ما هو خير من تلكم الشهوات بمختلفها : قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [(15) آل عمران ] ويظل حديث التراويح في هذا المعنى , سبعة عشرة آية أخرى , ليتخلص في الآية الثالثة والثلاثين , إلى قصة آل عمران . وآل عمران من ذرية آل إبراهيم , وآل إبراهيم من ذرية نوح , ونوح هو آدم الأصغر باعتباره أبا لكل من جاء بعده من بني آدم , وكان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق , ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [(34) آل عمران ] كما تناول حديث التراويح موضوع أهل الكتاب , ودعاهم إلى كلمة سواء , ونعى عليهم محاججتهم في إبراهيم وما أنزلت التورية والإنجيل إلا من بعده , لكن حديث التراويح فرق بين طوائف أهل الكتاب ولم يجعلهم على درجة واحدة , لا في الأمانة ولا في الاستقامة ... ليسوا سواء . جاء أيضا في سورة آل عمران توثيق الكثير من الأحداث التاريخية المهمة , مثل انتصار المسلمين في بدر : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) ... وكذلك هزيمة المسلمين في أحد : إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) ... كما تناول حديث التراويح في هذه السورة المباركة , موضوع أكل الربا بالأضعاف المضاعفة , وهو جانب لم يرد تخصيصه في سورة البقرة , فكان لا بد من تخصيصه لأنه أسوأ أنواع الربا على الإطلاق , وأخطرها بالإجماع , وهو الربا الذي لا يمكن تحويله إلى هوامش ربحية , ولا إلى مكافئات خدمة , بسبب النسبة المتجددة أو الفائدة المتصاعدة , التي عبر عنها القرآن بالأضعاف المضاعفة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [(132) آل عمران ] هذا بالإضافة إلى كثير من النصائح المهمة , والأخلاق القيمة , والأحداث المفصلية , التي تناولها حديث التراويح في هذه الليلة , لكن التركيز في آل عمران , كان على دعاء زكريا , وعفة مريم , ومعجزات عيسى , صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين . وسوف نقتصر من آل عمران , على موضوع عيسى بن مريم حتى نتعرف عليه في ضياء القرآن . وحقيقة عيسى صلى الله عليه وسلم , محفوظة في القرآن منذو قديم الزمن , والقرآن مقدم على أحاديث الملاحم والفتن ، والعلماء قد اختلفوا فيه كل حوله يدندن ، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن , وقد وردت في شأنه آراء كثيرة . ومن هذه الآراء التي يتداولها المسلمون فيما بينهم , وتنسب إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم , أن المسيح مات ثلاثة أيام , ومنهم من قال بموت المنام , ومنهم من فند جميع هذا الكلام . وهناك من يقول إن حكاية خلود عيسى ابن مريم , عقيدة نصرانية تسربت إلينا من حيث لا نعلم , فأصبح بعضنا يدافع عنها كأنها الدين القيم . ولكن العلماء ردوا على هؤلاء بالآيات التي وردت في سورة النساء : وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [ (158) النساء ] . ولكن هذه الآيات أيضا , قد فسرت عند البعض بالآية التي بعدها مباشرة : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ (159) النساء ] كما قالوا أيضا : إن الآيات الأول , وإن كانت إنكارا على قول اليهود : إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ , إلا أن الله تعالى قد ينفي القتل عن من قام به , لينسبه لشبهة كانت السبب من ورائه , أو ينسبه جل لنفسه مثل قوله : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ .... [ 17 الأنفال ] , فنفيه هنا , لا يعني إنكار فعل مشهود , ونفيه هناك , لا يعني تبرئة اليهود الذين يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس , وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير . هذا بالإضافة إلى أن جملة : بل رفعه الله إليه , لا تعني رفعه بجسمه , وإنما تعني رفع درجته ومكانته , ولهذا جاء الرفع في سياق الممات تكريما لروحه بعد الوفاة : إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا , فالآية الأولى: بل رفعه الله إليه , تحقيق للوعد الذي تضمنته الآية الثانية : إني متوفيك . وإذا كان قوله : بل رفعه الله إليه ؛ خلى من ذكر الوفاة والتطهير, واقتصر على ذكر الرفع , فإنه يجب أن يلاحظ في هذه الآية , جميع ما ذكر في الآية الأخرى , جمعا بين الآيتين وإعمالا للدليلين ... ثم إن الرفع في لغة القرآن معناه رفع المكانة والدرجة , قال تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع . وقال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . وأما الأحاديث التي يستدل بها البعض هنا فقد أجيب عنها بإجابتين : أولاهما أن عامة تلك الأحاديث هي من أحاديث الآحاد , وأن أحاديث الآحاد لا توجب الاعتقاد , وأن المسألة هنا مسألة اعتقادية لا تصلح فيها النصوص الظنية , لأن الظن لا يغني من الحق شيئا . والإجابة الثانية: أن تلك الأحاديث ليس فيها كلمة واحدة عن رفع عيسى , وإنما فهم الرفع من كلمة النزول , فاعتقد البعض أن نزول عيسى , معناه هبوطه من أعلى إلى أسفل , وهكذا قرر هؤلاء صعود عيسى بجسمه , بمجرد أن في الأحاديث إشارة إلى نزوله , مع أن لغة العرب لا تجعل الرفع ضرورة للنزول , ولا النزول ضرورة للرفع , فإذا قلت ـ مثلا ـ نزلت ضيفا على فلان فلا يلزم من ذلك أنك قد هبطت عليه بطريقة برشوتية كلا . وقالوا أيضا إن الآية ليس فيها حجة لمن يقول إن عيسى قد رفع إلى السماء , لأنه لا يوجد أي ذكر للسماء بإزاء قوله تعالى : إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ , بمعنى أن إضافة الرفع إلى الله في هذه الآية , كإضافة الهجرة إليه في قول لوط : إني مهاجر إلى ربي . وقول إبراهيم : إني ذاهب إلى ربي سيهدين , فليس معنى هاتين الآيتين , إني ذاهب إلى السماء أو مهاجر إليها , لأن السماء في الآيتين لا ذكر لها . والسؤال الذي يطرح نفسه : إذا سلمنا أن عيسى سوف ينزل آخر الزمان , فهل نستطيع استقباله كنبي يأتي بعد خاتم النبيين , أم أننا لا يمكن أن نستقبله إلا بعد أن ننفي عنه نبوة أثبتها له القرآن ؟؟ وإذا كنا متفقين على حقيقة عيسى عليه السلام , وأنه نبي مرسل بالإسلام , وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام , فهل يجوز لأي مجوف يأكل الطعام أن يخرج عن سنة الله في تلك الأجسام ؟ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [(75) المائدة ] .

وإذا كان الصديق قد تجرأ على كبار الصحابة وقال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . فهل يجوز لأحد أن يقتدي بأبي بكر ليقول : ومن كان يعبد عيسى أيضا فإن عيسى قد مات . وإذا جاز لنا أن نتهم أعداء الإسلام , ألا يمكن أن يكون الصليبي الذي عجز عن مقاومة المسلم برمحه وسيفه , قد غزاه بعقيدته وفكره فتفوق عليه بدهائه ومكره , حتى رسخ في المسلم نشيد أغنيته : الحياة لنبيهم والموت لنبيه ؟! وإذا استقرأنا التاريخ , أليس من المعروف تاريخيا , أن وفاة الأشخاص المتبوعين , لا بد وأن تترك أثرا سلبيا يلقي بظلاله على تصور الأتباع وتفكير الأعداء ؛ فالأعداء لا يكتفون بموت الزعيم , بل يريدون حذفه من التاريخ وحرمانه من رحمة الله . والأتباع أيضا لا يكتفون بذكر محاسن الشخص وستر مساوئه ؛ بل يريدون نفي الموت عنه أصلا , حتى يظل الزعيم على قيد الحياة . وهكذا تضيع حقيقة الأشخاص , بين إفراط الأتباع وتفريط الأعداء . والسؤال الأخير : هل من الأدب مع الله أو مع عيسى ابن مريم أن نصفه بتلك القصة المسرحية , وأنه كاد أن يقع ضحية لمآمرة دنيئة , ولكنه أفلت منها ونجا بأعجوبة , ثم رفع إلى السماء في إجازة مفتوحة , ولن يموت أبدا حتى ينزل إلى الأرض , فيقتل الخنزير , ويكسر الصليب , ويضع الجزية , ويقتل الدجال , ويصلي خلف المهدي , ويحرز المسلمين من بطش يأجوج و مأجوج ......... وهل ينسجم هذا التمويه مع سنة الله في إظهار قدرته , لحفظ أوليائه على رغم أنف أعدائه : قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [ (70) الأنبياء ] وقوله تعالى : وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [ (13) القصص ]

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016