الصفحة الأساسية > الأخبار > هل اَتاك حديث الجنود

هل اَتاك حديث الجنود

الخميس 21 تموز (يوليو) 2016  11:10

عبد الله ولد المرواني

لا أظن أن في عالمنا المعاصر جيوشا أسوأ سمعة وأشد انهزامية وأكبر غدرا، وأكثر انتهازية من جيوش دولنا العربية. نعم، لقد ضربت الجيوش العربية أسوأ مثال في ازدراء الشعوب المستضعفة واضطهادها وقمعها وكبتها بل وفي تقتيلها وتشريدها.

لقد أضحت أساليب "جنودنا" في مسلكياتها مع شعوبها تشبه إلى حد كبير أساليب فرعون وجنوده مع موسى وقومه. إن فرعون وجنوده يمثلون في الثقافة الإسلامية رمز القمع والديكتاتورية والاضطهاد على مر العصور . ولم يكرر القرآن - في أغلب سوره - قصة موسى مع فرعون وجنوده إلا لسبب واحد هو : ألاّ يتحول حكام العصر وجنودهم إلى فراعنة جُدُد.

وكلنا يعلم اليوم أن ما تقوم به الجيوش العربية ، أو سمّهم – وفق المصطلح القرآني – بـ"الجنود"، يفوق بكثير ما قام به فرعون من إجرام ضد شعبه. فالقرآن عندما يحكي طرَفا من جرائم فرعون يقول ( إن فرعون عَلا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين). فرعون يستضعف طائفة من شعبه ، أما الجيوش العربية فتستضعف شعوبا بأسرها وتذبحهم رميا بالرصاص، وتمشي على أجسادهم بالدبابات... وكلنا رأى ذلك بعينيه على شاشات التليفزيون.

تعالوا الآن نرى – على عجل – أمثلة بسيطة وسطحية جدا مما قامت و تقوم به هذه الجيوش العربية ضد الشعوب المضطهدة وضد كل ما له صلة بعقائد الشعوب :

- الجيش المصري يقوم بتقتيل الآلاف في مجزرتي رابعة وساحة النهضة وفي شبه جزيرة سيناء تحت غطاء دولي . وبتعتيم إعلامي منقطع النظير.

- وعن الجيش السوري فحدث ولا حرج ... كل العالم رأى ولا يفتأ يرى ما يقع في سوريا من قتلى ومشردين ولا أريد إعطاء أرقام عن عدد الضحايا ، والمشردين، والمهجّرين لئلا أصيبَ القارئ الكريم بالإحباط.

- فئة من الجيش التركي، وهو جيش مسلم، قتلت ما يربو على مائتي روح، في المحاولة الإنقلابية الأخيرة على أردوغان، ورأينا بأعيننا على قناة الجزيرة كيف يطلقون الرصاص الحي على الناس في الشوارع...

- أما جنود القذافي فقتلت ما يربوا على خمسين ألف مدني خلال المواجهات أيام الثورة الليبية
- الجيش المغربي له تاريخ عريق في قمع الحركات الريفية ، وتُشدد فيه الرقابة على من يؤدي الصلاة من عناصره. وذكر لي صديق مغربي كان خدم في الجيش أن»الجنود « يُنصحون بعدم الالتزام الجدي بتعاليم الدين. ومن يصلي منهم فإنه يراقب بكثافة ويوضع على لائحة خاصة.

- الجيش التونسي له موقف مشهور من الدين لا داعي للخوض فيه، والشرطة التونسية – أيام بن علي - تعتقل وتعذب كل شاب يصلي بانتظام صلاة الفجر في المسجد.

- الجيش الجزائري ، في حرب 91-92 يقوم بتقتيل مئات الالاف من الجزائريين و يذبح عائلات برمتها ، ضاربا عرض الحائط بكل المبادئ الإنسانية والدينية والعربية.

يقول أحد جنرالات الجيش الجزائري في تصريح لإحدى القنوات الفرنسية ( كنا نعطي العقاقير المهلوسة لجنودنا ونلبسهم لُحَى اصطناعية ليوهموا الناس انهم من الاسلاميين ونبعثهم في الجبال والقرى لذبح المدنيين ... ويصورونهم ويبعثوا بالصور إلى التلفزيون الجزائري لينشر في الناس أن الجماعة الإسلامية هي من قامت بهذه المجازر) ... وهدف الجنرالات من وراء هذا العمل كان معاقبة الشعب الجزائري الذي صوت للإسلاميين بالغالبية الساحقة وتنفيره من الإسلام. وفعلا نجحت الفكرة ...و أصبحت اليوم غالبية الجزائريين تلعن كل ماله صلة بالدين من قريب أو بعيد.

ولعل عدم انتهاض الجزائريين أيام الثورات العربية ضد حكامهم راجع إلى وخز جروح مجازر التسعينات التي لمّا تندمل. في نفس السياق، ذكر لي زميل جزائري أن أي جندي يُرى وهو يصلي فإنه يُضرب بالسياط وتُشدد عليه الرقابة. وأنه من الاجباري علي أفراد الجيش حلق اللحى وإلا فالعقاب فالتسريح من الجيش فالملاحقة...

يحق لنا أن نتساءل إذن : بما أن كل جيش في هذا العالم له عقيدة معروفة، فأي عقيدة تتبنى هذه الجيوش العربية؟ ...وما طبيعة الدور الحقيقي الذي تضطلع به هذه الجيوش – أو الجنود حسب التعبير القرآني - ؟ هل هو حماية الشعوب والأوطان ؟ أم الإعتداء عليهم وترويعهم وتشريدهم وتقتيلهم ؟

بقمعها العنيف المتكرر للشعوب المستضعفة ، أمست الجيوش العربية اليوم أشبه ما تكون بعصابات من قطاع الطرق واللصوص والسفاكين همهم الوحيد السيطرة على المستضعفين وهدر حقوقهم وكراماتهم. والجيشان المصري والسوري ، على سبيل المثال لا الحصر، يعطيان اليوم مثال بليغا على هذه الحالة.

ورغم كل الجرائم التي ارتكبتها ولا زالت ترتكبها ضد شعوبها، فلن تجد أن الجيوش العربية سجلت انتصارا واحدا في أي معركة ضد عدوها على مر التاريخ المعاصر. ولكأن الشاعر يعنيهم حين قال :

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة *** ربداء تجفل من صفير الصافر هلا برزت إلى » غزالَةَ « في الوغى *** أم كان قلبك في جناحي طائر صدعت» غزالةُ « قلبه بفوارس *** تركت مدابره كأمس الدابرِ

وغزالة هذه - لمن لا يعرفها - هي امرأة عربية قديمة كان يضرب بها المثل في البسالة وشدة البأس والشجاعة، لدرجة أن – الدكتاتور- الحجاج بن يوسف الثقفي كان يخاف من مواجهتها.

وإن كان القارئ من هواة الشعر الرمزي ، فله أن يعتبر »غزالة « المذكورة في بيت الشاعر رمزا لأي دولة معادية ، ثم يرمز للجيوش العربية بالأسد الذي في صدر البيت الأول، فتتّسقَ الأبيات الثلاثة اتساقا لطيفا ، وتنطبقَ بالتمام والكمال على عصرنا الحاضر وجيوشه العربية الغادرة.

خلاصة

على ضوء انحراف الثورات العربية عن مسارها ، وإثر الجرائم المتكررة التي ترتكبها- حاليا - الجيوش العربية ضد الشعوب المشرئبّة للحرية والكرامة، فيمكننا القول أنه لن توجد أية ديموقراطية حقيقية في العالمين العربي والإسلامي طالما وُجدت هذه الأنماط من ( الجنود) ولن تكون هناك حرية ولا كرامة ولا عزة ولا قوة طالما لم تتغير عقيدة الجيوش في البلدان العربية، فتتحول من جيوش انقلابية إلى جيوش حامية للشعوب وللديموقراطية. وإني لأظن أنه لا بد من انتظار جيل كامل واع، ومتعلم يصل للحكم ...حتى تتغير – تدريجيا- هيكلة الجيوش العربية الحالية وعقيدتها.

إن هذه الجيوش -باعتداءاتها المستمرة على الشعوب المستضعفة – أضحت نسخة طبق الأصل من فرعون وهامان وجنودهما... وصدق الله العظيم إذ قال ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين).

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016